نشرت بعض المواقع الإخبارية "خبرا عاديا" مفاده أن طفلة صغيرة في عامها الثامن تم اغتصابها وقتلها في حي الترحيل (القطاع 18).
فحسب ما نشرته بعض المواقع، فإن الطفلة "رقية بنت يعقوب"،
والتي لم تتجاوز عامها الثامن، قد وجدت معلقة بملحفتها في مطبخ منزل أهلها بحي الترحيل، وذلك بعد أن كانت قد تعرضت لاغتصاب متوحش حسب ما أكدته تحليلات الطب الشرعي.
اللافت للانتباه، وحسب ما جاء في "موقع الحرية"، هو أن الطفلة قد وجدت معلقة في المطبخ رغم أن البيت المجاور للمطبخ كان فيه بعض أقارب الضحية يتابعون مسلسلا تلفزيونيا، وفي حين أن المنزل كان قريبا من مفوضية الرياض رقم 3.
هذا الخبر المفجع والصادم قد يبدو مجرد خبر عادي في عاصمة تشهد انفلاتا أمنيا غير مسبوق، فأن تغتصب طفلة صغيرة، وأن تعذب وتقتل بعد الاغتصاب، فذلك لم يعد خبرا يستحق أن ينشر، بل إن الخبر الذي يستحق أن ينشر هو أن يمر أسبوع كامل على العاصمة نواكشوط، ودون أن تحدث في إحدى ولاياتها الثلاث، أي عملية اغتصاب وقتل لطفلة صغيرة.
فمنذ ما يزيد على أربعين يوما اغتصبت الطفلة "زينب" (9 سنوات) وأحرقت في وضح النهار، وفي حي شعبي، وهي في طريقها من منزل أهلها إلى المحظرة التي تدرس فيها، ومن قبل ذلك اغتصبت وقتلت الطفلة "خدي" (6 سنوات). ومن قبل ذلك ومن بعده اغتصبت وقتلت فتيات صغيرات كثيرات بخلنا عليهن حتى بتدوين أسمائهن وبحفظها، كما فعلنا مع "زينب" و"خدي" و "بندا".
لاشك أن السلطات القائمة هي من يتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الانفلات الأمني الخطير الذي تشهده العاصمة، ولكن لا شك أيضا بأن المجتمع الموريتاني بكامله يتحمل أيضا جزءا كبيرا من هذه المسؤولية.
فمنذ أيام مرت بنا أربعينية "زينب"، دون أن يذكرها ذاكر، حتى نشطاء "الفيسبوك" الذين يتحدثون عن كل شيء لم يتذكروا "زينب" في أربعينيتها. هكذا نحن دائما: إما أن نتجاهل مثل هذه الجرائم البشعة عند حدوثها، وإما أن ننساها في وقت مبكر إذا لم نكن قد تجاهلناها بشكل كامل عند حدوثها.
وغدا ربما تطالعنا المواقع الإخبارية بخبر عن إلقاء القبض على قتلة الطفلة "رقية"، وربما لا يحدث مثل ذلك فتسجل الجريمة ضد مجهول، ولكن وفي كل الأحوال فإن هناك مشاركين في جريمة اغتصاب وقتل الطفلة "رقية" لن يتحدث عنهم أي أحد.
إن كل الذين تعاملوا بعدم اكتراث مع اغتصاب وقتل الطفلة "زينب" هم من المشاركين بشكل أو بآخر في جريمة اغتصاب وقتل الطفلة "رقية".
وإن كل الذين تعاملوا بعدم اكتراث مع اغتصاب وقتل الطفلة "خدي" هم أيضا من المشاركين بشكل أو بآخر في جريمة اغتصاب وقتل الطفلة "زينب"، وهكذا يمكن أن نتحدث، وبشكل رجعي، عن كل جرائم القتل والاغتصاب التي حدثت من قبل ذلك.
لقد نشرتُ منذ أربعين يوما، وتحديدا في في يوم السبت 3 يناير 2014 مقالا تحت عنوان " هؤلاء شاركوا أيضا في قتل الطفلة "زينب" !!
وهذه فقرة من المقال أعيد نشرها كما كُتبت منذ أربعين يوما، وأدعوكم لقراءتها من جديد.
" لا شك بأن المجتمع الموريتاني قد شارك هو الآخر، وبشكل غير مباشر في جريمة عرفات وفيما سبقها من جرائم اغتصاب.
إن ردود الأفعال الخجولة للمجتمع الموريتاني، والتي تصل في بعض الأحيان إلى عدم الاكتراث بهذه الجرائم البشعة هي التي شجعت المجرمين على ارتكاب المزيد من الجرائم، وهي التي شجعت أيضا السلطة القائمة على التساهل في معاقبة المجرمين، فلو أن الشعب الموريتاني خرج عن بكرة أبيه في احتجاجات قوية بعد جريمة اغتصاب "بندا"، أو بعد جريمة اغتصاب "خدي توري" لما تكررت مثل هذه الجرائم. لقد شاركتُ في العديد من الوقفات التي أعقبت جريمة عرفات، ولقد صدمتُ من قلة الأعداد التي شاركت في تلك الوقفات. أيعقل أن تغتصب وأن تحرق وأن تقتل طفلة لم تكمل عقدها الأول في حي شعبي، وفي وضح النهار، وهي في طريقها من منزل أهلها إلى المحظرة ومع ذلك فلا يخرج من المحتجين إلا العشرات من الناس؟
أيعقل أن يصل عدم الاكتراث إلى هذا الحد؟
إن ما على كل أسرة موريتانية أن تعرفه هو أن ما تعرضت له الطفلة "زينب" يمكن أن تتعرض له أي طفلة صغيرة أخرى تسكن في العاصمة، وتخرج في كل يوم من بيت أهلها إلى المدرسة، فلماذا لم تستشعر الأمهات في العاصمة بحجم المخاطر التي تهدد بناتهن؟ ولماذا لم نسمع عن مسيرة أو وقفة واحدة للأمهات للتنديد بجريمة عرفات؟
فيا أيها الآباء، ويا أيتها الأمهات: واصلوا عدم اكتراثكم، ولكن عليكم أن تعلموا جميعا بأن بيوتكم ليست مؤمنة ضد هذا النوع البشع من الجرائم".
حفظ الله موريتانيا..