أشاد الكاتب السعودي البارز حسن مصطفى بأهمية دعوة قيادات روحية، مثل فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه؛ رئيس "منتدى أبو ظبي للسلم"؛ الذي "طالب الأئمة والقادة الدينيين في المملكة المتحدة بان يجسدوا قيم الرحمة في مجتمعاتهم، اقتداء بإمام المرسلين الذي كان رحمة للعالمين".
وبين مصطفى، في مقال نشرته صحيفة "الرياض السعودية" نهاية شهر يوليو المنصرم، أن الشيخ بن بيه، "بعلاقاته الواسعة مع المؤسسات الدينية والقيادات الروحية الإسلامية والمسيحية واليهودية، يشكل رمزية خاصة، كونه تجاوز في تجربته "سياقات علماء الدين التقليديين".
وذكر مصطفى حسن، في بداية مقاله الجديد، بآخر كتبه للإشادة بالجهود التي يقوم بها الأمين العام لـرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، بهدف "أنسنة الخطاب الديني"، والحد من الأفكار المتطرفة، واعتبر فيه أن تلك المشاريع التي يشرف عليها العيسى، "رغم أهميتها البالغة والأثر الذي أحدثته، والاستمرار دون كلل في تطويرها - أنها تحتاج لأن تعاضدها مؤسسات وهيئات وعلماء آخرون، يقومون بنقد منهجي للأفكار الماضوية، ويؤسسون لسياقات ثقافية جديدة، تجعل الخطاب الديني قادراً على تلبية احتياجات المؤمنين في هذا العصر، وليتخفف من ثقلِ تاريخ التشدد والجمود "؛ ومن ضمنهم منتدى أبو ظبي للسلم ورئيسه الشيخ عبد الله بن بيه..
كتب حسن مصطفى:
جهود تجديد الخطاب الديني في الخليج
أشرتُ في المقال السابق، للجهود التي يقوم بها الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي" الدكتور محمد العيسى، بهدف "أنسنة الخطاب الديني"، والحد من الأفكار المتطرفة، واعتبرت تلك المشاريع التي يشرف عليها - رغم أهميتها البالغة، والأثر الذي أحدثته، والاستمرار دون كلل في تطويرها - أنها تحتاج لأن تعاضدها مؤسسات وهيئات وعلماء آخرون، يقومون بنقد منهجي للأفكار الماضوية، ويؤسسون لسياقات ثقافية جديدة، تجعل الخطاب الديني قادراً على تلبية احتياجات المؤمنين في هذا العصر، وليتخفف من ثقلِ تأريخ التشدد والجمود!
الخطاب الديني تعدد بتعددِ أصحابه، وهذا أمرٌ حسنٌ وغير قبيح، إلا أن السلبي هو دخول الكثير من الأفراد المسيسين أو الجهلة أو الإقصائيين في صياغة مضامين هذا الخطاب، وتحويله صوب أهداف حزبية أو تياراتية أو طائفية، عملت على إشاعة التباغض والعصبيات والتكفير. من هنا تأتي أهمية دعوة قيادات روحية، مثل رئيس "منتدى أبوظبي للسلم" العلامة عبد الله بن بيه، حينما طالب الأئمة والقادة الدينيين في المملكة المتحدة بأن يجسدوا "قيم الرحمة في مجتمعاتهم، اقتداء بإمام المرسلين الذي كان رحمة للعالمين".
بن بيه، وعبر فقاهته أولاً، وعلاقاته الواسعة مع المؤسسات الدينية والقيادات الروحية الإسلامية والمسيحية واليهودية، يشكل رمزية خاصة، كونه تجاوز في تجربته سياقات علماء الدين التقليديين، ساعياً لأن يخرج بالدين من مفهومه العبادي الفردي الضيق، إلى أفق يصنع السلم والتعايش والتعاضد بين مختلف بني البشر، دون فروقات بين أي أحد منهم. ويرى الشيخ بن بيه، أن " التعايش هو الخيار الوحيد لهذه المنطقة وللعالم - هذا هو ما يعلمنا إياه العقل والتاريخ والكتب المقدسة لجميع الأديان"، آملاً أن "تستمر مساهمة القادة في نشر السلام والتعايش في جميع أنحاء العالم"، وهو ذات الهدف الذي يعمل من أجله أمين عام "رابطة العالم الإسلامي" الشيخ محمد العيسى، مما يجعل التعاون بين المؤسستين اللتين يرأسهما بن بيه والعيسى، أمراً يصب في صالح تعميم ثقافة التراحم واحترام التعددية والتنوع البشري.
إضافة لـ"رابطة العالم الإسلامي" و"منتدى أبو ظبي للسلم"، هنالك مؤسسات أخرى مثل "أكاديمية البلاغي" التباعة لـ"معهد الخوئي" الذي يرأسه السيد جواد الخوئي، و"مركز الكلمة للحوار والتعاون" الذي يشرف عليه السيد رياض الحكيم، و"مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي" التي يتقلد فيها الأمير الحسن بن طلال، منصب "العضو المؤسس"، و"مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"..
هذه المنظمات إذا شكلت شبكة تواصل دائمة فيما بينها، وعقدت الندوات وورش العمل، وتبادلت التدريب والخبرات، وبنت مشاريع مشتركة يلمس الناس نتائجها على أرض الواقع، وتواصلت مع الجمهور العام بوسائل جذابة ولغة حديثة، هذا الجهد سيكون له أثر كبير في تغيير سياقات الخطابات الدينية السائدة حالياً، وطرح فكر يركز على العقلانية والمقاصد الكبرى، والمنافع العامة، والمشتركات الإنسانية، وسيرسخ مفاهيم حديثة مثل: المواطنة الشاملة، سيادة القانون، الدولة المدنية، حرية الدين والمعتقد.. أي أنها ستقوض شيئاً فشيئاً السرديات الطائفية والعنيفة وتلك القائمة على الكراهية وإقصاء الآخر المختلف.
هذا التغيير لن يكون سهلاً، وسيجد ممانعة من المتشددين، تحت ذرائع كثيرة؛ إلا أنه بات من الضروري النهوض به، وتحمل المسؤولية التاريخية تجاه استعادة "الرحمانية" المسلوبة، وإلا سينمو التطرف سواء كان ظاهراً على السطح، أم هنالك في الخفاء وبعيداً في الظلام، حيث لا يصل إليه ناقد أو منيرٌ!