الاغتصاب في موريتانيا .. من صمت المجتمع إلى "قضية شارع"

أحد, 2015-01-25 22:34

أخبار الآن / في موريتانيا البلدِ الواقع في غرب القارة الإفريقية، تحول الاغتصاب من الأمور التي يتجنب المجتمع الحديث عنها إلى الأمر الأول في الشارع ، ووسائل الإعلام، أمر فرضه تزايد مخيف في عدد المغتصبات ، وإفلات الجناة من العقاب كلَّ مرة.

الإحصائيات التي تتناول حالات الاغتصاب شحيحة وغير رسمية، كان آخرها ما أعلنته "منظمة آدم لحماية الطفل والمجتمع" أن ثمانمئة حالة اغتصاب تقع سنوياً أكثرها في المدن الكبيرة خاصة العاصمة نواكشوط؛ بينما تشير دراسة أخرى نشرتها "الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل" إلى أن تسعة أعشار ضحايا الاغتصاب لا يبلغن السلطات بذلك بسبب الضغوط الاجتماعية والطبيعة المحافظة للمجتمع الموريتاني.

الدراسة الأخيرة حاولت أن تعطي صورة عامة لضحايا الاغتصاب في موريتانيا، إذ أشارت إلى أن 65 في المئة من المغتصبات غير بالغات، و90 في المئة منهن غير متزوجات، و23 في المئة أمِّيات ، في حين ينتمي 84 في المئة منهن إلى أسر فقيرة.

 

 الجريمة الجديدة..

بينما تتحدث منظمات المجتمع المدني عن انتشار ظاهرة الاغتصاب في موريتانيا، تؤكد المصالح الأمنية خلاف ذللك؛ وفي هذا السياق قال المدير الجهوي لأمن منطقة نواكشوط فضيلي ولد الناجي في تصريح لموقع "أخبار الآن" إن سنة 2014 شهدت تسجيل أربع حالات اغتصاب فقط لدى المصالح الأمنية.

 

وبرر المسؤول الأمني الموريتاني الاهتمام الإعلامي ، وتفاعل الشارع الموريتاني مع جريمة الاغتصاب بالقول إنها "لم تكن من الجرائم المعروفة في البلد نظرًا إلى الطبيعة الاجتماعية والثقافية والدينية السائدة فيه؛ ولكن في السنوات الأخيرة سجلت حالات اغتصاب في بعض المدن الكبيرة منها نواكشوط بسبب تزايد عدد الأجانب ، وتعاطي المخدرات".

 

ولكن ولد الناجي الذي كان يتحدث لموقع "أخبار الآن" في مكتبه في نواكشوط، أكد أن تسجيل حالات اغتصاب "لا يعني أن الأمر وصل إلى درجة يمكن وصفه بالانتشار، هي مجرد حالات تعد على أصابع اليد"، مشيرًا إلى أن المصالح الأمنية بفضل خطة محكمة تتمكن دومًا من القبض على الجناة.

 

 "زينب"..

أشهر جرائم الاغتصاب التي حركت الشارع الموريتاني، تلك التي تنتهي بالقتل وهي جرائم تكررت عدة مرات في السنوات الأخيرة وكانت ضحاياها  فتيات قاصرات ، ولعل أبشعها وآخرها جريمة اغتصاب طفلة تدعى "زينب" من قبل ثلاثة شبان، أقدموا بعد ذلك على إضرام النار في جسدها، لتلفظ أنفاسها الأخيرة بعد ساعات من الجريمة في أحد مستشفيات نواكشوط.

 

"زينب" التي لم تكمل عامها العاشر، كانت ذاهبة إلى معلِّم القرآن في الحي الشعبي النائي في العاصمة نواكشوط ، قبل أن يعترضها ثلاثة شبان ، ويرتكبوا جريمتهم في منزل مهجور في أحد أركان الحي الذي حولته الجريمة البشعة إلى مزار لمختلِف وسائل الإعلام ، ورجال السياسة والحكومة لتقديم العزاء إلى والد الضحية.

 

 

 

في بيت متواضع يجلس "عبد الله" والد الضحية، بصحبة أسرته ، يحاول بصعوبة أن يسرد تفاصيل الجريمة؛ ولكنه قبل ذلك يحكي عن ابنته التي جاء بها قبل سنين من إحدى الدول الإفريقية حيث تزوج هنالك ، بعد أن أقنع والدتها بالعودة بها إلى موريتانيا لتعلم اللغة العربية والقرآن.

 

يقول عبد الله: "لقد كانت لدي طموحات كبيرة لابنتي، كانت ذكية جدًا وتفهم وتحفظ بسرعة كبيرة"، ويضيف: " كانت ستصبح فتاة صالحة ، لو أن الجناة أمهلوها، كل ما أريده هو أن يعاقب الجناة بما يستحقون حتى لا يرتكبوا جريمتهم من جديد".

 

احتجاج ومطالب..

 

صيحات والد الضحية التي نقلها الإعلام المحلي، أثارت صدى كبيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقفها المدونون الموريتانيون، وأطلقت كبرى الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتعبئة في الشارع الموريتاني من أجل مسيرات ووقفات احتجاجية منددة بجريمة الاغتصاب.

 

 

وصلت الاحتجاجات إلى بوابة القصر الرئاسي، في مظاهرة رفعت شعارات ومطالب كثيرة ، أبرزها القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، بينما دعا محتجون آخرون إلى سن قوانين جديدة تكون رادعة لمرتكبي جريمة الاغتصاب وتفعيلها؛ وانتقد المحتجون القوانين الحالية التي قالوا إنها "تساوي بين الضحية والجاني".

 

 

 

آمنة بنت المختار، رئيسة منظمة تهتم بمساعدة النساء اللاتي يتعرضن للعنف بمختلِف أنواعه، نذرت نفسها لمتابعة قضايا العنف ضد المرأة ، ومناصرة الملفات المطروحة في دوائر القضاء؛ تقول بنت المختار إن " أكثر من يرتكبون جريمة الاغتصاب هم من أصحاب السوابق الذين يمنحهم القضاء حرية مؤقتة"، وأوضحت أنها توصلت إلى هذه النتيجة "انطلاقا من استقراء قامت به منظمتها لجرائم اغتصاب سابقة".

 

بنت المختار كانت تتحدث لموقع "أخبار الآن" على هامش مسيرة منددة بجريمة الاغتصاب شارك فيها حقوقيون ، وسياسيون ، وعلماء دين ، وبعض الشباب والمدونين؛ ودعت بنت المختار إلى سن قوانين تمنع منح الحرية المؤقتة للذين أدينوا بارتكاب جريمة الاغتصاب؛ فضلا عن إصدار قوانين أخرى جديدة تكون رادعة وكفيلة بإعادة الطمأنينة إلى الأسر التي باتت تُضْطَّر إلى مرافقة بناتهن إلى المدارس.

 

من جهة أخرى تنشط مبادرة "تكلمي" النسوية في مجال تغيير نهج المجتمع وأسلوب تعامله مع هذه الجريمة ، وتسعى المبادرة التي تقودها شابات أكثرهن جامعيات ومدونات، إلى تشجيع الضحايا على الحديث عن الجرائم التي يتعرضن لها ، والإبلاغ عنها، وهي بذلك تواجه تكتم الأهالي على تعرض بناتهن للعنف الجنسي خوفًا من وصمة العار التي يلحقها المجتمع بضحية الاغتصاب.