محمد فال ولد بلاَّل يذكِّـر بأبرز شروط التناوب السلمي على السلطة

اثنين, 2022-03-14 14:27

أكد رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة CENI؛ السياسي المخضرم والدبلوماسي السابق محمد فال ولد بلاَّل، أن تحقيق التناوب الديمقراطي السليم "يستوجب شروطا لا يمكن أن يتم بدونها".

وأوضح ولد بلاَّل، في تدوينة أعاد فيها التذكير بمضمون مقال نشره في مثل هذا اليوم 14 ماريس من العام 2018، أن من أبرز تلك الشروط وجود "قوتين سياسيتين بالقدر الكافي من الحضور والفاعلية"، في الساحة السياسية على شاكلة ثنائية موالاة / المعارضة..

ومنها -كذلك - الاحتكام إلى "انتخابات شعبية حرة نزيهة" تراقبها "هيئة محايدة للتحكيم"؛ بحيث يكون الناخبون وحدهم "هم الذين يحددون من سيحكم ومن سيعارض ويراقب"...

نص المنشور: « 14 مارس 2018 - 14 مارس 2022 عن التناوب السلمي على السلطة (2)،،

قلت في مقال سابق (1) بأنّ التناوب كيْ يتحقّق يسْتَوْجبُ شروطا أساسية بدونها لا يُمكن أنْ يتِم. وكلّما توفّرت تلك الشروط مُجتمعة كان ذلك التناوب مؤكّدا ومُتْقَنا.

ومنْ أهم شروطه:

1- وجود قوتَيْن سياسيتَيْن بالقدر الكافي من الحضور والفاعلية في الساحة حتى لا يكون البون بين السلطة والمعارضة شاسعا جدّا. لا بُدّ من العمل على إرساء ثُنائيّة سياسية على غرار "موالاة/ معارضة"، بشرط ألاّ تكون تحالفات "مُفَبْرَكَة" و"مُؤقتَة" للفوز بالانتخابات، ولكن قوة متماسكة وموَحّدة حول برنامج حكومي مشترك. هكذا مثلا، تكون الموالاة قادرة على البقاء بصرف النظر عن حضور الزعيم؛ وتكون المعارضة قادرة على أنْ تُصبح بدورها "أغلبيّة" ولديْها من المؤهلات والبرامج ما يجعلها أهلا لقيادة البلاد. لقد أثْبتت التجربة أنّ وحدة الموالاة القائمة فقط على "الولاء" لشخص الرئيس لا تخدم بقاء النّهج! كما انّ وحدة المعارضة القائمة على "اللاّءات" فقط (كما يقول د. ابراهيم ابراش) مثل "لا لعزيز"، "لا للتوريث"، "لا لكذا"، "لا لكذا" ليست وسيلة للتغيير.. التناوب يتطلب تجاوز "اللاءات" والاتفاق على برنامج مشترك لإدارة البلد.

2- التّراضي والتوافق على أسس النظام وقواعد اللعبة السياسية وآليات العمل.

لا بُدّ من مرجعية مشتركة وقواعد وضوابط تنظّم سير العملية السياسية، وهذه القواعد والضوابط يجب أنْ تكون محلّ تراضٍ بيْن الفرقاء كافّة.

وفي هذا المجال، أعتقدُ بأنّ مرجعيات العمل الديمقراطي وآلياته ليست محلّ خلاف بين الأطراف السياسية في بلادنا على الصعيد النظري والمبدئي على الأقل.. الكلّ يعترف بضرورة الوفاق ويدعو له ويتبنّاه؛ ولكنّ الإشكاليّة تبقى على مستوى الممارسة والتطبيق، وتتغذّى من أزمة الثقة القائمة بين الطرفين، بالإضافة إلى الحساسيات بينهما وفي داخل كلّ منهما، وكثرة الخصومات الشخصية والحواجز النفسيّة، إلخ... وفي كلّ الأحوال، لا بد من التفاهم والتوافق على مسطرة قانونية وإجرائيّة يطمئنُّ لها الجميع، ولن يتأتى ذلك إلاّ بحوار جاد ومسؤول يحظى بمشاركة الجميع بلا قيد ولا شرط.,

3- الاحتكام إلى انتخابات شعبية حرّة ونزيهة تحت مراقبة هيئة محايدة للتحكيم.

فالناخبون وحدهم هم الذين يُحدّدون منْ سيحكُم ومنْ سيُعارض ويراقب، ولكنّ وجود مؤسسة مستقلة ومُحايدة عن الفرقاء السياسيين أضحت ضرورة ملحّة وآلية لا غنى عنها، وذلك قصْدَ القيام بدور التحكيم وضمان احترام قواعد المنافسة السياسية السليمة وأسس النظام الديمقراطي.

وفي اعتقادي أنّ موضوع سلامة الانتخابات وإنجازها بإشراف وتنفيذ هيئة مُحايدة أصبح أمرا مُتجاوزا في بلادنا، ومحلّ إجماع.

وبرأيي أنّ عمليات التلاعب بالانتخابات من قِبَل الادارة تناقصت كثيرا مُذْ أنْ توفّرت بطاقة تعريف غير قابلة للتزوير، وتوفّرت القوائم الانتخابية على الأنترنيت، وتأسّست اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (سَيْنِ).

ويصعُبُ اليوم التلاعب بالأرقام وتشويه النتائج إلاّ عند مقاطعة العملية من طرف المعارضة وترك السلطة تصنع بها ما تشاء؛ أمّا في حال مشاركة الجميع وحضور ممثلين عن كل الأطراف داخل المكاتب، فمن الصعب التلاعب بالأرقام.

4- بمعنى أنّ العمليات الانتخابية في نواحيها الإجرائية لم تعُد عرقلة كبيرة أوعقبة على طريق التناوب، فالمشكلة الحقيقيّة والعرقلة الكبرى تكمُنُ في ميزان القوة بين السلطة (أيّا كانت) والمعارضة (أيّا كانت) النّاجم عن الجهل، والأمية، والبنية الاجتماعية، والبيئة الحاضنة للعملية السياسية، والعقليّات السّائدة. فالمواطن في الدّاخل يمنحُ صوته تلقائيّا لمنْ يعتقدُ أنّه مرشح السلطة، وذلك لسبب بسيط، وهو أنّهُ تعَوّد على الخضوع للسلطة، ولأنّه لم يعرف في حياته إلاّ العائلة والقبيلة ورُمُوز السلطة الذين يُقدّمون له مُتطلبات الحياة كما يعتقِد. أمّا التصويت بسبب التهديد أو الابتزاز أو الإكراه، فإنّه لا يزال موْجودا (تلك حقيقة)، ولكنّهُ تراجع كثيرا (وتلك حقيقة أيضا) بفعل التمدن، والعصرنة، والعولمة، وثورة الاتصال، وارفاع نسبة الوعي، ويأس الناخبين من كذب الإدارة، إلخ.. والعرقلة الأخرى على طريق التناوب تتعلق بالمعارضة نفسها، وما تُعانيه من تشرذم، وحصار مادّي ومعنوي، وضعف في الأداء، وغياب في الأرياف..