الجادة الصواب / سيد احمد ولد أعمر ولد محم

جمعة, 2015-01-23 13:31

تُشغل العامة في هذه الأيام بحديث عن الحوار، وعن تنازلات من السلطة، ومرونة من المعارضة. وحسبي أن كل هذا إشغال وإلهاء للجمهور عن ما هو أهم؛ وهو إقامة دولة القانون، والعدل، والإنصاف؛ متصالحة مع ذاتها؛ ومع مواطنيها. لا تظلم أحدا ولا يظلم فيها أحد. ولا يشعر فيها احد بالغبن

 أو التهميش أو الإقصاء.ولا  فيها متعالون، ورثوا العلو من آبائهم، وآخرون ورثوا الحضيض، فلا مكان لهم غيره. لا يلو عليهم أحد؛ ولا ينتشلهم منه أحد. والحديث فقط عن الديمقراطية والمشاركة والانتخابات، وتقسيم "الغنيمة" بين الأكابر والدوران في نفس الحلقة المفرغة. بينما يترك البائسون لقدرهم. لا يكترث احد لحالهم. ولا ينشغل لمعاناتهم.ولا يقف لمواساتهم.

تصحيح المسار

ليست المشكلة الموريتانية بالأساس إلا المشكلة الحقوقية؛ مع ما ينجر عنها من تفرعات والتواءات.ما يثار حول المسار الديمقراطي والانتخابات، هي لعبة مبتذلة. لا تطعم جائعا. ولا تسقي ظمآنا. ولا ترحم مسكينا. ولا تعلم جاهلا. ولا تحنو على بائس.ولا تكترث لمنقطع.ولا تسأل عن منسي. ولا تبحث عن ضعيف . تخرجنا هذه اللعبة من التركيز على الأهم؛ ويأخذ زمام المبادرة فيها من لا يستحق أخذها. فيدخلونا في متاهات. ويشتغلون بملء أفواههم وبطونهم؛ وبالإفساد؛ وإشباع نهمهم من مأكل ومشرب وكبرياء وزهو وخيلاء. وبالتالي تفقد البوصلة اتجاهها الصحيح، فننساق وراء أشياء لا تهم إلا الأكابر من قبيل السلطة والغنائم والمناصب. ويبقي المنسيون لحالهم.حتى إذا اقترب الاستحقاق، تراهم يهيمون في الادوية وفي السهول وفي آدوابة خاصة. فيتذكرون هؤلاء فجأة.وقد يكتف الأكابر بإرسال بعض أتباعهم. وقد اشتروا ألسنتهم بدريهمات، أو مناصب. فيكذبون على هؤلاء البسطاء الصابرين المتواضعين. ثم ينقلب هؤلاء وقد حسبوا ولو لحين أنهم غنموا. تالله ما غنموا شيئا. ولقد كذبوا كما كذب أوليائهم من قبل. ثم لن يثني هذا احد من الأكابر ومحترفي السياسية عن الجحود والتلفيق. وأن حال إخوتنا في آدوابة المنسية،والتي لا يصل إليها إلا الهواء الذي لا يباع ولا يشتري،ولو كان هذا حاله، لما وصل إليهم، أن حالها حال خير. إن موريتانيا تمر بمرحلة وقفة مع الضمير؛ مع الإنسان؛ مع الحق؛ مع الإنصاف؛مع التاريخ؛ مع التصحيح؛ مع المسار الصحيح؛ مع توجيه البوصلة وجهتها الصحيحة. وكل مسار غير هذا هو تدجيل، وتلفيق، وانتهازية.

لا تشغلونا بالكلام عن الانتخابات وتقديمها وتأخيرها. فلا يغني تقديمها ولا تأخيرها من شيء. ما يغني حقا هو وقفة مع الذات وتشخيص دقيق لحال ما يعرف رسميا "بآثار الاسترقاق"، وطرده نهائيا من الجسم الوطني. ولن يكون كذلك، إلا إذا تحولنا من الإنكار لهذا الواقع إلى ايجاد حل ناجع ودائم له.ووضع آليات وخطط وأموال، حتى نتعافي نهائيا من هذا الفشل العضوي الذي يهدد وحدتنا وأمننا ومستقبل بلدنا واستقراره.

الوصفة

لا توجد وصفة جاهزة لمثل هكذا قصور مجتمعي وتاريخي وبنيوي ينخر جسمنا الواهن ولقرون. ولم يصله التطور البشري، والمستجدات العلمية والحتميات التاريخية إلا أخيرا. ومازال في طور المقاومة والرفض، وتشبثا بخرافات وأساطير.وإن كان البعض الآن يستحي وهو في العلن أن يدافع عن هذا الركام البغيض .ويرجع بعضا منا ،للأسف، كل هذا لتآمر  الآخرين. ولا ينظر في نفسه وإلى الحق والمنطق والصواب. يلزم أن يجلس العقلاء من قومنا، لا أكابر السياسة وحدهم. فهؤلاء يهمهم بالأساس مصالحهم الآنية، لا مصلحة الوطن وعافيته وتماسكه لفترة طويلة. واقترح أن يصار إلى خطة شاملة، والتي يجب أن تأخذ من بين أمور أخري ما يلي:

تزويد كل تجمعات آدوابة، وغيرها من المناطق المهمشة والمحرومة بالماء والكهرباء وببنيات صحية وتربوية، وإيجاد حلول عملية للمشاكل التنموية التي تعانيها هذه التجمعات. وأن يصار إلى إدخال التمييز الايجابي لصالح شريحة "لحراطين" خاصة، حتى نستطيع أن نتدارك هذا الغبن الفاحش الذي تعرض له إخوتنا ومازالوا يتعرضون له حتى هذه اللحظة. سيقول الكثير ممن لا يهم الإصلاح بأن الأمر لا يفلح. لكن تقويم الاعوجاج أولي من مجابهة وملاحقة من يطالب برفعه.سيتطلب الأمر بعض الوقت، حتى نحصد أولي الثمار الصالحة لهكذا توجه. وعلينا أن نتذكر أن السعي والموت في سبيل الإصلاح أجدي من الاستماتة في الدفاع عن الغبن والفوقية والحرمان، التي لا تستند لشرع ولا لمنطق.

الاستقرار والتنمية

لن يتأتي هذان الزوجان دون المرور بالخطوات التي ذكرت آنفا.من المهم للاستقرار والتنمية، أن يراعي قبلهما حال البلاد والعباد.وأن يصحح المسار أولا.وأن لا يقبل من احد أن يتاجر بهذا الأمر.ولا يستغله. ولا أن يتخذه مطية لمآربه وأهدافه السياسية. وأن يكون الامر بمثابة أمر مقدس يحرص الجميع على تأديته والمساهمة فيه كل بما يستطيع . يلزم أن يتفق الجميع على خطوات جامعة اتجاه شريحة "لحراطين". ثم تكلف لجنة مستقلة من القضاة أو ممن في مرتبهم بمتابعة الأمر حتى نخلص إلى النتائج المرجوة. ثم إن كانت موريتانيا يهمها الاستقرار والتنمية، يلزم أن تعاد البنية الحزبية على أساس الثنائية أو الثلاثية الحزبية، وأن يحدد بشفافية تامة دور القوات المسلحة الجمهورية، وإلزامها بالحياد المحض إزاء اللعبة السياسية.وأن يعقد كبار السياسة ميثاق شرف يلتزمون فيه باحترام اللعبة الديمقراطية وعدم الاصطفاف مع العسكر أو التقوي بهم، وإخراجهم من السياسة حقا.وأن يغلظ عليهم في هذا.

لن يتأتي استقرار أو تنمية  في البلد بدون تصحيح المسار، ومحو آثار الغبن والتهميش والإقصاء في المجتمع، وفرض مأسسة حزبية جادة، بعيدة عن هذا النبت الشيطاني  من الأحزاب الورقية الذي يفسد ولا يصلح،والذي هو مرتع خصب للتملق والتزلف والابتزاز وتشتيت بوصلة السياسة وإدخالها في تناحر مناصبي مقيت، بعيدا عن المصلحة العامة، وخدمة اللحمة الاجتماعية واستقرار البلد وأمنه حاضرا ومستقبلا.