الحملة الكاشفة / أحمد ولد الوديعة

جمعة, 2014-06-20 14:45

يفضل المعارضون المقاطعون وصف انتخابات الواحد والعشرين يونيو الوشيكة بالمهزلة وغير الجدية، وهم على أساس ذلك  لا يضفون الكثير من الأهمية على الحملة الانتخابية الممهدة لها، فحملة المهزلة  بالضرورة هزلية، لكن هل الأمر فعلا كذلك

 أم أن في تلافيف المشهد الهزلي بعض جد وأهمية  إن لم يكن بحساب المعارضين أو الموالين والانتخابات التي ينقسمون  حولها فبحساب وطن وأحلامه وآماله ومستقبله الزاهر حتما  رغم كل عمليات الحجر والسطو، وصفقات التنازل  بالتراضي عن قيمه وثرواته .

  لقد كانت هذه الحملة مهمة وجدية وكشفت عن أمور جديرة أن تنال ما تستحق من اهتمام ونقاش، بل ربما يرقى بعضها ليصبح موضوع أيام وطنية للتشاور.

- فقد كشفت " الصورة الأصلية" للجنرال محمد ولد عبدالعزيز الموجود في قمرة قيادة البلد منذ  قرابة عشر سنوات؛ تاريخ انقلابه على سيده ومعلمه العقيد ولد الطائع،  مكنت الحملة جموع الموريتانيين من متابعة الرجل وهو" يكشف " في كل يوم عن جانب من شخصية تحتقر الآخر، وتنقلب على القيم، ولاتجد صعوبة تذكر في الحديث بخلاف الواقع.

- كشفت عن حقيقة " من يحكم" فظهر الوالد في أقصى الشرق متوسطا لرد شيخ صوفي وقور عن موقفه  المحايد " وتستر" الابن خلف حملات الشباب ومبادراتهم، وتوزع بقية أفراد العائلة الصغيرة والكبيرة بين لجان الحملة وولايات الوطن معلنين بلغة ليس فيها الكثير من المجاز أ نهم من يحكم وأن كل العناوين الأخرى ليست سوى أدوات حكم

تقتضي الموضوعية الاعتراف أن هذه الحالة ليست جديدة فقد كانت موجودة – مثلا  - بوضوح في زمن الرئيس المعلم معاوية لكنها كانت " أكثر حياء واحترافية" مما هي عليه الآن.

-  كشفت أيضا عن فوضى عارمة في طريقة تسيير الشأن العام؛ فالحملة هنا وفرت لنا فرصة لنشاهد من خلال  الشعارات والمبادرات والإدارات الطريقة والعقلية التي تدار بها موريتانيا اليوم، وحجم الفوضوية والارتجالية فيها، يمكن مثلا ملاحظة غياب أي شعار موحد للحملة فمرة " عزيز معنا"  ومرة  " أنتم  الأمل "، ومرة عزيز يطمعنا وهو شعار فهمنا من " أصله  الفرنسي" أنه عزيز يطمئننا لكن " حركة تصحيحية" في مكان ما حولت تلك الطمأنينة إلى طمع، ولأنها حركة تصحيحية نهايتها الطمع فقد كتب لها النور وظهرت معلقة في شوارع نواكشوط  في لافتات قشيبة تم الانفاق عليها من  " حر" مال رئيس الفقراء.

حتى اسم  الرئيس المترشح لخلافة نفسه ظهر بثلاث صيغ " عزيز، محمد ولد عبدالعزيز، محمد عبدالعزيز"  ؛ فأي هذا الثلاثي  يراد للناخبين المفترضين التصويت له، أم أن جهات معارضة " تسللت " إلى محيط من يحكم فأخرجت الأمر بهذه الطريقة حتى يصوت  من سيصوت - أو سيصوت نيابة عنه -  لثلاثة مترشحين فيبطل صوته،  لتجد اللجنة المستقلة نفسها " مضطرة " لإعلان أن البطاقات اللاغية هي من حاز على ثقة الشعب، طبعا لن يخرج هذا الإعلان في النهاية الجنرال من القصر فهو قدم مشروعه في الحكم منذ البداية على أنه خطوة لاغية لقرار إقالته وبين البطاقة اللاغية والخطوة اللاغية  نسب لن يفوت على طاقم  المستقلة للانتخابات الحاذق بالأنساب والنسب، والآخذ غالبا بالأسباب.

-  كشفت الحملة عن عمق العلاقة المشبوهة القائمة بين السلطة والثروة؛ فقد تابع الموريتانيون وهم في عز صيف قائظ طوابير رجال الأعمال المتسابقين لتقديم  المليارات لحملة مرشح واحد، دون أن يكلف الرئيس أو أي من طواقم حملاته عناء تقديم إجابة عن سؤال بدهي لكنه عميق وملح، وهو لماذا كل هذه المليارات لهذا المرشح بالذات، لماذا  لا يذهب هؤلاء " المحسنون المتبرعون " إلى مقرات حملة السيدة لاله مريم لتقديم  ملياراتهم هذه، خاصة أن السيدة لالة ظلت طيلة الحملة في نواكشوط وهو ما يعني أن فرص الحديث معها حول برنامجها كانت  متاحة أكثر بالنسبة لمن يريد أن يقدم  دعمه على أساس برنامج أو رؤية إصلاح.

ليست العلاقة بين المال والسلطة جديدة فقد كانت قائمة منذ فترة لكن الجديد أن الأنظمة السابقة كانت تقيم هذه العلاقة " سرا " ولا تصدع الرؤوس بالجهر بمحاربة الفساد والمفسدين، وإعلان نهاية عهد امتصاص خيرات الدولة من قبل جماعات المفسدين الموجودة في المعارضة، لقد أضاف النظام الحالي إلى هذه العلاقة الآثمة في أصلها إثم المجاهرة بها، وإثم الاستخفاف بالناس  من خلال تقديم نفسه مطهرا للبلد من الفساد مع أنه في الواقع يتربع على عرش المفسدين بكل ما تحمله الكلمة من معان ودلالات.

- كشفت عن مشروع ترسيم القبيلة والعائلة ؛ فظهرت " المبادرات" العائلية في كل بيت، وهي كلها برعاية رسمية، وهو مشروع مطور أيضا عن المرحلة الطائعية لكنه أكثر فجاجة واستفزازا، وهو على كل حال يؤكد الحقيقة التي يبذل الجنرال جهودا خارقة لطمسها وهي أنه مجرد نسخة غير منقحة من نظام سيده العقيد ولد الطائع.

- كشفت  الحملة عن مشروع تدمير فتاك لآمال الشباب في التغيير، تجلى من خلال شباك الصيد الماهرة التي يبدو أن أجهزة الجنرال نجحت مبكرا في وضعها على طريق بعض عناوين النضال الفيسي فحصدت العديد منها، وسريعا خرجتها بذات الطبعة المستفزة، فبدل أن يستر هؤلاء ما ابتلوا به من  انخراط في محاولات يائسة لتلميع وجه حكم عسكري متسلط طفقوا يحاولون " تصدير انقلاباتهم الداخلية إلى بطولات وخيارات ورهانات.

  - كشفت عن احتقار شامل للقوى السياسية بمن فيها تلك  التي  مدت يوما يدا أو راهنت على حوار، أو رضيت المشاركة في انتخابات بدون ضمانات، فقد أظهرت الحملة وما سبقها احتقار الجنرال لكل الطبقة السياسية التي يعدها جميعا من الأشرار في بلد يبدو أن الخير الوحيد فيه هو رجل واحد ربما تكون معه جرافة أو جرافتان  أو حفارة وحفارتان أو ما هو على وزن الحفارة والجرافة.

  - كشفت  الحملة  أيضا عن استشراء مسلكيات السطو والاستيلاء على مال " الغير" حتى في المجال  الافتراضي، وهي حالة شاهدها الجميع في صور جموع من الناس أظهرهم " الفوتشوب" محلقين  حول الرئيس المترشح لخلافة نفسه، وفي ناطحات سحاب أخذت ربما من دبي حيث  تشرف السيدة الأولى هناك على مشاريع مدرة للدخل.

وأخيرا جاءت صور  النساء التواصليات دليلا على " العناية الخاصة التي يوليها فخامته للمرأة"، وهي صورة للمفارقة  من نشاط جمع فيه الحزب المعارض مناضلاته ومناضليه للتعبئة ضد ما يسميه المنتدى " المهزلة الانتخابية ".

   -  أما أهم ما كشفت عنه الحملة التي يسميها المعارضون  - سامحهم الله  - هزلية فهو الأفق  وهل هناك أهم من أن يعرف الناس الأفق الذي ينتظرهم  لقد كشف  الجنرال في مهرجان  الشباب، وعنوان حملة الشباب بالمناسبة " نحن المستقبل " لا أعرف هل أراد  شباب حزب الحاكم من خلال هذا الشعار أن يكشفوا لنا عن سر حظر جمعية المستقبل  فهي إذا خطوة عادية تدخل في إطار حرص  القياة الوطنية على فض  نزاعات الملكية، فقد كان من الضروري قبيل بداية الحملة أن يتم تحرير محل النزاع فتغلق الجمعية التي تدعي ملكية المستقبل المملوك بحكم مقتضيات البيان رقم وحد  للجنرال ومن يليه أو يواليه .

كشف الجنرال إذا في حملته عن أفق واضح للمستقبل؛ عن جدار مسلح بين السياسة وجزء أساسي من أهلها، طبعا لن تسمح أجواء الحملة  بالكشف عن الجهة التي ستفوز بصفقة بناء الجدار المسلح  لكن لاداعي للقلق، فالهندسة العسكرية جاهزة لمباشرة الأشغال، هذا إن لم تكن قد باشرتها بالفعل ولم يبق إلا أن يزاح الستار.