مرة أخرى، ومناسبة تلو الأخرى؛ يستمر فخامة رئيس الجمهورية في صناعة الأحداث الوطنية الكبرى، وفي فتح أبواب الأمل واسعة في المستقبل أمام مواطنيه عامة، وأمام المهمشين والمظلومين والمغبونين والمستضعفين بصورة خاصة.
وهكذا. لا يكاد الناس يستلهمون قيمة إنجاز، أو يستبشرون بفرحة وعد أو تعهد؛ حتى يفاجئهم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ بالكشف عن إنجاز جديد، والإعلان عن قرارات وطنية جديدة تمس أخص وأهم اهتماماتهم، وتستجيب لآكد مطالبهم وتطلعاتهم وآمالاهم العريضة في مواصلة مسيرة الإنجاز والبناء التي أطلقها فخامته منذ اليوم الأول لتقلده مسؤولياته السامية وتحمل أمانته الكبرى رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية الناهضة بفضل الله، وبالإرادة الصلبة الواعية والحكيمة لقيادتها السياسية الناضجة.
تفتحت الأبواب الجديدة الواسعة هذه المرة في ذكرى التحرر والانعتاق المجيدة؛ ليحتفل الموريتانيون هذا العام بعيد الاستقلال؛ احتفالا تجاوز الشعور برمزية هذا التاريخ وهذا الحدث العظيم، إلى مستوى معانقة الأمل في إعطاء المناسبة حق دلالتها؛ وذلك من خلال جعلها مناسبة تتجاوز مجرد تمجيد بطولات الماضي، إلى مناسبة تستدعي أيضا تثمين إنجازات الحاضر، ورسم ملامح المستقبل اللائق بمن يستحقون الاستقلال ويدركون حقيقة ما يترتب عليه من واجب صيانته، وتطوير وتقوية وبناء الدولة التي تأسست عليه؛ وعلى فلسفته النضالية القائمة على نشدان الحرية والعدالة والمساواة والوحدة الوطنية والرفاه الاجتماعي.
إن هذه القيم العظيمة التي سقط في سبيل تحققها على هذه الأرض شهداء الكفاح المسلح، وأبدع من أجلها قادة النضال الثقافي والفكري، هي ما تأسس عليه خطاب فخامته بمناسبة الذكرى الثانية والستين لاستقلالنا الوطني المبارك إن شاء الله.
أجل، لقد كان هذا الخطاب بمثابة الكتاب الوطني الجامع للقيم التي يريدها مجتمعنا تشبثا بدينه وحضارته وثقافته الغنية، وبوحدته الوطنية؛ جنبا إلى جنب مع أسس نهضته الحديثة القائمة على عطاء كل أجيالنا المتعاقبة، وعلى ما حققناه خلال السنوات الثلاث الفارطة من مكاسب مذهلة على أكثر من صعيد؛ ثم على ما رسمناه لأنفسنا من أهداف وطنية طموحة على المديين القريب والمتوسط.
إننا هنا لا نلقي الكلمات جزافا، ولا نطلق الحديث على العواهن؛ بل نشير إلى حقائق تتحدث عن نفسها ويتحدث عنها الواقع الميداني كل يوم وفي كل مكان.
ولنضرب بعض الأمثلة لما لا يتسع المجال لعده أو حصره:
- فعلى المستوى السياسي استطاع الرئيس بحكمته وحنكته أن يخرج البلاد من عنق زجاجة خانق؛ فحقق البلد هدوءه السياسي، وتم بناء الثقة بين مختلف فرقاء المشهد، وربطت جسور التواصل البناء بين أولئك الفرقاء على أساس وحدة الهم المشترك؛ لأنه هم وطني يعني الجميع ولا يخص طرفا دون آخر.
- البرامج الاجتماعية وما حققته من أمان وطمأنينة؛ بفضل ما وفرته من عون ومساعدة لفئاتنا الهشة، وما أولته من عناية فائقة وجادة بالفقراء والضعفاء والقوى العاملة المختلفة؛ حيث اتسعت دائرة الإعانات الغذائية والنقدية، وتضاعف المستفيدون من التأمينات الصحية والاجتماعية.
- إعادة الاعتبار لهويتنا الثقافية، ولمكانتنا الحضارية، ولإسهاماتنا المعرفية والثقافية ولإشعاعنا العلمي؛ حيث أعيدت للمحظرة قيمتها وهيبتها، وللمساجد دورها وحرمتها (يكفي أن نتذكر مثلا أنه تم مؤخرا اكتتاب 400 إماما و400 مؤذنا على نفقة الدولة).
- العناية الفائقة بالشباب والنساء، وتوسيع دوائر ومؤسسات التكوين الفني والمهني، وتمويل المشاريع المنتجة امتصاصا للبطالة وحفزا للتشغيل، وخلقا لمصادر الدخل؛ ناهيك عن تشجيع المشاركة السياسية للشباب والنساء؛ وتعبيد الطريق أمام كل قادر على المساهمة في بناء الوطن وقيادته وتسيير شؤونه العامة.
- تحسين الوضع الصحي عموما في البلد، وتطوير البنى التحتية للقطاع والرفع من أدائها، وتحسين ظروف الاستقبال بمختلف المراكز الصحية، والتكفل بالحالات المستعجلة، ومجانية خدمات الإسعاف وتعميم التكلفة الجزافية للنساء الحوامل، فضلا عن توفير الأدوية وتشديد الرقابة على استيرادها، وتوسيع دائرة التأمين الصحي ليشمل القطاع غير المصنف.
- العمل الدؤوب والمدروس من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء من خلال استحداث وزارة للتنمية الحيوانية وتطوير واستحداث مؤسسات الإنتاج الحيواني. كل ذلك جنبا إلى جنب مع دعم القطاع الزراعي والاستثمار في تطويره وتحسين أدائه ومضاعفة إنتاجه.
- تأسيس المدرسة الجمهورية وما رافقه من إصلاحات عميقة في قطاع التعليم، ومن استثمارات ضخمة من أجل النهوض بهذا القطاع الحيوي، ومن أجل تطوير بناه التحتية وتحسين ظروف العاملين فيه.
- يحدث كل ذلك؛ في الوقت الذي تتفتح فيه آفاق أخرى واسعة للتنمية والنهوض الشامل بفضل مواصلة الاستثمار في قطاعات الغاز والنفط والمعادن المختلفة، وما سيفتحه ذلك من آفاق رحبة لتنويع وتثمين أنشطتنا الاقتصادية، والاستجابة لتطلع مواطنينا المشروع نحو تحقيق الرفاه الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والاستقرار السياسي.
إن ما حققناه في الواقع الملموس من تماسك وانسجام وطني داخلي فريد، ومن تجسيد لمفهوم دولة المواطنة التي تخدم الجميع وتساوي بين الجميع، والتي لا تتخلف عن مؤازرة المواطنين الأكثر حاجة لذلك ، ماديا ومعنويا؛ فتطلق العنان للمشاريع التنموية ذات المردود الاجتماعي الملموس على الجميع؛ وخصوصا على الفئات الهشة وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وضحايا التمييز والظلم الاجتماعي والسياسي في فترات سابقة، وحفز نتائج تلك المشاريع بالتدخلات المختلفة التي تنفذها أكثر من مؤسسة عمومية؛ وانتهاء بما أعلنه فخامته من زيادات جديدة في الأجور والرواتب والعلاوات...
إن كل هذا وغيره كثير. قد جعل شعبنا الغالي النبيل يستعيد كامل ثقته في نفسه، وفي وطنه ودولته، وفي قيادته السياسية وحكومته؛ بعد سنوات من الإحباط والانطوائية وعدم اليقين بحقيقة واقع بلدنا وبالمستقبل القاتم الذي كان يسير نحوه. خصوصا وأنها إنجازات تحققت كلها في ظرف عالمي دقيق وحرج، ظل يتحول من سيء إلى أسوء، ومن ضائقة دولية إلى أخرى أشد وأقسى (من أزمة كوفيد إلى الحرب في أوكرانيا)، حتى لقد صار مبلغ رجاء كثير من دول العالم حولنا هو أن تحافظ فقط على بقائها، وأن تحصن نفسها من أن تتلاشى أو تتمزق. !!
لكننا بفضل الله تعالى تجاوزنا كل ذلك؛ ليس بالحفاظ على وجودنا فقط؛ بل وأيضا بالاستمرار في مواصلة النمو وصناعة التقدم. وبخطى ثابتة.
والحمد لله رب العامين.
ورغم أن مقالا قصيرا كهذا؛ لن يكون كافيا للوفاء بما يتطلبه تسليط الضوء على المرحلة الحاسمة التي دخلتها بلادنا بفضل الرؤي المستنيرة والطموحة لفخامة الرئيس، وبفعل التجسيد الواقعي للبرامج المحكمة، إلا أن سيل الكتابات المتناغمة التي غصت بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول خطاب الاستقلال وما تضمنه من قرارات وتوجهات وتوجيهات، وما عدده من إنجازات ومكتسبات. إن من شأن كل ذلك أن يعطينا صورة واضحة عن المرحلة التي نعيشها، وعن الإنجازات التي حققناها، وعن المكاسب الأعظم التي تنتظرنا مستقبلا تحت قيادة تعانقت فيها الحكمة، والإرادة، والأمانة، والقوة، والرؤية الواضحة.
أما المستقبل الاستراتيجي، فقد وضعنا أسسه الصلبة، بعد عقود من الإهمال والريبة والتردد غير المقبول؛ فكانت القرارات الصارمة بتحرير وتطوير مؤسسات دولتنا، لتصبح مؤسسات عمومية حقيقة لا تخضع لغير القانون والدستور؛ بعيدا عن سطوة الأفراد والجماعات والنفوذ خارج القانون؛ وبذلك تتأسس دولتنا من جديد: تأسيسا يحمي كل المكاسب السابقة ويعززها، ويتجاوز كل الأخطاء والسليبات والتجاوزات ويسد الأبواب أمامها.
وأما تمام ضمانات ذلك المستقبل المنشود؛ فهو ذلك القرار الاستراتيجي الكبير القاضي بتأسيس المدرسة الجمهورية بصفتها الضامن الوحيد لتخريج جيل جديد متجانس، ومتلاحم، وآخذ بزمام العلم والمعرفة. وحين يبلغ ذلكم الجيل مرحلة المسؤولية؛ فابشروا به قائدا جديدا لدولة مختلفة: عصرية ومتمدنة وملتزمة: أخلاقيا وحضاريا وثقافيا ودينيا.
يبقى فقط أن يسأل كل واحد منا نفسه:
هل أستعجل بلوغ بلدنا هذا الهدف العظيم؟
إن كنت تستعجله؛ فشارك من موقعك في عملية البناء الجارية؛ مساهما بما في وسعك من تضحية وعطاء، وممتنعا عن كل ما من شأنه عرقلة المسيرة أو التشويش عليها.
وكما نعلم جميعا: "حمل اجماعه ريش"، و"أيد وحده ما اتصفق".
والمستقبل لنا؛ بإذن ربنا.
الطالب عبد الرحمن ولد المحجوب
عمدة بلدية تفرغ زينة