عندما تتنازل المعارضة / بقلم : حسنا ولد أحمد لعبيد

جمعة, 2014-06-20 21:40

بالنظر إلى المنعرج الذي تمر به موريتانيا و الذي يطبعه حصول مرحلة حقيقية من التصالح الوطني و تبني إسلام متسامح و انتعاش اقتصادي يعترف به الجميع و إرادة حوار وطني بناء، يستحيل القبول بأن تظل "معارضة" مصرة على إنكار النتائج الكبرى لهذا التحول البادي للعيان.

و لكن رغما عن هذه المعارضة فإن هذه النقلة الحقيقية و الملموسة عل كل الأصعدة محل استحسان و تقدير الشعب الموريتاني الذي ينعم بها بكل مكوناته و أطيافه.

صحيح أن معارضة تتقاعس عن الحوار بحيل لم تعد تنطلي على أحد و بمحاولات لتمرير رسائل لم تعد تقنع، إنما بذلك تجد نفسها مندفعة في اتجاه معاكس إلى سحيق مسقط التهميش و الفشل.

أو ليس مما يدل على الطوباوية و النفاق أن تشارك هذه الأحزاب التي لا تفتأ تدعي انتسابها للمعارضة – و التي هي في شكلها الإيجابي ضرورة قصوى لاستقامة و عطاء أي مسلسل ديمقراطي – في أية استحقاقات عندما تكون الفرصة مواتية لهم كما هو الحال بالنسبة لحزب "تواصل" الذي شارك في الانتخابات النيابية و البلدية الأخيرة ثم قاطع الاستحقاق الرئاسي بحجة أن الاقتراع لن يكون شفافا، مع أن الهياكل التي تم تحديدها و الوسائل رصدت و وضعت لذلك هي نفسها و لم تشكو أي نقص أو تقصير. من دون شك فإن هذا الحزب قد أدرك بجلاء أن نتائج هذه الاستحقات سوف تكون كارثية عليه.

إن الشعب الموريتاني الذي يعترف بحجم الانجازات الكبيرة التي تمت خلال المأمورية المنتهية للرئيس محمد ولد عبد العزيز و قد أحس بالوقع الحقيقي لهذه المكاسب، قد قرر أن يسجل خياراته ضمن الاستمرارية من خلال عهدة ثانية يفتح برنامجها الانتخابي آفاقا مستقبلية واعدة و دولة موحدة قوية و عادلة.إن موريتانيا تمتلك إطارا مؤسسيا قويا من خلال التعددية السياسية الراسخة، وديمقراطية الاقتراع التي تشمل كل الاستحقاقات المحلية و الوطنية.

و يمكننا في هذه الظروف التي خلقتها تلك الوضعية الإيجابية أن نتساءل حول الطبيعة الحقيقية لامتناع بعض الأحزاب المعروفة في صفوف المعارضة عن الاستجابة لصناديق الاقتراع، و هو الامتناع الذي يرقى إلى مستوى إنكار الديمقراطية.

إن أصحاب مثل هذاه المقاربة لا يريدون "موريتانيا ديمقراطية"، بل إنهم تواقون إلى عودة ممارسات بالية يكون فيها الممثلون المزعومون للتجمعات مخولين حمل أصوات الجماعة لجني مزايا على حساب من يفترض أنهم يمثلونهم. و لما كانت السلطة المركزية تستجيب لمطالب هؤلاء فإنهم كانوا يسارعون إي مد اليد لها و على العكس فإنهم كانوا إن حرمتهم من ذلك يتحججون بما يستطيعون من اتهامات و يصبوا جام غضبهم لان أصوات من خولوهم لا تهمهم إلا بقدر ما يجنون بواسطتها و إنها بذلك ليست سوى وسيلة ربحية و مصدرا لاستدرار المزايا.و إنه بالنسبة لهؤلاء المعارضين المزعومين فإن التصويت لا يمثل حقا للجميع و لكنه وظيفة يمكن تعديلها حسب أهوائهم مع الامتناع عن القيام به واجبا و منعه عن الآخرين تحت وطأة المصالح المادية الرخيصة.

و يعبر هذا التصرف عن إرادة منع الآخرين من حق التعبير في حدود ما يضعون. و في هذا تكمن أشد نوع من أنواع الديكتاتورية إذ ليس يفهم أنه بالامتناع عن حق يمنع منه الذين انتدبوا ليضمن لهم أداء هذا الحق.و إن زعامات الأحزاب التي تضطلع بهذه الممارسات التي ترقى إلى مستوى إنكار الديمقراطية هم من لا يعيرون أية أهمية للأصل الديمقراطي للسلطة. إنهم من يريدون الحكم و ليسوا مستعدين لمقارعة المنافسين في سجال صادق يستخدم فيه نفس السلاح و ذات وسائل التنافس التي هي صناديق الاقتراع و التعددية و الآراء.

تعتبر موريتانيا ديمقراطية تمثيلية تجرى فيها الانتخابات بشكل راجح و تطبع بصفة شبه يومية حياة كل المواطنين. و إنه في مثل هذه الظروف تعتبر معارضة الأحزاب و التجمعات السياسية لتعبير صناديق الاقتراع تنازلا من نفس المنطلق عن مهمتها الأولى المتمثلة في تشكيل الإرادة السياسية و تكوينها.