العربي الجديد/ لا يجد المتقاعدون في موريتانيا ضرورة لتقاعدهم من أجل الراحة بعد سنوات عملهم، بل يتجهون إلى مهن جديدة، أو يستثمرون خبرتهم العملية في الاستمرار في الميدان نفسه، فيما يستغل أصحاب الدخل المنخفض أوقات فراغهم وخبرتهم في زيادة مداخيلهم.
ويختار المتقاعدون مهناً مختلفة، منها التعليمية والمالية والصحية والقضائية، فيما يختار آخرون إطلاق مشاريع بسيطة كدكاكين البقالة، واقتناء سيارات الأجرة.
من جهته، يقول المتقاعد عبد الرحمن ولد العريبي (64 عاماً) إنّه اختار الاستمرار في مهنة التدريس بعد حصوله على التقاعد من العمل كأستاذ ثانوي. فخصص جزءاً من منزله لتقديم دروس دعم وتقوية طلاب الثانوية العامة. ويضيف: "يظن البعض أنّ المتقاعد ليس بإمكانه العطاء والعمل بجد، وهذا خطأ كبير لأنّ الإرادة هي المعيار في هذا الموضوع... فالمتقاعد مدفوع بالرغبة أكثر، على عكس ما قد يكون عليه الأمر في سنوات العمل الرسمي، حين يكون الواجب وسلطة العمل المتحكمين بعمل الموظف". كما يؤكد أنّ التقدم في السن لم يمنعه من الإجادة في عمله والمحافظة على إيقاع حياة نشيط يفيد طلابه.
وتفتح مهن التقاعد أبواب الأمل أمام الكثير من المتقاعدين الذين يعانون من انخفاض الراتب وتثقل كاهلهم أعباء أسرهم الصغيرة.
ومن بين هؤلاء، محمد ولد الهاشمي، (56 عاماً)، الذي اختار العمل كسائق أجرة بعد أن حصل على تقاعد مبكر. فاقتنى سيارة صغيرة من مكافأة الراتب، واستخدمها كسيارة أجرة لتحسين دخله المتواضع. يقول: "راتب التقاعد لا يكفي في ظل هذا الغلاء، لذلك نصحني أحد أصدقائي بمشروع سيارة الأجرة لأنه سيدرّ دخلاً معقولاً... فكانت النتيجة جيدة بالفعل". ورغم أنّ العمل كسائق بعيد عن ميدان عمله الأول كمساعد في العلاج الفيزيائي، إلاّ أنّ ولد الهاشمي استطاع التأقلم في ميدانه الجديد، وملأ وقت فراغه ووسع دائرة معارفه.
من جهته، اختار عبد الله ولد أحيمد، (67 عاماً)، ميدان التجارة بعد سنوات أمضاها في العمل كموظف في البلدية. وهو أيضاً ممن اضطرتهم الصعوبات المادية الى البحث عن مورد رزق آخر. فقد فتح محل بقالة قبل عامين، قرب الحي الذي يسكن فيه. وهو محل يؤمّن له عائداً مادياً مريحاً يفي بمتطلبات أسرته.
يقول ولد أحيمد عن تجربته: "أحاول أن أجعلها بداية لحياة جديدة أستمتع فيها بكل ما حرمتني منه الظروف وضغوط العمل. فأنا في هذا العمل حر ولست مرتبطاً بوقت أو التزام محدد". ويضيف: "المتقاعد بعد سن الستين أو السبعين يبقى قادرا على الإنتاج، والمهم أن يجد العمل الذي يناسبه والتشجيع من قبل المجتمع".
كما يشير ولد أحيمد إلى أنّ عدداً من أصدقائه المتقاعدين يرغبون في العمل، لكنهم لا يجدون ما يناسبهم، أو يواجهون عوائق بسبب نظرة المجتمع لعمل المتقدم في السن. ويضيف: "هناك متقاعدون من ذوي الكفاءات يمكن أن يستفيد المجتمع من خبرتهم في ميدان تخصصهم، لكنهم لم يجدوا التشجيع رغم الخبرة التي يملكونها، فاتجهوا إلى ميدان التجارة. ومنهم من استعاد مهنة أحلامه بافتتاح مكتبة أو شراء مزرعة، بعدما أجبرته الظروف على دخول ميدان آخر".
ويرى الباحث الاجتماعي، محمد فاضل ولد الشيخ، أنّ أغلب المتقاعدين العائدين للعمل يجتهدون لاستعادة مهنة الأحلام القديمة في هذا العمر المتقدم، لأنّ الظروف التي أجبرتهم على اتخاذ مسار آخر تغيرت.
ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الأبحاث تؤكد أنّ العمل بعد التقاعد يحسن صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ويقي من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، ويعتبر أفضل علاج للوحدة والفراغ. ويتابع: "المجتمع أيضاً بحاجة لخبرة المتقاعدين من ذوي الكفاءة والخبرة الذين يمكن الاستعانة بهم في مجالات عدة. فالإحالة إلى التقاعد لا تعني أنّ الإنسان لم يعد باستطاعته العمل والعطاء، بل أنّ التقاعد يساعد على التركيز وشحذ الهمة، وخصوصاً في المراكز التي تحتاج إلى خبرة وكفاءة".
ويتابع أنّ العمل بعد سن التقاعد لا يتطلب مواصفات خاصة، لكن يشترط البعد عن الأعمال المرهقة التي تحتاج إلى الجهد العضلي وتحمل الضغوط. فيمكن لهم العمل كمستشارين أو كتّاب أو مدرسين أو في مشاريع تجارية بسيطة.
ويدعو الباحث إلى توعية المجتمع بأهمية عمل المتقاعد للاستفادة منه قدر المستطاع، ومنح المتقاعدين من ذوي الدخل المنخفض فرصة للاستفادة من دخل إضافي يساعدهم على تحمل أعباء الحياة. ويؤكد أنّ من السلبية إهمال المتقاعد واعتبار دوره في الحياة منتهياً.
نواكشوط ــ خديجة الطيب