لو لم تقدِّم الوزيرة فاطمة فال بنت اصوينع حصيلة مقنعة وأداء حسنا خلال مأموريتها السابقة في وزارة الثقافة والصناعة التقليدية ، لما استحقت الصعود إلى هرم الدبلوماسية الموريتانية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون .
ولو لم يرَ فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في بنت الصوينع الكفاءة اللازمة والدينامكية المطلوبة لما جازف بوزارة تشكل رأس الحربة في معركته الدبلوماسية القادمة مع القوى الغربية التي رفعت سقف شروطِ دعمها الاقتصادي والسياسي لنظامه ، وباتت – تلك القوى الغربية - تجاهر برفض جانب من سياسات ولد عبد العزيز ، ملوّحة تارة بإشهار عصا الملف الحقوقي الشائك ، وملوحة تارة أخرى بجَزَرَة المساعدات الاقتصادية التي أضحت تشكل بندا أساسيا في الميزانية الوطنية .فاطمة بنت الصوينع بثقافتها الانكلوفونية العميقة وتخصصها في الحضارة الأمريكية على وجه التحديد يبدو أنها اختيرت بعناية لتصيب أكثر من عصفور بحجر واحد ؛ فاختيارها جاء في وقت كثر في الحديث مؤخرا عن تزايد وتعاظم التدخل الأمريكي وتغلغله في الشأن الداخلي الموريتاني ، توج مؤخرا باستضافة السفارة الأمريكية في نواكشوط ، منذ أيام قليلة ، لإجتماع ضم نشطاء من حركة "ايرا " و ممثلين عن الحزب الحاكم ، فكان من المنطقي جدا إسناد حقيبة الخارجية لسيدة على دراية كافية بالثقافة والتقاليد السياسية الأمريكية .
كما يأتي تعيين بنت الصوينع في إطار تعهدات الرئيس خلال الانتخابات الماضية بالتمكين للمرأة الموريتانية التي تشكل أكثر من نصف المجتمع لاسيما وأنها أثبتت جدارتها وتفوقها ونظافة كفها مقارنة بأخيها الرجل .وأخيرا يأتي هذا التكليف الجديد في إطار محاولة الرئيس الإيحاء لنشطاء حراك لمعلمين - بمختلف تشكيلاته - بأنه غير فئوي وأن الكفاءة هي المحدد الأساسي لاختياره لوزرائه ، و أنه فوق ذلك ماض في تنفيذ إلتزاماته بإنصاف شريحة لمعلمين وإشراكها بشكل فعلي وملموس في الوظائف السيادية ، وفق ما تعهد به غداة لقائه بوفد ضم نخبة من أبناء الشريحة في السادس من يناير عام 2014 م ، حيث كنتُ ومعالي الوزيرة ضمن أعضاء الوفد ، و قد كان لي الشرف أن حدثت فخامته يومئذ باستفاضة عن معانات وتطلعات شريحة لم يكن خافٍ على فخامته عظيم فضلها على الأمة الموريتانية وجليل تضحياتها في سبيل رفعة هذه الأمة وراحتها .
صحيح أن تعيين معالي الوزيرة فاطمة فال بنت اصوينع ، بعد أيام قليل من لقائنا بفخامته ، وزيرة ً للثقافة والصناعة التقليدية وتسمية أول سفير من هذه الشريحة بعد ذلك بفترة يسيرة ثم إسناد وزارة الشؤون الخارجية والتعاون اليوم لهذه الوزيرة المحترمة والمثقفة ؛ تشكل في المحصلة إشارات إيجابية و بادرة أمل حقيقي ، و تبعث برسالة اطمئنان قوية تستدعي منا إسداء الشكر والتقدير لفخامته ، غير أن تطلعات نخب هذه الشريحة التي عانت التهميش والإقصاء والحرمان طيلة نصف قرن من الزمن لا يمكن أن تقف عند حدود الإكتفاء بمنصبيْ وزير وسفير ، في حين أن هناك المئات من الوظائف السامية لا يزال الولوج إليها يشكل حلما يراود عشرات العاطلين من أبناء هذه الشريحة الكريمة ، كالأمناء العامون والمستشارون لدى رئاسة الجمهورية والوزارات والمكلفون بمهام والسفراء و القناصلة والولاة وحُكّام المقاطعات ..
.إن تعيين فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمعالي الوزيرة فاطمة فال بنت اصوينع وزيرة للشؤون الخارجية والتعاون ، إضافة لأدائها المتميز في وزارتها السابقة ونجاحها الواضح خلال النسخة الأخير من مهرجان المدن التاريخية ، يشكل أكبر دليل مادي على تميّز أطر هذه الشريحة وعلو كعب أبنائها وبناتها ، نتمنى أن يشكل هذا النجاح وهذا التمييز أكبر رافعة لمساعي الرئيس في إنصاف هذه الشريحة التي تشكل جزءا أصيلا من مواطنيه البررة ، مع اعترافنا بأن هذا الإنصاف المرجو والمؤمل من فخامته لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها بل عبر خطوات متتالية وجريئة .فشكرا لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على هذه الثقة الكريمة التي منحها لنا جميعا من خلال تعيينه للوزيرة فاطمة فال بنت اصوينع في منصب وزيرة للشؤون الخارجية والتعاون .
وشكر لفخامته على منح المرأة الموريتانية التي تشكل أكثر من نصف المجتمع هذه الثقة الكبيرة .وشكرا للوزيرة فاطمة فال بنت اصوينع التي جدّت واجتهدت خدمة للوطن والمواطن لتتوج جهودها بهذه الثقة الكبيرة ونطلب منها بذل المزيد من الجهد وتقديم المستطاع من التضحيات في سبيل رفعة الوطن والمواطن .والله نسأل أن يوفق الجميع رؤساء ومرؤوسين لما فيه خير ورفعة الوطن والمواطنإنه سميع الدعاء ، والحمد لله رب العالمين .
بقلم / أحمد ولد الســـالم . [email protected]