ووري جثمان الناقد والشاعر الموريتاني الراحل الدكتور محمد ولد عبدي الثرى، أمس، في مقبرة بني ياس بالعاصمة أبوظبي، تاركاً وراءه حزناً كبيراً لكل مريديه الذين رأوا فيه ليس شاعراً كبيراً فحسب بل أنموذجاً أدبياً وإنسانياً يحتذى به.
وبغياب هذا الشاعر الكبير، تفقد موريتانيا أحد آخر شعرائها البارزين، وأحد صحفييها الأكثر حرفية ومهارة، وكاتباً أنفاً، مترفعاً عن الدنايا والمتطلبات الهزيلة. فالرجل من الذين صنعوا مرحلة أدبية مفصلية، وساهموا في صياغة مشهد الحداثة بوجهه الموريتاني بشكل خاص.
ونعت أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، الناقد والشاعر الموريتاني د. محمد ولد عبدي. وقالت: «ساهم ولد عبدي في العديد من المشاريع الثقافية الناجحة، حيث كان، رحمه الله، محاضراً في أكاديمية الشعر بأبوظبي وعضو الهيئة التدريسية فيها، وعضواً في اللجنة العليا المشرفة على برنامج أمير الشعراء، كما كان مسؤولاً عن تنظيم العديد من الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية في أبوظبي، سواء من خلال المجمع الثقافي سابقاً، أو هيئة أبوظبي للثقافة والتراث سابقاً، أو عبر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كما سبق له المساهمة في الإشراف على عدد من الفعاليات الثقافية المُصاحبة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وكان كذلك عضواً في لجنة الفرز بجائزة الشيخ زايد للكتاب».
من جهته، اعتبر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات أن فقد الأديب والناقد الموريتاني الدكتور محمد ولد عبدي خسارة عظيمة للثقافة العربية عامة، وللمشهد الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص.
وقال الاتحاد في بيان أصدره أمس، إن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات إذ ينعي ببالغ الحزن والأسى الدكتور محمد ولد عبدي، فإنه يستحضر مناقبه التي عرفها كل من عرفه، سواء ما اتصل منها بأخلاقه وخصاله الكريمة أو ما تعلق بغزارة معرفته وأثره الإيجابي في حياتنا الأدبية.
وقال اتحاد الكتاب، إن محمد ولد عبدي واحد من فريق عربي مهم ونبيل أسدى للإبداع الإماراتي خدمات جديدة، داعياً إلى تكريمهم في حياتهم وبعد الموت، داعياً المؤسسات الثقافية الوطنية إلى توثيق ونشر الإرث الثقافي، الذي تركه الراحل ولد عبدي، مبدياً استعداده للإسهام في أي جهد يبذل نحو تحقيق تلك الغاية.
كما بعث حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ببرقية تعزية إلى عبد الله السالم ولد المعلا، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، برحيل محمد ولد عبدي، عبر فيها باسمه وباسم كتاب وأدباء ومثقفي الإمارات عن بالغ الحزن والألم لانقطاع تجربة نقدية وإبداعية مهمة على الساحتين الإماراتية والموريتانية.
ولد عبدي عام 1964 بمدينة كرو بولاية العاصبة بموريتانيا، ودرس القرآن الكريم ومتون اللغة العربية والفقه المالكي على يد والده ومشايخ مدينته ثم دخل التعليم النظامي.
حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب عام 2007 تخصص المناهج النقدية الحديثة والنص العربي القديم من كلية الآداب جامعة محمد الخامس في الرباط. وعلى شهادة الدراسات العليا «الماجستير» 1988 من نفس الجامعة وشهادة المتريز في الآداب العصرية 1986 من جامعة نواكشوط.
لم يتوقف ولد عبدي عن قرض الشعر والكتابة رغم المرض الخبيث الذي فتك بحياته في النهاية. لم يكن المرض هيناً على الراحل إلا أنه كان مؤمناً بقضاء الله وقدره، وهذا ما جسده في آخر قصائده، حيث قال:
مولايَ أنت المجيبُ
تشفي و أنت الطبيبُ
و ها أنا لهواني
أكاد ضعفا أذوبُ
وحدي أقاوم عجزي
وقد غزتني الذنوبُ
و الكلُّ مني بعيدٌ
إلاَّكَ أنتَ القريبُ
كفى بقربك منجىً
إذْ منْ سواكَ يجيبُ؟!
ومن سواك ملاذي
ومن سواك الحسيبُ ؟!
وقال فيه صديقه العزيز الكاتب والصحفي الموريتاني المقيم بالإمارات حسن ولد المختار: «عرفتُ المرحوم محمد ولد عبدي خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي عندما كنا طلاباً، وكان حينها رغم حداثة سنه يعد في طليعة شعراء المشهد الحداثي في موريتانيا، وكان بعضهم يصنفونه ضمن ما سمي حينها (شعراء الدائرة الضوئية). وطيلة الثلاثين سنة الماضية ظلْلت أعتبر نفسي قارئاً ومريداً أدبياً بين قرائه ومريديه الكثيرين. وقد عرفتُ فيه كثيراً من السجايا الكريمة، ومحاسن الأخلاق، والمثابرة في الإنتاج والعمل المعرفي. وقد اجتمع فيه كثير مما تفرق في غيره من مظاهر الإبداع والعبقرية، فهو صاحب ذاكرة قوية وحافظة ثاقبة، ودأب وأدب في البحث العلمي».
وقد نال الراحل العديد من الجوائز منها جائزة الشارقة للإبداع العربي عن كتابه «ما بعد المليون شاعر»، وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة.