لا يحتاج المرء إلى قدرة خارقة على قراءة الأحداث ليدرك عدم جدية النظام الموريتاني فى الحوار مع المعارضة.
فعندما كان سعرُ طن الحديد يتجاوز 180 دولارا، وناهزتْ عائدات شركة سنيم من مبيعاته ملياريْ دولار، وفاقتْ مداخيل الخزينة العامة 100 مليون يورو من اتفاق الصيد مع الإتحاد الأوروبي، وكان الرئيس يتبجح بوجود احتياطي هائل من العملات الصعبة فى خزائن البنك المركزي، لم يكن الحوار مطروحا – بالنسبة له- مع مجموعة من “عَجَزة” المعارضة الذين عيَّرهم بالشيب والهَرم.
واليوم، وقد تراجعت أسعار وعائدات الحديد والذهب والسمك، واظلَّتْنا استحقاقات مديونية ضخمة لكل مؤسسات التمويل العربية والإسلامية والإفريقية والعالمية، وتتالتْ انسحابات المستثمرين فى الغاز والبترول، وتصاعد الإحتقان الإجتماعي فى أكبر ولاياتنا المنجمية، هذا هو النظام يعلن استعداده للحوار مع المعارضة حول “كل شيء”، لتتقاسم معه الضَّراء، بعد أن سفَّهَ أحلامها فى السَّراء.
ما الذي تَغيَّرَ فى النظام حتى نستبشر خيرا بدعوته الجديدة إلى الحوار مع المعارضة؟الجديد الوحيد فى الورقة المُهينة- شكلاً على الأقل- التي أرسلها الوزير الأول إلى المنتدى هو اعتراف النظام بأن ديمقراطيته عرجاء، وأنه – وبعد ثمان سنوات – اكتشف أن:
• وسائل الإعلام العمومية لا تغطي أنشطة المعارضة بشكلٍ سوِي،• أطر ورجال الأعمال المنتمين للمعارضة مَقصيُون (وإن كان النظام يتساءل عن وجودهم أصلا)،
• الجيش لا يزال يتدخل فى الأنشطة السياسية،
• الوحدة الوطنية فى خطر،
• القضاء غير مستقل،
• الإدارة ليست حيادية،
• تسيير الشأن العام لا يحكمه القانون وتنقصه الشفافية،ولم تخْلُ الوثيقة من طُعْمٍ خبيث لا أخاله سيستدرج معارضين شابت مَفارقهم فى النضال، وألِفُوا المبيت على الطوى فى انتظار كريم مأكلٍ لن يكون قطعا فى “إجراء تعديلات دستورية لإلغاء تحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية”، ولا فى ” تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها”، ولا فى ” تنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية توافقية جديدة”…
فلو كان من يغازلهم النظام اليوم بتعديل السن القصوى للترشح للرئاسة واثقين من حياد الإدارة ومن شفافية الإقتراع لكانوا ترشحوا فى الإنتخابات الماضية.ولو كان الرئيس منح وزيره الأول السابق هامش مناورة فى الحوار مع المعارضة، لكان الوضع أفضل من ما هو عليه اليوم.
فما الذي تغيَّرَ فى النظام؟ عليه أن يثبت جديته فى النقطة الثانية من وثيقته المقترحة ، وهي بيت القصيد: بناء الثقة بين السلطة والمعارضة.
فعلى هذا الأساس يُقام صرح كل حوار جاد، حتى لا يكون بيتا جديدا من بيوت العناكب والأوهام التي نعيشها مع كل دعوة إلى الحوار.