حملت أيام عام 2014 الكثير من الإنفجارات السياسية والتطورات الأمنية أنتجت دوامات من النزاعات الممتدة لا تزال تترك أثارا مدمرة على المجتمعات العربية من اليمن جنوبا مرورا بالعراق شرقا وليبيا وتونس غربا في وقت يزداد الحريق إشتعالا في سوريا ممتدا بآثاره إلى لبنان خاطفا الأبصار عما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق فلسطين والفلسطينيين الذين يترقبون بقلق , مشروع إنهاء الاحتلال وقيام “الدولة الحلم” الذي ينتظر دعما دوليا خارقا لتنفيذه بعد أن إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام قرارا بأغلبية ساحقة يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وذلك قبيل تصويت مرتقب في مجلس الأمن .
و أجرى معهد كارنيجي للسلام استطلاعًا لرأي الخبراء حول أهم أحداث عام 2014، وأي هذه الأحداث أكثر محورية وتأثيرًا في رسم السياسة خلال عام كامل، شمل الاستطلاع عدة أسئلة تتعلق بالصراعات والانتخابات، وأكثر الشخصيات تأثيرًا، وأهم الكتب التي صدرت وبؤر التوتر الحالية والمرشحة، حيث جاءت نتائج الاستطلاع لا تخلو من العديد من الأجوبة المفاجئة والمثيرة.
تعلق السؤال بأهم الأزمات التي تفجرت خلال العام الحالي والمشرحة للاستمرار لفترة أطول خلال العام القادم، وجاءت الأزمة في سوريا والعراق وظهور تنظيم داعش على رأس هذه الأزمات بنسبة بلغت 47%، تلتها الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على العلاقات بين روسيا والغرب بنسبة 27%، بينما حصل كل من وباء الإيبولا والأزمة في قطاع غزة على نسبة بلغت 4%.
أكثر الأزمات أهمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تعد منطقة الشرق الأوسط بؤرة كبيرة من الأزمات التي تفاوتت أهميتها بالنسبة للباحثين، جاء في صدارتها تنظيم داعش الذي حصل على نسبة بلغت 63%، تلته الحرب في سوريا بين نظام الرئيس بشار الأسد وبين معارضيه بنسبة 29%، بينما جاء النزاع القائم في مصر بين الدولة والجماعة الارهابية على رأس الأولوية عند 6% فقط من الباحثين.
وقد أنتجت هذه التطورات حروبا مستمرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وقطاع الذي لا يزال يترنح من الحرب مع إسرائيل في الصيف الماضي ويدفع ثمن الإنقسام الفلسطيني والإجرام الإسرائيلي فيما شهدت دول الخليج التي تحظى بإستقرار نسبي نزاعا وخلافات يجري العمل على إنهائها حيث اصطفت كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية ضد قطر واستمرت الأزمة طوال العام , لكنها إقتربت من النهاية ” غير المكتملة أيضا” خلال العام الجاري 2014 ليترقب الجميع أن يأتي عام 2015 بنهاية سعيدة مكتملة لتلك الخلافات .
الحرب على غزة
حرب الخمسين يوماً والتي قامت فيها إسرائيل بشن الهجوم على غزة وتدمير المنازل وقتل وتشريد الآلاف، بدأ النزاع فعلياً يوم 8 يوليو 2014 على إثر موجة عنف قامت جراء خطف القوات الإسرائيلية للطفل الفلسطيني محمد أو خضير وتعذيبه وحرقه على أيدي مجموعة مستوطنين، تبعها دهس إسرائيلي لعاملين فلسطينيين .
استمر النزاع حتى تم موقف إطلاق النار رسمياً في أواخر أغسطس .. وراح ضحيته ما يقارب الـ 3 آلاف فلسطيني ..فضلاً عن أكثر من 10 آلاف جريح، ويعتبر هذا النزاع من أكثر الإشتباكات دموية هذا العام ..
مؤخراً؛ اتهمت منظمة العفو الدولية اسرائيل بارتكاب جرائم حرب لتدميرها مايقرب من 120 ألف منزل، وإسقاط آلاف الجرحى ، وهو ما رفضته –بالطبع- الحكومة الإسرائيلية !!
ظهور داعش وشن الحرب عليها
إلا أن الحدث الأكبر الذي شهده العام الجاري ولا تزال تداعياته واضحة هو اجتياح تنظيم “داعش” شمال العراق وسيطرته على ثاني كبرى المدن العراقية – الموصل – وتمدده إلى مناطق أكبر في كل من العراق وسوريا , الأمر الذي يمثل أكبر امتحان للعالم العربي , فالتنظيم الذي برز من ركام الحرب الأهلية السورية , وتوسع بسبب السياسات الطائفية في العراق والتي انتهجتها الحكومة السابقة بقيادة نوري المالكي , تحول خلال العام الماضي إلى تهديد واضح ليس لكل المنطقة العربية فقط ولكن لأوروبا وأمريكا , بسبب الخوف من إعادة إنتاج ظاهرة الأفغان العرب .
وقد أدت سياسات الجماعات المتشددة التي تتبنى فكر ” السلفية الجهادية” , والتي استهدفت الشيعة والأقليات الأخرى خاصة المسيحية والأيزيدية , إلى تدخلات غربية – إيرانية بقيادة الولايات المتحدة لوقف زحف الجماعات الجهادية التي يبدو أنها تجاوزن الخطوط الحمر المرسومة , حيث أجبر “داعش” الرئيس باراك أوباما على التخلي عن تردده وإنهاء إستراتيجية ” النأي بالنفس” خاصة فيما يتعلق بسوريا والعراق , وأعاد طائراته الحربية للمنطقة وأرسل أكثر من 3 الاف جندي أمريكي إلى العراق.
وإذا كان ” داعش ” قد رسم بدايات الخيوط المشتعلة خلال عام 2014 , إلا أنه أبقى على تلك الخيوط ممتدة مرهونة بإستراتيجيات جديدة لتكمل النهايات المفتوحة , التي باتت أمرا محيرا , خاصة مع عدم وضوح الهدف من طريقة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بشأن مستقبل هذا التنظيم , ففي سوريا يعتبر تنظيم “الدولة” جزءا من لغز معقد, يواصل فيه نظام الأسد عملياته ومحاولته البقاء في اللعبة ويواجه عددا من قوى المعارضة , فيما تقف الإدارة الأمريكية حائرة بين رغبتين متضاغطتين هما رغبة تركيا في الإطاحة بنظام بشار ورغبة إيران في الإبقاء علييه رغم كل ما تشهده البلاد من دمار .
الأزمة الأوكرانية وتداعياتها
بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد التصويت الشعبي في أوائل شهر مارس/آذار، فرض الاتحاد الأوروبي، ولاحقاً الولايات المتحدة وكندا، المجموعة الأولى من العقوبات – تجميد الأصول وحظر السفر على بعض المسؤولين في روسيا والقرم.
أمر وزراء خارجية حلف الناتو بإنهاء التعاون المدني والعسكري مع روسيا، محذرين من احتمال غزو القوات الروسية الجزء الشرقي من أوكرانيا سريعاً. وإذا تصاعدت الأزمة، فمن المرجح أن يكون لها تداعيات محتملة على بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بشكل مباشر من خلال التجارة وغير مباشر من خلال أسعار السلع الأولية.
السعودية والتنظيمات الإسلامية
أما الحدث الأبرز في السعودية فكان .. إعلانها ان جماعة الإخوان المسلمين وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وحزب الله منظمات إرهابية، بالإضافة إلى إعطاءها مهلة أقصاها 15 يوم لعودة السعوديين المشاركين في هذه التنظيمات ..
أهم 5 أحداث سياسية شهدتها مصر
ورغم أن مصر هي الناجي الوحيد من حرائق ما يعرف ب ” الربيع العربي” , إلا أن هذا العام الذي شهد أحداثا شديدة الخطورة ,ومن أهم 5 أحداث سياسية شهدتها مصر عام 2014 الاستفتاء على الدستورفى شهر يناير ، فوز عبد الفتاح السيسي بالرئاسة يوم الثلاثاء 3 مايو أعلنت اللجنة فوز المشير عبد الفتاح السيسي بنسبة 96.94%.، تدشين قناة السويس الجديدة اغسطس الماضى، عودة مصر إلى حضن إفريقيا فى يوليو و براءة مبارك من قتل المتظاهرين بنوفمبر الماضى .
مصادر القلق التي دشنتها الأحداث خلال عام 2014
ويبدو في المشهد العربي المضطرب أهم مصادر القلق التي دشنتها الأحداث خلال عام 2014 , موجات اللجوء التي لم تتوقف, خاصة مع استمرار الحرب في سوريا الذي خلق موجات متلاطمة من اللجوء , كما اضطرت أقليات عراقية مثل المسيحيين ” الكلدان ” والأيزيديين متسابقين مع العرب السنة للهرب من وجه تنظيم داعش , إلا أن الحالة السورية تبقى نموذجا صارخا على تخلي المجتمع الدولي عن مسئولياته مع استمرار بعض الدول بإدارة ظهرها للاجئين ومنعهم من الدخول لأراضيها.
ومع إستمرار صرخات الأمم المتحدة بالتعاون لتوفير الحماية للاجئين خاصة السوريين , ينتظر أصحاب المأساة وعودا قالت المنظمة الدولية إنها حصلت عليها من 28 دولة , بشأن قبول عشرات الآلاف من هؤلاء اللاجئين ليصل العدد إلى 130 الفا في العام القادم 2015 , وهو ما يعني أيضا أن البدايات المنفجرة لأزمة اللاجئين لم يضع لها عام2014 نهاية مكتملة بانتظار العام القادم 2015 .
أما بخصوص قضية العرب والمسلمين الأولى , فقد شهدت تطورات بالغة الخطورة خلال العام2014 , إلا أن تلك التطورات تركت أيضا الباب مفتوحا أمام العام القادم 2015 ليضع حدا للقضايا غير المكتملة , خاصة بعدما ذهب الفلسطينيون بعيدا , وأكملوا خطواتهم التي أثارت حفيظة المحتل الإسرائيلي , وتقدموا بعد مداولات عربية اتسمت بالتوتر, مشروعا فلسطينيا لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية, بعد أن خضع المشروع إلى عدة تعديلات مهمة لينسجم مع المشروع الفرنسي .
ورغم أن المشروع الفلسطيني الذي يحي الآمال في التوصل إلى مجموعة قواعد تنهي حالة السلام المعدوم بين الفلسطينيين ومحتليهم , خاصة بعد أن تم التأكيد على الحاجة الملحة لتحقيق حل سلمي عادل ودائم وشامل, في موعد لا يتجاوز 12 شهرا بعد اتخاذ هذا القرار, فإن العام 2015 يمكنه أن يكمل الحراك الفلسطيني ليصل إلى محطة نهاية الاحتلال الإسرائيلي القائم منذ عام 1967 ويحقق رؤية دولتين مستقلتين وديمقراطيتين ومزدهرتين, دولة إسرائيلية, ودولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا وقابلة للحياةتعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن ضمن حدود معترف بها بشكل متبادل ودوليا .
استحقاقات انتخابية حول العالم
شهد هذا العام عدة استحقاقات انتخابية حول العالم تباينت أهميتها وفقًا لنظر الخبراء، أدنى هذه الاستحقاقات أهمية كانت الانتخابات في كل من مصر والعراق وإندونيسيا بنسبة لم تتعد 2% لكل منها، ربما لافتقادها إلى الجدية أو المنافسة أو أنها لم تحمل جديدًا يذكر، أما أعلاها أهمية (33%) فكانت الانتخابات الهندية ربما بسبب المفاجأة المدوية بفوز حزب الشعب الهندي وحلفائه بالأغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان على حساب حزب المؤتمر الذي يحكم البلاد منذ أكثر من 3 عقود.
العالم العربي الذي أجبرت أحداث عام 2014 حكوماته , على قبول وضع تراجع فيه الدور الأمريكي في المنطقة , بالتوازي مع استمرار التأثير الإيراني خاصة في لبنان والعراق وسوريا واليمن , فقد تراجعت فيه الأمال في أن تشهد أي بقعة من العالم العربي حالة من السلم والهدوء , خاصة مع إستمرار حالة التراجع السياسي , بسبب محاولات الغرب المضي قدما نحو إلغاء الحدود بين الدول الوطنية التي رسمتها الدول المنتصرة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهزمة في الحرب العالمية الأولى .
الانتخابات البرلمانية العراقية
الانتخابات البرلمانية العراقية 2014: هي أول انتخابات برلمانية منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 ، وثالث انتخابات منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 . ويتنافس أكثر من 277 حزباً وتيارًا عراقيا على 328 مقعداً في البرلمان العراقي.
وقد جرت الانتخابات في 30 إبريل 2014 وفي 18 محافظة عراقية بما فيها الأنبار التي تشهد موجات متصاعدة من القتال بين قوات الحكومة العراقية وثوار عشائر الأنبار. وقد استثنيت محافظة الفلوجة ومدينة الكرمة من إجراء الانتخابات فيها [4]. ويحق لأكثر من 22 مليون عراقي التصويت في هذه الانتخابات[5]. بلغت نسبة الاقتراع في الانتخابات أكثر من 60% بما يشكل أكثر من 12 مليون ناخب ممن يحق لهم التصويت.[6] وقد أُعلنت النتيجة النهائية للانتخابات في 19 مايو 2014.
إنتخابات سوريا في ظل الحرب
عام 2014 كسابقه بالنسبة لسوريا.. يحمل نفس السوء والشؤم إلا ان الأحداث تأخذ شكلاً متغيراً بل ومفاجئاً في بعض الأحيان ..
فبعد حرب دامت 4 سنوات، راح ضحيتها مئات الآلاف ونزح الملايين ، فضلاً عن إستخدام الكيماوي علناً على مرأى ومسمع من مجلس الأمن والأمم المتحدة والعالم الذي لم يحرك ساكناً .. يقوم بشار الأسد بإجراء إنتخابات رئاسية جديدة ،ليربح بالطبع ثم يؤدي اليمين الدستورية معلناً فترة رئاسية جديدة أمدها لسبع سنوات ..!
إنتخابات في ظل الحرب
ورغم كل المعوقات، خاض الليبيون التجربة الانتخابية بكل تفاصيلها، ومعطياتها، وسط آمال بان تفضي العملية عن مرحلة جديدة من شأنها ان تطوي صفحة الخلافات المتعددة والمتشابكة التي ما زالت تؤثر على المشهد بصورته الكاملة.
وفي الجزائر.. كان فوز عبدالعزيز بوتفليقة بعهدة رئاسية رابعة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية هو الحدث الأهم لهذا العام وفي ليبيا .. كانت محاكمة اثنين من أبناء الرئيس الراحل معمر القذافي، ورؤوس النظام السابق .. بداية انتقال البلاد إلى ديمقراطية حقيقية ..
تونس تمارس الديمقراطية
كانت الانتخابات الرئاسية هى الحدث الأهم ،حيث تعتبر أول انتخابات رئاسية بعد إقرار دستور تونس 2014 الجديد من قبل المجلس الوطني التأسيسي ، في أول انتخابات نزيهة وديمقراطية بعد ثورة 2011 .. ففي الـ 23 من نوفير الماضي إنتهت الدورة الأولى من السباق الرئاسي بإعلان “الباجي قابد السبسي ” و “المنصف المرزوقي” .. ولازالت الجولة الثانية مستمرة ..
كما تساوت كل من انتخابات الكونجرس والانتخابات التونسية في الأهمية حيث حصلت كل منهما على 15% من نسب التصويت، بينما حصلت الانتخابات الأوكرانية على 10% ، والانتخابات التركية على نسبة 8%، وحصلت انتخابات البرلمان الأوروبي التي حملت صعودًا واضحًا لليمين المتطرف على نسبة 4%.
وإذا كان العام الجاري 2014 أشد الأعوام صخبا وإضطرابا وعنفا وتوترا , فإن الأمل مازال معقودا على الآتي من الأيام , وتبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الإحتمالات , لكنها تأتي هذه المرة مغلفة بمزيد من الترقب الحذر لإكتمال النهايات المفتوحة التي دشن العام الماضي بداياتها المحترقة .