الجزيرة/ مقابل ضمور الحضور الفرنسي ووسط تأزم العلاقات مع الأوروبيين، يصول السفير الأميركي في نواكشوط ويجول في مختلف المجالات، ويجري لقاءات مع الحقوقيين وقادة الأحزاب، بينما تبعث واشنطن برسائل دعم قوية لنظام ولد عبد العزيز.
زيارة قائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال دافيد رودريغيز لنواكشوط الأسبوع الماضي وتصريحاته حول الشراكة الطويلة الأمد من أجل تحسين قدرة الجيش الموريتاني، أثارت الكثير من التعليقات في وسائل الإعلام المحلية.
وأعادت الزيارة إلى الواجهة حديثا ظل خافتا عن محاولات موريتانية الاقتراب من الأميركيين، في وقت يتحدث فيه مراقبون عن فتور في علاقاتها مع فرنسا.
وكان لافتا في تصريحات المسؤول العسكري الأميركي تهنئته "الشعب الموريتاني على نجاحه في تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سلمية"، وتأكيده على أن "الولايات المتحدة تتطلع إلى مواصلة العمل مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز وحكومته لتعزيز الأمن الإقليمي.
وتشكل هذه التصريحات دعما معنويا وسياسيا للنظام الذي يعتزم بدء حوار مع معارضة لا تعترف بنتائج تلك الانتخابات.
تصريحات الجنرال رودريغيز سبقتها تحركات واسعة لسفير واشنطن في نواكشوط ومحاولاته رعاية حوار حول مشكلة الرق في موريتانيا بمباركة من الحكومة عبر مشاركة الحزب الحاكم في جلسة برعاية السفير حضرتها أهم المنظمات المدافعة عن الأرقاء السابقين، الأمر الذي شكل سابقة في التعاطي الرسمي مع هذا الملف.
ولد محمد محمود: تربطنا بفرنسا صداقة متينة (الجزيرة نت)
غياب وفتور
التحركات الأميركية هذه والتعاطي الرسمي معها، قابلها غياب ملحوظ للفرنسيين عن المشهد السياسي علنا على الأقل، مما اعتبر فتورا في العلاقات التقليدية بين نواكشوط وباريس.
ويتجلى هذا الفتور في بعض التصريحات والمواقف، آخرها غياب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن مسيرة باريس التي أعقبت أحداث شارلي إيبدو، وانتقاده الصريح لإدانة الأوروبيين لاعتقال الحقوقي بيرام ولد اعبيد.
ويعزو رئيس وحدة الدراسات السياسية في المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإستراتيجية مختار نافع، مستوى العلاقات بين نواكشوط وباريس إلى جملة من العوامل، من بينها تراجع أهمية الدور الأمني لموريتانيا في الساحل الأفريقي بفعل ظهور لاعبين آخرين أقل تحفظا مثل تشاد.
ويضيف ولد نافع في حديث للجزيرة نت أن بروز قضايا حقوقية مثل ملف العبودية والحكم بالإعدام على كاتب المقال المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، جعل الفرنسيين أكثر تحفظا في الاعتماد على النظام الموريتاني الذي لم يستطع تقديم نفسه حليفا إستراتيجيا في المنطقة.
لكن ولد نافع يرى أن العلاقات بين واشنطن ونواكشوط لم تشهد تطورا يذكر، والسعي الموريتاني لتسويق التحركات الأميركية والتفاعل معها "يشكل نوعا من الالتجاء، تقابله رغبة من واشنطن في تنسيق أمني، وربما الحصول على مكاسب فيما يتعلق بقاعدة آفريكوم".
وتنفي الحكومة الموريتانية بشكل قاطع أي فتور في علاقاتها بفرنسا، وترى أن تطوير التعاون مع واشنطن ليس على حساب العلاقة مع باريس.
ولد حامد: التحركات الأميركية في نواكشوط حملة علاقات عامة (الجزيرة نت)
صداقة متينة
وفي تصريح للجزيرة نت، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة إزيد بيه ولد محمد محمود إن "العلاقات مع فرنسا حميمة وصداقتنا متينة، وهذا ما يتم التعبير عنه في كل المناسبات واللقاءات، ولا علم لي بأن موريتانيا أبدلت ودها لفرنسا".
ويعتبر الصحفي الموريتاني المتابع لملف العلاقات الموريتانية الفرنسية والمدير الناشر لصحيفة "بلادي" موسى ولد حامد، أن "علاقات البلدين -وإن تراجعت ظاهريا- تبقى قوية في الواقع، وما يزال الرئيس محمد ولد عبد العزيز يحظى بدعم باريس".
وقال ولد حامد للجزيرة نت "لا يوجد تنافس بين باريس وواشنطن في موريتانيا، وما نشهده من تحركات أميركية لا يعني وجود تطور كبير في علاقات الجانبين".
ويضيف أن هذه التحركات أقرب إلى حملة علاقات عامة، ربما ترغب الحكومة الموريتانية في استغلالها لتعزيز موقعها التفاوضي مع الأوروبيين حول الصيد.
ويرتبط تطور العلاقات مع واشنطن في أذهان الكثير من الموريتانيين بالعلاقات مع إسرائيل، مما يجعلهم يخشون عودتها من جديد.
لكن مختار نافع يؤكد أن العلاقات الموريتانية الإسرائيلية ليست أولوية الآن لواشنطن.
ويشير إلى أن الوضع اليوم يختلف عما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي، حين لجأ الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع للعلاقات مع إسرائيل لضمان الحماية الأميركية لنظامه، بينما تل أبيب اليوم "ليست بحاجة إلى إضافة بلد لقائمة الدول العربية التي تقيم علاقات معها، والأولوية الأميركية في علاقاتها بنواكشوط ربما هي قاعدة آفريكوم".
المصدر : الجزيرة