كلام في الدرس الموريتاني / فؤاد خليل الراوي

خميس, 2014-12-25 10:18

هذا العالم العربي وإن عصفت به الأزمات وأطاحت ببعض قادته وخلخلت عروش آخرين إلا أنه لم يستفد من دروس الربيع العربي وما خلفه من ويلات بالدول التي احترقت بناره.فمصر- التي دفعت آلاف الأبرياء مقابل حلم الدولة -

 لم تستفد من دروس  الثورة ورسائلها ، بل أكلت الثورات أبناءها ودمرت أحلامها ، وتونس التي تخرج لتوها من انتخابات رئاسية شفافة ولسان حالها يردد أن المنظومة الأمنية  بها شبه منهارة وأن القدر ونضج بعض قادة الرأي جعلها تجتاز امتحانا عسيرا هو الآن في طور التأصيل ، أما منطقة الخليج العربي فحدث ولا حرج...

أمراء وملوك يحكمون رعاياهم بالحديد والنار، لا يحق لهم مجرد التفكير فكيف بالمشاركة في الحكم وهي الحالة التي بدأت تلاقي امتعاضا كبيرا في الشارع الخليجي وبدأت بعض الأصوات تصرخ في الظلام لتأسيس واقع مغاير.

لكن المفارقة تكمن في أن عالمنا العربي الذي انقلب رأسا على عقب بعد ثورات الربيع العربي ، باستثناء الحالة الموريتانية فقد كان لتلك الدولة التي يتجاهلها الكثير من أخوتها العرب دور الريادة في الحكم الرشيد، وقدمت دروسا قلت مثيلاتها لأمتنا العربية...

رئيس الدولة الموريتانية يتشارك الرأي مع مواطنيه، ويفسح المجال أمام العامة أولا من خلال ما أسماه " لقاء الشعب" ليتبعه بلقاء آخر يسمى ب " لقاء الشباب"، هو درس عظيم – رغم بساطته- في الديمقراطية.لم يتوقف هذا الرئيس عند هذا الحد بل فتح ملفات الفساد الإداري في بلده، وأعلن صراحة محاربته ، وبدأ بالمقربين منه ، حتى يفهم الجميع أن لا أحد بمنأى عن التفتيش.

أما الأغرب أن يحدث من رئيس دولة عربية ، هو أن يرفض ابتزاز أوروبا مجتمعة " الاتحاد الأوروبي"، ويقول مخاطبا شعبه " أرادوا ابتزازنا ونهب ثروتنا السمكية فرفضنا"، وتأكيدا منه لرفض تبديد ثروة بلده لم يدرج الرئيس الموريتاني اتفاقية الصيد مع الأوروبيين ضمن موازنة العام المقبل ، حتى يفهم الأوروبيون أن موريتانيا يمكنها التأقلم مع أي ظرف كان.

الثروة السمكية المتجددة يرفض الرئيس بخسها وفي علمنا العربي يستنزف المخزون النفطي تحت يافطة السياسة والخوف والتقرب ويحافظ أكبر مخزون في العالم للنفط على خزاناته "أمريكا" دون أي رادع ولا تفكير بالأجيال القادمةخطوة جريئة تضاف إلى ما حظي به الرئيس الموريتاني من تقدير واحترام كبيرين لدى شعبه بل وكافة الشعوب العربية ، حين أعلن بعد شهرين من توليه سدة الحكم في بلاده عن قطعه للعلاقات مع الكيان الصهيوني، مجسدا بقراره  رغبة الشارع الموريتاني في إنهاء تلك العلاقة المرفوضة.

ولأن الرئيس الموريتاني حطم كبرياء قادة الكيان الصهيوني ، فقد قررت إسرائيل وعملاؤها الانتقام من موريتانيا شعبا ونظاما، وما محاولات تفكيك نسيج  الشعب الموريتاني إلا حلقة أولى من مسلسل "صهيو أوروبي" تدعمه جهات عميلة داخل موريتانيا نفسها، ويباركه أعداؤها من محيطيها العربي والإقليمي .

أما الحلقة الأهم من مسلسل الانتقام فتكمن في محاولة ضرب الوحدة الوطنية في هذا البلد الذي تجمع إثنياته كلمة التوحيد، حيث أنه شعب مسلم مائة بالمائة ، ويعزف اللوبي "الصهيو أوروبي" على وتر التفرقة بين سمر العرق العربي وبيضه ، بعد أن فشل في التفريق بين الزنوج والعرب، وهي مؤامرة  يسعى من خلالها أعداء الأمة إلى تقسيم موريتانيا على غرار السودان إلى دولتين أو حتى دويلات إن أمكن، كي يرسوا دعائم استعمار جديد تحت يافطة حقوق الإنسان، ذلك المجال الذي قدمت فيه موريتانيا أفضل منظومة قانونية من خلال تجريمها لكافة الممارسات المخلة بحقوق الإنسان، وكان المرزاب الذي أغلق باب القضايا الحقوقية هو استحداث هيئة عليا لمكافحة آثار الرق .

المشهد السياسي الموريتاني لم يقف عند هذا الحد فقد جاء اختيار رئيس الحكومة الموريتانية على أساس الكفاءة والخبرة والتجربة – عكس ما يحدث في كثير من بلدان عالمنا العربي- فرئيس الحكومة – حسب علمي- مهندس من أكفئ مهندسي بلاده، حيث كان له الفضل في إرساء أسس البنية التحتية لبلده حين كان وزيرا للنقل ، وكان أول ظهور علني لرئيس الحكومة الموريتانية حالة نادرة في بلدان العالم الثالث، حيث تمثل ظهوره بين حشد من المواطنين البسطاء وهو يجمع القمامات من أمام بيوتهم، في رسالة واضحة يقول مضمونها " لست إلا واحدا منكم".هنا حق لنا كمواطنين عرب أن نفخر بأن موريتانيا الحالية دولة عربية ، يتقاسم فيها المواطن البسيط ورئيس الحكومة ورئيس الدولة ذات الهم  .

علينا أن نطالب حكوماتنا بالوقوف مع هذا البلد العربي في مواجهة الانتقام "الصهيو أوروبي" ، ضد سلب الكرامة ، وأن نطالب الشعوب العربية وشعوب العالم الحر بدعم النظام الموريتاني الساعي إلى تغليب مصلحة بلده العليا على المصالح الضيقة ، والذي بات يعاني حصارا غير معلن من قبل أعداء السيادة ومصاصي دماء الشعوب .