كثيرا ما أسمعُ من يقولُ إن موريتانيا أصبحت نموذجا يُقتدى به في مجال الحريات و خاصة في مجال"حرية التعبير". و هذا قولٌ يُجافي الحقيقة، و ينمُّ عن التباس كبير في فهم الفرق بين"حرية التعبير" من جهة، و حرية الكلمة و الصحافة من جهة أخرى. و ما حدث اليوم من قمع لتفريق اعتصام سلمي قرب وزارة العدل [؟]
يدفعني إلى توضيح بعض الجوانب الغامضة في الموضوع.حريّة الكلمة و الصحافة، مكسبٌ مهم انتزعه الشعب الموريتاني بتراكم ناضالاته و تضحياته منذ قيّام الدّولة إلى الآن...مكسب موجود و مهم، و لكنه لا يكفي للدلالة على توفير حرية التعبير بالقدر المطلوب...لأنّ الكلمة و الكتابة ليستا سوى رافدا واحدا من روافد التعبير. أما الروافدُ الأخرى، فهي مُقيّدة و تكاد تكون ممنوعة في بلادنا. و على سبيل المثال، أيْن حرية الاعتصام؟ و أين حرية المسيرات؟ أليس الاعتصام السلمي شكلا من أشكال التعبير؟ و لماذا يمنعُ شباب 25 فبراير من حقهم في الاعتصام في ساحة ابلوكات؟ [2012-13]؟
و لماذا تُمنع منسقية المعارضة من حقها في الاعتصام في ساحة بن عباس[2012]؟
أليست المسيرات السلمية و الاضرابات هي أيضا شكلا من أشكال التعبير؟ و لماذا يتمّ قمع مسيرة بوقي [1] و يُمنع أصحابها من دخول العاصمة [2013]؟ و لماذا تمنع مسيرة ازويرات من دخول العاصمة [2014]؟ و لماذا تقمع مسيرة بوكي [2] و يُمنعُ أصحابها من دخول روصو [2014]؟
و لماذا يُمنعُ الاعتصام اليوم أمام وزارة العدل[19-1-2015]؟
أليست تلك المسيرات و الاعتصامات شكلا من أشكال التعبير عن مطالب مواطنين؟ إلخ...في الحقيقة، النظام الموريتاني يسمح بِ"التعبير" الحُر أوْ يمْنعُهُ، بحسب ما يراهُ هو...فالحرية من منظوره تدخل في خانة السّلطة التّقديرية المُخوّلة للادارة...و هذه الأخيرة قد تمنحُك حرية التعبير أو تَمْنَعُكها بحسب تقييمها ل"بُرودة" أو "سخونة" اللحظة...و في الغالب، يسمح الحاكم بالمسيرات الميّتة أو السّقيمة، يعني المسيرات التي لا تُميّل و لا تُعادل، و لا طعْم لها و لا رائحة على نحو ما هو عند المعارضة التقليديّة...و يمنعُ التظاهرات الحيّة، ذات العضلات، أو الأظافر و الأسنان...أمّا الاعتصامات، فتلك ممنوعة في الساحات العمومية على الاطلاق.
و في هذا السيّاق، تكونُ أبواب حرية "التعبير" في بلادنا موصدة...باستثناء باب واحد [!؟] تلقاه مفْتوحا على مصراعيه [لحدِّ الفوضى و التسيُّب] في الاذاعات، و الجرائد، و المواقع، و الشارع، و الصالونات...ألا و هو بابُ "الثّرْثَرة"!
من صفحة الكاتب على الفيس بوك