في هذه البلاد تُنتهك الأعراض جهارا نهارا، وتُسْتباح الدّماء علنا ويُمثل بالأجساد بعد ذلك، ويُفلت المجرمون بل ويسرحون ويمرحون، ثم لا يتحرك حاكم ولا فقيه ولا داعية ولا رئيس حزب ولا من له بقية إيمان وكرامة.
أين الدولة ؟ وأين علماؤها؟ وأين مجلس مظالمها؟، وأين أئمتها؟ وأين مثقفوها؟ وأين المحامون الذين يدافعون عن حقوق الناس؟ أين هيئات المجتمع المدني التي ترفع شعارات الحقوق الإنسانية؟ أين رجال التربية والتعليم؟ أين أولياء التلاميذ؟
لم يصدر مجرد بيان استنكار، أقل ما ينتظر من أهل العلم، لا عن مجلس المظالم ولا عن إمام الجامع السعودي، ولا عن وزير الشؤون الإسلامية، ولا عن مجموع الأئمة والدعاة.
لقد صارت موريتانيا بلدا مستباحا، تُنتهك فيه الأعراض وتستباح فيه الدماء و تنهب الأموال وينتشر فيه الخوف بفعل الحرابة.
أين رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن حماية الحرمات والأنفس والأعراض والأموال، وأين ما تحت يده من جيش ودرك وشرطة؟
أين مجلس المظالم والفتوى وأين مفتي الجمهورية وأين أئمة الوزارة، وأين دعاتها، وأين من ينتسبون إلى العلم والدعوة من كل الأصناف.
أين من لهم بقية شرف وكرامة وخلق وعزة نفس من كل أبناء شعبنا في من التجار والعمال والمنمين والمزارعين والمواطنين البسطاء من لا تزال فطرتهم سوية تنكر المنكر وترفض الباطل؟
أين أبناء هذا الشعب من الشباب الغيور على الملة والعرض والكرامة؟ أين التلاميذ والطلبة والخريجون والمثقفون؟
أين آلاف المدرسين حملة لواء القلم والتربية، الذين صرف عليهم هذا الشعب المليارات تكوينا وتعليما، وهاهم يرون فلذات أكبادهم تنتهك حرمتهم ويمثل بهم؟
أين أساتذة الجامعات الذين يهزون المنابر والمنصات دفاعا عن مصالحهم وأهوائهم ويصطفون خفافا وثقالا لمسيرات التأييد والتزلف والنفاق والارتزاق؟
أين السياسيون في الموالين والمعارضين، الذين يملؤون الساحات ويجمعون خيلهم ورجلهم من أجل غايات دنيوية تافهة زائلة؟
أيها الموريتانيون هل هانت عليكم أعراضكم لهذه الدرجة؟ وهل وصل بكم الهوان إلى السكوت على الذلة والمهانة؟
أي بلد هذا الذي يعجز علماؤه عن إنكار المنكر ويعجز أئمته عن الجهر بالحق وتقف سلطته تتفرج على الفظائع وكأن الأمر لا يعنيها، وقد قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). صدق الله العظيم.
ماذا بقي للموريتانيين في هذه البلاد، الجوع ينهش بطونهم والمرض يأكل أجسادهم، والخوف يعمر قلوبهم والذلة تحتوي نفوسهم، دماؤهم رخيصة وأعراضهم مستباحة وأموالهم منهوبة وهيبة دولتهم في مهب الريح؟
إذا لم يهب أبناء هذا الوطن، جميعا، في يوم واحد، لاستنكار هذه الفظائع التي يندى لها الجبين، وتهتز لها الجبال وتخر لها السموات، فإن هذه الأمة حكاما وعلماء وعامة، أمة من أهل السوء ليس فيها بشر سوي له مسكة خلاق أو بقية آدمية.
وإذا لم يتحرك حاكم هذه البلاد لردع المنكرات والإيقاع بهؤلاء المجرمين الأخساء، فلا معنى لسلطته وقد والله وجبت الهجرة عن هذه البلاد، لأن عذاب الله قادم لا محالة، فلينظر كل لنفسه وتلك سنة باقية لا تتخلف أبدا، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( 164 ) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 165)صدق الله العظيم.
اللهم إن هذا منكر وجرم وفسق وظلم وعار وذلة
اللهم إني أشهدك أنني أنكر هذا المنكر ولا أقرّه وأكره من يقرّه ولو قدرت على تغييره لفعلت وزدت عليه.
حسبنا الله ونعم الوكيل
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ولله الأمر من قبل ومن بعد
كتبه عبد ربه الغني به
حماه ولد السالم
في نواكشوط بتاريخ الثاني من ربيع الأول سنة 1436 من هجرة خير البرية عليه صلاة الله وسلامه