في ظل ضعف الدعم المقدم للمؤسسات الإعلامية الحرة وتضاعف الضغوط على لجنة صندوق دعم الصحافة، يبرز جليا من نتائج تأخر تشكيل لجنة صندوق دعم الصحافة والتلاعب بالمهلة المحددة لها ونتائج عملها ،خلال سنة 2014، أنها أصبحت رهينة لمجموعة من اللوبيات الصحفية المتنفذة في دوائر القرار الإعلامي، والتي تنتهج سياسة التهميش والإقصاء، سبيلا لاحتكار المهنة وتوظيفها لخدمة أهداف خاصة، بعيدا عن احترام المعايير المعلنة من طرفها.لقد عملت هذه اللوبيات على عرقلة عمل اللجنة، كما ساهمت في تأخير تشكيلها في الوقت المناسب واستطاعت أن تمرر من خلالها شرطها الضروري والكافي والمتمثل في إبعاد وإقصاء غالبية المؤسسات الإعلامية الإلكترونية، مستخدمة في ذلك معايير غير شفافة.
ففي الوقت الذي عرف فيه الإعلام الإلكتروني انتشارا واسعا في العالم عموما وفي بلادنا خصوصا، متقدما بذلك على كل أشكال وأنماط النشر التقليدي المتمثل في المجلات والصحف، التي شهدت انحسارا عالميا ومحليا، وفي ظرف زمني بدأ فيه انحسار واختفاء صحف ورقية عريقة في عواصم غربية وشرقية، نتيجة لمنافستها من طرف المواقع الإلكترونية ولتصاعد مد ثورة المعلومات الرقمية، التي حلت محل أنماط النشر الإعلامي القديم.في هذا الوقت بالذات واستجابة منها لرغبة عناصر متحكمة في واجهات الإعلام الحر، نجد أن اللجنة اعتمدت أسلوبا ممنهجا من أجل إقصاء غالبية المواقع الإلكترونية مع احتفاظها ببعض المحظوظين، ممن لا يملكون في الأغلب مؤهلات علمية ومهنية، تخول لهم العمل في ميدان الصحافة والإعلام، ويتمثل هذا النهج في تقليص الدعم الموجه للمواقع الإلكترونية، التي تغذي قراءها كل ساعة بالأخبار، وتوفيره لصالح صحف غابت وتغيب كل يوم عن المشهد الإعلامي، وإذا ظهرت إنما تكون خبرا لكان، فقد حصلت 96 موقعا على مبلغ 39 مليون وهو يمثل نسبة %19.5 مقابل حصول 52 صحيفة ورقية على 96 مليون بنسبة بلغت 48%، لتغطية مختلف بنود النفقات .ولم تكتف اللجنة بتخفيض الدعم الموجه للإعلام الإلكتروني، فقد مكنت مؤسسات الأوصياء على المهنة الإعلامية من التصدر والهيمنة على لوائح المواقع والصحف الورقية، وأقصت بقية المواقع من خلال منعها من الحصول على الدعم الموجه للأجور والإيجار، وحصرها على دعم "الاستضافة" الهزيل، في حين حصل أولئك على دعم مزدوج في مجال السحب والأجور والإيجار والاستضافة، وهو ما يتنافى مع معايير المعلنة ويجعل من اللجنة مجرد أداة طيعة في يد مجاميع الإقصاء، التي لا تسمح لغير ثلة من المحتكرين للمهنة الإعلامية من الاستفادة من الدعم الموجه للإعلام.
فإذا كان البعض اتهم اللجنة،خلال السنة الماضية، بأنها وزعت الدعم بين أعضائها، فبإمكاننا القول أن اللجنة وزعت،هذا العام، مبلغ صندوق دعم الصحافة بين مجموعة قليلة من محتكري المشهد الإعلامي(روابط، مؤسسات ورقية، مواقع إلكترونية)، وعمدت إلى إقصاء ممنهج ومدروس، استجابة لحاجة في نفس يعقوب، لأغلب المواقع الإلكترونية، من خلال حرمانهم من الدعم الموجه للأجور والمقرات، وذلك باعتماد ظالم ومخل بالمعايير المعلنة، يتمثل في تحديد معدل أدنى للحصول على تلك المزايا.لقد مثل الاجتماع الطارئ للجنة صندوق دعم الصحافة مع رؤساء الروابط الإعلامية، قبيل فتح ملفات الترشح للدعم، أمرا مستجدا وغريبا في نفس الوقت، فكيف تجتمع تلك الهيئة مع أولئك المتنفذين وهم ممثلون فيها بواسطة أعضاء منتدبون.
لقد كان ذلك الاجتماع بمثابة كلمة السر، التي حصلت عليها اللجنة من أجل قبول نتائج عملها ومنحها صكا أبيضا، فقد تمكنت من معرفة شروط أولئك الخصم والحكم، والتي تمثلت أساسا في إقصاء غالبية المواقع الإلكترونية من الدعم ورميها في سلة مهملات دعم سموها "الاستضافة"، في حين استأثر أولئك بالجزء الكبير من الكعكة، مستغلين تحكمهم في اللجنة وتوظيفها لمآربهم الخاصة، ويضاف إلى ذلك التلاعب الداخلي بعملية التنقيط والإخلال المقصود بالشروط المعلنة، سواء ما تعلق منها بمكونات الملف أو معايير الأفضلية، التي راحت كلها أدراج الرياح، دون أن تؤخذ في عين الاعتبار، وحلت محلها الوصايا والتفاهمات .ولم يسمحوا إلا بولوج متواضع لقلة من أصحاب الأقلام والرأي، ممن يخافون أن يكشقوا سوءات أعمالهم وتحايلهم على وسائل الإعلام الحرة.ويشكل هذا النهج سابقة خطيرة، في مجال سلب الدعم الرسمي المقدم من طرف الحكومة، من أجل إرساء دعائم إعلام حر ومستقل، ستكون لها عواقب وخيمة على مستقبل الإعلام الحر في موريتانيا، مما سيجعله حكرا على قلة تتلاعب بمصير المؤسسات الإعلامية وتمنع تطورها وتشجيعها.
سيدي ولد سيد أحمد
مدير موقع الديار نت