يقول مؤرخ أمريكي ساخر:(السياسيون مثل حفاظات الاطفال يجب تغييرهم باستمرار لنفس السبب) ، إن السياسة هي فعل الممكن و الحوار هو المنهاج القويم و الطريق المستقيم لكل إصلاح رشيد و الأسلوب الأنجع لحل الأزمات لأي بلد.
و موريتانيا تعاني منذ استقلالها من أزمات كادت تعصف بكيانها الهش نتيجة لغياب إستراتجية وطنية لتسير الدولة و التفكير في رؤية موضوعية مما أدى اضطراب الوضع الاجتماعي و الأخلاقي و التدهور الاقتصادي رغم الموارد المتعددة و المتنوعة، و ذلك نتيجة للأزمات السياسية مما أدى إلى عدم الاستقرار و غياب الدولة نتيجة للانقلابات العسكرية التي أفرزت أحكاما(ديمو عسكرية)فالأزمة أزمة نخبة حاكمة لم تتجاوز مرحلة الوهن و حب السلطة و الوظائف و الامتيازات و لم تتجاوز إلى مرحلة نخبة وطنية صادقة مع ذاتها ووطنها تواجه القضايا الوطنية بكل شجاعة و مسؤولية و رؤية إستراتجية و مراجعة الذات و الأدوار و تحديد دور الطبقة السياسية التي تحكم منذ الاستقلال و التي بلغت من العمر عتيا ووهن منها العظم دون أن تقدم جديدا بطريق بناء دولة المواطنة.
لا بد من رؤية وطنية تنهي أزمة( دولة المسؤول ) و التي يجلد بها الشعب و تؤكل أمواله بالباطل باسمها إلى دولة المواطن حيث الهدف خدمة الشعب و المواطن و الوطن إن المعركة كبيرة بين الدولة و السلطة إن الهزائم و المغامرات الغير محسوبة و السياسات الفاشلة يدفع ثمنها الشعب و تعني في النهاية غياب السلطة و إضعاف الدولة فموريتانيا لن تجد استقلالها الحقيقي فلا بد من رؤية وطنية لحل الأزمة بأساليب جديدة و متجددة في فن السياسة بعيدا عن أساليب المواجهة(بين السلطة و النخبة) رؤية واعية تعي الحاضر تستشرف المستقبل من أجل وضع حد للاحتقان السياسي بين مختلف الأطياف السياسية و الاجتماعية و ذالك بانتهاج سياسية راشدة عاقلة من أجل تجاوز الأزمات( فالحوار الذي لم تتحدد قواعده و مقاصده يرتبك صياغه و تضيع نتائجه ) .
هناك مبادرات وطنية جاءت في الوقت المناسب و بدافع الوطنية و التجربة السياسية(مبادرة مسعود و مبادرة الأئمة .....) و هي مبادرات لم تحظي ب نفس كبير و رؤية إستراتجية طويلة المدى فاختفت لاحقا بدون أن تفلح في تقريب وجهات النظر( بين الإخوة المتحاربين) في هذه البلاد التي جبلت نخبتها السياسية على خلق الأزمات بدل الانجازات.
و الحقيقة التي لم يفهمها الذين يمارسون( هواية السياسة) في بلادنا أنهم جزء من الأزمة التي تعيشها البلاد و أن صناع المشاكل السياسية و الاجتماعية هم أقل الناس قدرة على معالجتها.
إذا على ماذا يتسارع هؤلاء السياسيون الذين يفترض فيهم( ولا أزكي على الله أحدا) الكفاءة و الأمانة و تجاوز عقدة الزعامات وحب السلطة و الامتيازات.
و أخيرا وبعد مخاض عسير و أزمات متعددة دفعت ثمنها النخبة السياسية الصادقة و اكتوى بنارها كل الغيورين على مصلحة موريتانيا جاءت مرحلة انتقالية بحكم مدني منتخب مدعوما من العسكر و استبشر الشعب خيرا و أملا ولكن رياح المصالح أتت بما لا تشهي النخبة السياسية التي تحلم بالتغير و الإصلاح و التنمية.
عادت حليمة إلى عادتها و عادت لعبة العسكر مدعومون بالمدنيين و أترك لكم التفاصيل و التي لا ينبئكم مثل خبير فما الكاتب بأعلم منكم.
وظهرت الجبهة الوطنية بالدفاع عن الديمقراطية مناوئة للانقلاب العسكري و اختفت بعد(اتفاق داكار)فلم تعد تسمع لها همسا.
ثم جاءت منسقية المعارضة و ما أدراك ما المنسقية؟ خليط من السياسيين السابقين و اللاحقين تدعو لربيع موريتاني ثورة شعبية و أخيرا طفح الكيل و بلغت القلوب الحناجر جاء نذير من قريب إنه(المنتدى الوحدة و الديمقراطية) يقوده في مرحلته الأولى عسكري متقاعد!!!!
المشكلة أيتها النخبة المتسيسة التي تجيد فن المناورات مع كل الأنظمة و انتهاج سياسة الصفقات و الصدمات فالأزمة السياسية في موريتانيا لا تحل بالمبادرات والمنتديات لاابداوانما بتشخيص الأزمة و تصور آليات معالجتها إن المشكلة في عقول( الفرقاء السياسيين ) كل حزب بما لديهم فرحون كل يقرأ الأزمة من رؤيته الخاصة لا أحد على استعداد لتغيير تلك الرؤية أما النظام و من يسيرون في فلكه و الذين يفترض أن يكونوا في مستوى المسؤولية و الأمانة حرصا على مصالح البلاد و العباد فلا يرون أن البلاد تعيش أزمة إلا في عقول المناوئين للنظام و يترنمون آناء الليل و أطراف النهار بانجازات و يغنون معزوفة الموروثة عن أسلافه( البلاد بخير) .
فالقضية أيها السادة تتعلق بحاضر و مستقبل موريتانيا فالأمر يحتاج إلى وعي وطني و تعاون النخبة الوطنية مهما كانت مشاربها الفكرية و السياسية و الاجتماعية فموريتانيا هي محل (الإجماع )فالوطن هو الصيغة التي يجب على جميع تقديسها و عدم المساس بثوابتها الدينية و الوطنية فكل الاختلافات واردة و مطلوبة و مقبولة فالاختلاف محمود لكنه اختلاف مثمر في ظل الوحدة الوطنية و الثوابت الحضرية للأمة أما الخلاف المذموم فهو الخلاف في حجم الانتماء و الولاء للوطن فهو أمر مرفوض و غير مقبول و ترفضه كل الشعوب التي تحترم أوطانها.
و سأكون موضوعيا في هذا التحليل ما استطعت لذلك سبيلا فلست سياسيا بالمعنى المعروف و المتداول و رأيي رأي العلامة: المختار ولد حامدو
دع السياسة إلى جانب
فلا تكن غالبا و لا مغلوبا
و اترك لها الحبل على الغارب
كن ثالث الغالب و المغلوب
ولست مواليا الولاء المطلق للنظام الحاكم و اعترف أن ما حققت الأنظمة المتعاقبة على موريتانيا بما فيها النظام القائم الآن هو بعض ما ينبغي تحقيقه للشعب الموريتاني، و إنجاز الحكومات لشعوبها ليس تفضلا أو منة و إنما هو الحد الأدنى المنتظر منها "فكل راع و كلم مسؤول عن رعيته " ولكنني لست مع معارضة لا تسير خطوة إلى الأمام إلا تقدمت خطوتين إلى الهاوية.... و لا تعترف بما أنجز لأنه ليس من صنعها و لأن ركوب الموجات و التأثيرات الخارجية و الأزمات لا تحل المشاكل فالحل بأيدينا(إن الله لا يغير بما قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)فشعار إسقاط النظام أو رحيله الذي رفعته المعارضة حينا من الدهر، أثبت إفلاسه و لأن الظروف الموضوعية للثورة غير موجودة و لا متاحة و ذلك لغياب رؤية إستراتجية شاملة و خطاب سياسي موحد و خطة معلنة و محددة للإصلاح و هو ما يجعل الكثيرين من المتابعين للشأن المحلي الوطني يعتقدون أن مفهوم (الاستقرار في ظل التغيير) الذي رفعته الأنظمة( الديمو عسكرية ) المتعاقبة على موريتانيا لا يبتعد عن مفهوم (الركود في ظل الجمود) و بقاء الأمور على ما هي عليه و ليس بالإمكان أحسن مما كان مما يسبب الحيرة للمراقب للأوضاع العامة للبلاد أن الجانبين النظام و أتباعه و المعارضة و فصائلها، يقدما برامج للمستقبل تتجاوز شعارات العامة و تتضمن أهدافا معينة لحل أزمة محددة مما يجعل الأمور تبقى على مستوى الكلام الكبير( فتسمع جعجعة و لا ترى طحينا ) لقد أضحى من المستحيل أن يجتمع أو يتفق أو يشارك محللون على راى واحد اتجاه قضية وطنية و قراءة متقاربة و الأمثلة واضحة مشهودة و تتجلى في المواقف السياسية من المشاركة والمقاطعة والمشاركة في الحوار الذي دعي له النظام
فهل نعلق آمالنا و مستقبل بلدنا على هؤلاء لغير قادرين على تحمل المسؤولية في الإفصاح عن مواقفهم السياسية .
لقد علمتنا التجربة أن السياسيين الموريتانيين تجمعهم المصالح الآنية و تفرقهم المنافع العاجلة.
مما يولد تفرقهم و صناعة دكتاتور على المقياس حسب مواصفات من غيروا أو رحلوا النظام (سلما أو عنفا ) ...... و السير بالبلاد في دائرة مغلقة و الرجوع إلى نقطة البداية.....
مرحلة انتقالية جديدة تدخلات دولية و إقليمية (مؤتمر داكار و باريس..الخ)
ومزيدا من الفوضى و عدم الاستقرار و تعطل عجلة التنمية.يجب أن نعترف أن المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي القائم على ضعفه و هشاشته هو موريتانيا القديمة و الحديثة، بمشكلاتها و تناقضاتها و تراجعاتها و طموحاتها و إخفاقاتها.
نخبة سياسية منذ الاستقلال إلى اليوم تتبادل الأدوار، تمجد جلاديها و العابثين بتنميتها و مواردها و ما أكثرهم في المعارضة و النظام نخبة سياسية تحسن فن المراوغة تحول النكرات إلى رموز و تحول الرموز إلى نكرات سياسيون يحترمون من يكذب عليهم و يعرفون أنه يكذب،و يحتقرون من يصدقهم القول و يعرفون أنه يصدق، نخبة سياسية تؤمن ببعض الكتاب الديمقراطي و تكفر ببعض موالون للنظام يمتهنون الكذب و النفاق و التخابر مهام سامية تعني (السياسة)إلى متى يتصارع هؤلاء من أجل مكاسب شخصية رخيصة و آنية على حساب هذا الوطن المنكوب بنخبته المتآمرة عليه .
فالحل أيها المؤمنون بمستقبل موريتانيا هو ترسيخ القيم الديمقراطية و دولة الحق و العدل لا الشكل الديمقراطي حتى يستطيع المواطن أن يميز بين الطيب و الخبيث و الزبد و ما ينفع الناس حينها تعود السلطة إلى أصحابها الحقيقيين بعيدا عن العسكر و كتائبه المدنية من النخبة المتسيسة التي تشرع له الانقلابات فيراها فعلا حسنا و خيارا شعبيا و تصحيحا و إنقاذا.
فكل الأدلة و التقارير في تاريخنا السياسي الحديث، تدين شخصيات مدنية بعينها بوزر هذا الانقلاب العسكري أو ذاك من الإطاحة بالحكم المدني الأول 1978م إلى 2008 ليس هناك انقلاب عسكري في موريتانيا لم تخطط له (النخبة السياسية ) بكل تيارات الإيديولوجية(القومية ـ الإسلامية ـ اليسارية ) أو تخلق له أجواء التأزم لتبريره ليكون خلاصا أو إنقاذا أو تصحيحا و يضرب بعضها بعضا سجناا و تشريدا و فصلا من الوظيفة( و يمكن الرجوع الشهادات السياسيين ) في البرنامج التلفزيون الصفحة الأخيرة الذي تبثه التلفزة الموريتانية.
إن الشعب الموريتاني متحمس بطبعه والطيب بسريرته مل لعبة العسكر و النخبة السياسية و يتطلع إلى تغير جديد و بعقول جديدة و مسار عقلاني ناضج منبعث من روح وطنية و مراجعة الذات و الأدوار بعزيمة عالية تصب في مصلحة الجميع خصوصا في هذا الظروف الاستثنائية و مشاكل ( الصيف الربيع) و ما يقع في القارة الإفريقية من انقلابات و حالة الحرب و الفقر و المرض المفوضى و الانسداد السياسي و التدهور الأخلاقي و الاقتصادي الذي نعيشه على كل المستويات (الإعتصامات أمام القصر ـ إضرابات عمال أسنيم ـ و الدعوات العنصرية .....) مما يولد ميزيدا من الإحباط و تراكم المشاكل و الأزمات و ضياع الأمل فالوطن في خطر يعاني من أزمات قد تجلب لا قدر الله ـ وقانا الله شرها أوضاعا قاية في الصعوبة،عانت منها دول أقوى منا اقتصاديا و اجتماعيا،فلا عاصمة بعد الله إلا المصالحة و المصارحة و معرفة الواقع السياسي و الاجتماعي على حقيقته و طرح البدائل و الدفاع عن الثوابت الدينية التي هي مصدر قوتنا ووحدتنا و عزتنا .
نحتاج إلى خطا ب جديد خطاب الأمل و الحياة يتجاوز مرحلة الوهم و التآمر لكي نبني وطنا نعيش فيه بأمن و أمان نطعم فيه من الجوع و نأمن من الخوف ولن يحدث ذلك إلى بحالة المترددين الفاشلين من النخبة العاجزة التي جبلت على حب السلطة إلى التقاعد، ولسنا بحاجة إلى ( حراك شبابي) سياسي يتصارع على موائد السلطان باسم تجديد الطبقة السياسية بحاجة إلى أفكار جديدة تطرح فكرة البناء و الوحدة و التنمية و التوافق و التداول السلمي على السلطة ، نحتاج إلى نخبة إذا حدث صدقت و إذا أنجزت وعدت و إذا أتمنت لم تخن الأمان، مبدؤها( سياسية الأخلاق و أخلاق السياسة ) فالسياسة لا تعني الانتهازية و الوصولية السياسة تعني إرشاد الناس و توجيههم و سوسهم و حكمهم بالإصلاح و العدل في أمور دينهم و دنياهم ، فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة انتهازية و تؤدي إلى ردات فعل خاطئة بل يجب أن ننطلق من أطر أخلاقية تقوم على مبدأ الشورى و التوافق بين الغايات و الوسائل ( فالوسائل يجب أن تتكافؤ شرفا مع غاياتها ) و نستحضر هنا قول المفكر الإسلامي مالك بن نبي ( إذا كان العلم بدون ضمير خراب الروح فإن السياسة بلا أخلاق خراب الإنسانية) .