ألقى رئيس مجلس المستشارين بالمملكة المغربية النعم مياره، اليوم (الإثنين)، خطابا بعد توقيع اتفاق لتعزيز و تطوير الشراكة البرلمانية بين موريتانيا والمغرب بحضور رئيس الجمعية الوطنية الشيخ ولد بايه و عدد من النواب.
وفي مستهل خطابه ، أعرب مياره عن سعادته الغامرة وهو يتحدث امام نواب البرلمان الموريتاني من داخل فضاء الجمعية الوطنية التي وصفها بانها عنوان الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية وقال "هذا البلد الشقيق الذي نتشرف بزيارته، استجابة لدعوة فاضلة كريمة من السيد الرئيس الشيخ ولد بايه، تعزيزا لشراكة أخوية طبيعية ضاربة جذورها في التاريخ، لم تفرضها الجغرافيا قَدَرا فقط، بل زكتها أواصر القرابة، والدم واللغة والدين...وفضلا عن كل ذلك، رغبة قائدينا وشعبينا في تعزيزها وتطويرها، وجعلها في مستوى التحديات الحالة والمنظورة؛ وتزداد سعادتي لمخاطبة رجال ونساء ورثت حضارة أثيلة معطاء، تمكنت من تطويع محيط إيكولوجي بخصائصه الجغرافية المعروفة، كان ينبوعا لا ينضب للعلم والمعرفة والبسالة والإقدام.
وأوضح رئيس مجلس المستشارين المغربي أن "تجربة الجامعات المتنقلة، التي تمثل خصوصية حضارية لمجتمع تشبع بقيم الثقافة العربية الإسلامية، لتصبح المحاضر بحق، واسمحوا لي أن أقتبس من كلام الأستاذ الخليل النحوي (مدارس علم، ورباط جهاد، ومنارة إشعاع)".
نص الخطاب :
السيد رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية؛
السيدات والسادة أعضاء الجمعية الوطنية؛
السيدات والسادة، الحضور الكريم؛
سعادة كبيرة تغمرني وأنا أتحدث إليكم من داخل فضاء الجمعية الوطنية، عنوان الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، هذا البلد الشقيق الذي نتشرف بزيارته، استجابة لدعوة فاضلة كريمة من السيد الرئيس الشيخ ولد باية، تعزيزا لشراكة أخوية طبيعية ضاربة جذورها في التاريخ، لم تفرضها الجغرافيا قَدَرا فقط، بل زكتها أواصر القرابة، والدم واللغة والدين...وفضلا عن كل ذلك، رغبة قائدينا وشعبينا في تعزيزها وتطويرها، وجعلها في مستوى التحديات الحالة والمنظورة؛
وتزداد سعادتي لمخاطبة رجال ونساء ورثت حضارة أثيلة معطاء، تمكنت من تطويع محيط إيكولوجي بخصائصه الجغرافية المعروفة، كان ينبوعا لا ينضب للعلم والمعرفة والبسالة والإقدام. فتجربة الجامعات المتنقلة، التي تمثل خصوصية حضارية لمجتمع تشبع بقيم الثقافة العربية الإسلامية، لتصبح المحاضر بحق، واسمحوا لي أن أقتبس من كلام الأستاذ الخليل النحوي "مدارس علم، ورباط جهاد، ومنارة إشعاع". فلها الدور البارز في توطيد المعارف الدينية والثقافية، فأصلت جذور الحضارة الإسلامية والثقافة العربية بهذه الأرض المباركة؛
وبفضل تلاحم السيف والقلم، تم نشر الإسلام ورفع رايته عالية خفاقة في عمق افريقيا، وبفضله أيضا تم الذود عن حمى الوطن جراء التكالب الاستعماري؛
وليتواصل هذا العطاء والإشعاع الثقافي والروحي إلى اليوم، بفعل القوة الناعمة للجمهورية الإسلامية الموريتانية على مختلف أرجاء محيطها؛
السيدات والسادة
لسنا في هذا المقام، في حاجة إلى جرد ما يجمعنا، ولا الحديث عن مؤهلاتنا وإمكاناتنا الطبيعية الهامة، وطاقاتنا البشرية الواعدة، بل التفكير في كيفية استثمار كل هذا، في مشاريع سياسية واقتصادية مدارها الإنسان وغايتها التنمية. وفي هذا الصدد،فإننا ننظر بأسف شديد إلى واقع استمرار تعطل مشروع الاندماج المغاربي، هذا الحلم الكبير، الذي صاغ الآباء معالمه الأولى، وفشل الخلف في الدفع بها، نحو خلق كيان جهوي قوي، يضاهي نظيره في الضفة الأخرى من المتوسط، أو مثيله تكتل دول غرب افريقيا، وكان من كلفة هذا الوضع، أننا لا زلنا نواجه مصيرنا المشترك، دون إطار مشترك، وإنما دولا فرادى تغيب عنها القوة التفاوضية المؤثرة؛
إن عالم اليوم، لم يعد عالم الدول القطرية، ولا عالم الدول الخطأ، ولا عالم الدول الفاشلة، ولا عالم الكيانات الوهمية الموجودة في تراث "الحرب الباردة"...وإنما عالم التكتلات، المجمعة للقدرات والإمكانات، المتوفرة على سوق واسعة للعرض وللطلب، القادرة على مقاومة ومجابهة تقلبات اقتصادية ومالية عاصفة. ففي أقل من عشر سنوات، شهدنا جميعا محنة الأزمة المالية، فالأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد، فالأزمة الطاقية والغذائية التي كانت من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية...إن توالي هذه الأزمات يسائل مؤسساتنا، ويسائل مشاريعنا السياسية والاقتصادية، ويسائل تصورات نخبتنا ونظرتها إلى عالم اليوم والغد؛
لقد عشنا في سنوات خلت، في ظل مشاريع سياسية كونية تريد أن تربطنا بوجهات معينة، وأن تديرنا بعقلية "المركز"، وأن تنقل خيراتنا إليها، دون أي عناء لتنميتنا، وتكبلنا بقيد التبعية، التي تجعل فرصنا في الانعتاق والتحرر مستحيلة، وكانت نظرتها إلينا، نظرة التاجر الباحث عن سوق، وعن مشتري، وعن الثمن الجيد، وعن الربح السريع...وهو ما أفقدنا الاستقلالية، في كل تجلياتها، وغيب الندية عن مواقفنا...فهل من سبيل للخروج من هذا الوضع؟ نعم، عبر التعويل على ذواتنا، وعلى جوارنا، وعلى فضاء الجنوب الذي ننتمي إليه، وعبر المرافعة عن عالم أكثر إنسانية، عالم متضامن يقبل بتقاسم عوائد التطور والنمو، متضامن لمواجهة مشكلات البيئة والأمن ومعضلات الكراهية وازدراء الأديان...
السيدات والسادة
لكل هذا، واستحضارا لما سبق، دعت المملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، إلى تأسيس جوار "بيد ممدودة"، ليس فيه مكان للحدود المغلقة، المعطلة لتنقل الأشخاص والبضائع، مقترحة حكما ذاتيا للأقاليم الصحراوية، أملا في الطي النهائي لنزاع عمر طويلا. هذا المقترح الذي وصف في كل قرارات مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2007 "بالجدي وذي المصداقية"، لأنه يقدم ملامح حل سياسي، متفاوض بشأنه،ونهائي، لنزاع يعرف الجميع بداياته، وملابساته وتطوراته...إن بلادنا، تأمل من خلال هذا المقترح، نزع فتيل التوتر المفتعل في منطقتنا وبين حدودنا، وأن تخلق فضاءا آمنا خاليا من الجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات والبشر، ونشاط الجماعات الإرهابية...كل هذا لن يتحقق إلا بانخراط أكبر لكل الدول الأطراف المعنية؛
وللغاية نفسها، استعادت بلادنا مقعدها الطبعي المؤسسي، داخل العائلة الإفريقية، هذه العائلة، التي كانت بلادي جزءا هاما في جمعها التأسيسي الأول، الذي اتخذ صورة "منظمة الوحدة الأفريقية"، وغادرتها مكرهة، لأن المقعد الواحد لا يسع لشخصين، وعادت إليها، بعدما بددت الحقيقة سراب الوهم، باقتناع عواصم عديدة، بمحورية دور المملكة، في القارة، وسمو الرسالة التي تحملها وتدعو إليها؛ مما خلق دينامية اقتصادية وسياسية شعارها جنوب-جنوب، لتبادل الخبرات والتجارب، سمحت بميلاد تعاون بشراكة رابح-رابح...لكن علاقتنا بأفريقيا، تمر بالضرورة عبر علاقات قوية مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية، هذه العلاقات التي تعززت في مارس الماضي بانعقاد أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة، والتي نأمل أن تشكل مخرجاتها، دفعا قويا لعلاقات بلدينا لا سيما على المستوى الاقتصادي، وبالرغم من أهمية الأرقام المسجلة في هذا السياق، فإنها لا ترقى لطموح وتطلعات بلدينا قياسا بكل الإمكانات المتاحة، المعززة بتنوع طرق الربط بين البلدين، لا سيما "معبر الكركرات"...
السيدات والسادة
إن التحديات المطروحة، التي استحضر هذا الخطاب جزءا منها، تدفعنا كممثلين عن مؤسستين دستوريتين، إلى تطوير أدوات اشتغالنا، فالديبلوماسية البرلمانية، لم تعد ترفا، أو أداة تكتفي فقط باقتفاء خُطى وأثر الديبلوماسية الرسمية،بلإن توفرها على عديد مقومات، يجعلها مطالبة بلعب دور أكبر من المعتاد، فالديبلوماسية البرلمانية، تعبر عن مؤسسات تشريعية وطنية، بتركيبة منتخبة مستمدة تمثيلها من الأمة، ولها من الأدوار والاختصاص، ما يجعلها في قلب الأنظمة الدستورية...فمجلس المستشارين الذي أتشرف برئاسته، تمثل تركيبته المجال الترابي الجهوي للمملكة، كما تنتظم بعضويته الحساسيات الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل منه مؤسسة تشريعية لكن بتمثيل خاص، من الممارسين للتدبير الترابي، أو للعمل النقابي أو للنشاط الاقتصادي...هذه التركيبة المتنوعة، ذات الخبرة المهنية
المتعددة، تنشغل، في أدائها لوظائف التشريع والمراقبة والتقييم، على إشكالات العدالة المجالية، ومشروع الدولة الاجتماعية، وعلى كيفيات إدامة السلم الاجتماعي حفاظا على الاستثمار المنتج، وعلى فرص الشغل القائمة، وستشكل اللقاءات الموضوعاتية بين الوفدين، مناسبة لتسليط الضوء على هذا البعد، في إنصات لتجربة الجمعية الوطنية الموريتانية؛
إننا نأمل من هذه الزيارة، أن تشكل نقطة تحول عميقة في علاقات مؤسستينا، التي نطمح أن تكون علاقات منتظمة، بأجندة عمل محددة، وبآليات للاشتغال قائمة ومفعلة، وأن نوظف الروابط التي تنحدر منها تركيبة مجلس المستشارين، لتجسير العلاقات مع الأوساط الاقتصادية والاجتماعية والمدنية الموريتانية، فهذه الروابط هي التي تغير السياسات، وتدفع بالشراكات الاقتصادية، وتعيد النظر في الصور والكليشيهات الجاهزة، وتخلق رأيا عاما، مطلعا على حقيقة الأشياء، والرهانات المرتبطة بها والتحديات التي تطرحها...وستجدون السيد الرئيس في ضيفكم والوفد المرافق له، كل الدعم والسند للمبادرات التي من شأنها تقوية علاقات مؤسستينا، أو تعضيد العلاقات بين بلدينا، في ظل الرؤية المشتركة التي تجمع بين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وأخيه فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني؛
وفي الختام، أشكر للحضور الكريم حسن الإنصات، وللسيد الرئيس كريم الاستقبال وكرم الضيافة، وحرارة اللقاء وحفاوته، آملا أن يكون هذا اللقاء، وهذه الزيارة فاتحة للدفع بالشراكة بين بلدينا، وبين مؤسستينا، وواجهة للعمل المشترك البناء المجسد لكل القيم النبيلة التي تربطنا دولا وشعوبا ومؤسسات، كما آمل أن تكون أمطار الخير والبركة التي شهدها تراب موريتانيا مؤخرا، بشرى ومقدمة خريف جيد معطاء؛
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته./.