لهذا يكون الحوار

اثنين, 2015-02-09 17:55
اسغير ولد العتيق

قد يكون من الأفضل للنخبة السياسية الوطنية أن تمتلك الشجاعة والقدرة لمراجعة الذات، في ظروف كهذه... متغيرات دولية ،إقليمية ومحلية يجتازها العالم مثلنا بهدوء حذر عند منعرج زمني يفرض التأني والتأمل لقراءة وتحليل إفرازات اكراهاته وتسارع أحداثه وتتاليها ثم تتابعها وترابطها فتشابهها من غير تشاور و لا تنسيق في كل الأقطار العربية، الإفريقية، الأوربية والآسيوية وحتى الأمريكية. إنها معطيات وأحداث حقيقة فرضت نفسها على الواقع انطلاقا من مسألتين اثنتين (الظلم وثورة الاتصال) تمثلت الأولى في دكتاتورية وظلم وقمع رؤساء وملوك وسلاطين الدول لشعوبهم وتهميشهم للمثقفين والمفكرين وقادة الرأي وإبعاد تيار الإصلاح وتجريده من كل المهام الحيوية في الدولة ،تغييب رأي الطبقة الكادحة ومصادرة صوتها من كل وسيلة إعلام رسمية ... 

هذا التصرف أعطى الفرصة للمثقف والمفكر والسياسي المهمش لاستغلال فراغه في تثقيف وتنوير العامية وإقناعهم بمشروعه الإصلاحي الذي يحمل رزمة من التعهدات بالإصلاحات الهيكلية : الديمقراطية ،الحرية ،المساواة ،التوزيع العادل للثروة ،محاربة الفساد والمحسوبية ،التناوب السلمي ،العناية بالطبقات الفقيرة ...  لقد وجد الساسة والمفكرون الوقت الكافي لتوضيح إخفاقات الأنظمة الأحادية ،و الفرصة السانحة لإقناع الجماهير بمشروع إصلاحي يلبي طموح وتطلع الغالبية العظمى منهم (الطبقة المسحوقة) التي عبرت عن استجابتها بتلبية نداء الثورات التي أطاحت بالأحكام الديكتاتورية وهزت رياحها جذوع أخرى مازالت تقاوم عواصف الانتفاضات الشعبية هنا وهناك وقد ساعدت الثورة الإعلامية العابرة للحدود في تبادل التجارب والخبرات وتوصيل المعلومات ومتابعتها. 

إن الوضعية التي يعيش العالم اليوم بل – وإن جاز التعبير – عاش العالم قبل الثورة التونسية ،هي نفس المظاهر العرضية التي عاشت أوربا قبل ظهور فلاسفة التنوير في فرنسا بقليل قبل ثورتها التي غيرت معالم الحكم في أوربا والعالم وكانت من أسباب نهضتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. . إن بلدي الغالي – موريتانيا – في حاجة لحوار جاد وشامل لكل صغيرة وكبيرة ،يسدل الستار على عقد التجاذبات 2005 – 2015 ويفسح المجال للانشغال بما هو أهم من الانتخابات ...

التوجه نحو تنمية شاملة مبنية على قاعدة وحدة وطنية ولحمة اجتماعية قوية وثابتة ، وموريتانيا ليست إلا جزء من هذا العالم المتغير تتأثر حتما بما يجري فيه ،شعبها يعاني مما تعاني منه الشعوب الأخرى التهميش ،الإقصاء ،سوء التسيير، الفساد، ويتطلع مثلهم للديمقراطية والحرية وإنهاء ممارسة العبودية والعدالة في توزيع خيرات البلد على قدم المساواة بين أفراد المجتمع ، إن هذه الحقوق أساسية وحتمية وضرورية لحياة الدولة والمجتمع من جهة ومن جهة أخرى تعتبر هي البيئة الصالحة لتعايش مختلف مكونات شعبنا في وحدة وانسجام وديمومة مجتمعية تعتمد على أسلوب الحوار لترسيخ الممارسة الديمقراطية . 

الحوار الهادئ هو الأسلوب الراقي، الحضاري، للتعبير الديمقراطي المعاصر، ومن يرفضه يرفض الآخر، بل يرفض نفسه، ويتستر على عيوبها، لأنه يتهرب من واقعه وإنسانيته، فكل شيء قابل للتطوير، والتعديل، والإلغاء، والقبول، والرفض..إلا القرآن والسنة الطاهرة الصحيحة...

فالحوار يلزم من أجل حل معضلة ما تشحن النفوس بالكراهية (الظلم مثلا)الذي لا يمكن ضبط حسابات نتائجه، و لا تقدير ردود أفعالها، ولا التحكم في مدها الأفقي و لا اتجاهاتها، إنها تتجاوز حد المعقول..لأن المظلوم قد يتصرف في فترة الانتظار بطريقة يصعب توقعها"حادثة السجن المدني " انتفاضة بوركينافاسو وقبلها حادثة سيدي بو زيد- تونس- التي فجرت العالم. إن القوة لا تصنع حقاً ...لكن الحق يصنع القوة ... أحياناً إنسان مصلح يغير مجرى التاريخ... يرتبط اسمه بالفضائل... يفرض لأمته وجودا في الساحة ...يصنع لها مجدا وتاريخا ...ويفرض لها مكانة احترام بين الأمم والشعوب...

يصلح ما أفسده الآخرون قدماء كانوا أو متأخرين ...إن الذين نكَّن لهم عظيم الاحترام ليسوا أولئك الذين يملكون حسب ووجاهة الأموال الطائلة... وإنما نكن عظيم الاحترام لأولئك الذين يملكون الشجاعة لنقد الذات ونكرانها ... أولئك الذين انتصروا على التحديات النفسية... أولئك الذين يملكون فضيلة التضحية في سبيل الوطن ،والتمسك بالمبدإ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة والفردية؛ ليعكس تسامي الشخص و قدرته على الالتزام والتضحية ،من أجل صناعة الإنسان الكامل، وبناء الأسرة المتماسكة، وإقامة المجتمع الفاضل. 

 إن القانون المجرم للعبودية وإنشاء وكالة وإن كانت متعددة الوظائف الملحقة، والمحاكم الخاصة لمكافحة الظاهرة ،توحيد خطب الجمعة في هذا الشأن والندوات هنا وهناك ،لهي خطوات تبرهن على وجودها وممارستها ومن ناحية أخرى تعد خطوات مهمة ومفيدة وفي الاتجاه الصحيح لو أنها - وعلى الأصح بعضها - أخذت بالتشاور مع المعنيين الذين ناهضوها منذ عقود، وستظل هذه الجهود ناقصة وغير مكتملة ولا مستوفية للشروط والإجراءات التي بإمكانها إعطاء نتائج إيجابية ملموسة لتحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله مادام عنصر التشاور غائيا.. إن أسباب التصدعات والصراعات والنزاعات المسلحة وغير المسلحة،متعددة منها على سبيل المثال - لا الحصر- الحقوق المدنية والسياسية ثم ضرورة التوزيع العادل للثروة الاقتصادية مكمن الغبن والاستحواذ الذين هما مقدمة أسباب الكراهية والصراع والتصدع الاجتماعي . 

 و لا يقتصر تأثير الصراعات والحروب الداخلية على ما تخلفه مباشرة من الخراب ،الدمار ، القتل، التدمير، القصف، المداهمة، القبض، الاعتقال، التعذيب، وأنهار الدماء الجارية...) بل يتعدى ذلك بكثير من الآثار غير المباشرة؛ انهيارا لهياكل الاقتصادية والإدارية للدولة، هروب رؤوس الأموال لارتفاع درجة الخطر، تدهور الحالة الصحية للأفراد، انتشار الأوبئة والأمراض، بالإضافة إلى تدني مستويات المعيشة، وانتشار موجات الهجرة الإجبارية من مناطق الصراع. سوريا ،ليبيا ،الصومال، مالي واليمن ...

والنقطة الأكثر خطورة هنا هي أن الآثار غير المباشرة للصراعات والحروب الأهلية كانت في معظم الحالات ، أشد وطأة من آثارها المباشرة؛ فغالباً ما يتخطى عدد الأفراد الذين يتعرضون للموت والهلاك نتيجة الجوع والمرض على المدى الطويل عدد القتلى في أرض المعركة، إنها نتائج غياب ( الحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية ) التي قتلت الحس والشعور بالمسؤولية العمومية (الهم العام) والأهداف الكبرى لأصحاب الرأي وامتصت حماسهم بالانتكاسات التي كانت سببا للأزمات النفسية وانحدار الأخلاق. 

 ومن الأبعاد الاقتصادية الهامة لحالات العنف والصراع قضية التوزيع في بلد متعدد القوميات مختلف الشرائح والمكونات تماما مثل بلدنا المتنوع الثقافية والأعراق الشيء الذي يقوي ويعزز هوية الجماعة، التي تشعر بالتمييز الاقتصادي والسياسي وعدم العدالة في توزيع الموارد بين المواطنين يعتبر عاملا رئيسيا لتعبئة وشحذ هوية الشريحة أو الطبقة في الدولة ومن ثم تجمعها في كائن سياسي واحد ، لأن كل مجموعة أثنية تحاول السيطرة على الأخريات والطريق لذلك هو التحكم في الموارد والمصادر الاقتصادية والأمر مرهون بالتربع على كرسي السلطة.