إن لم تكن لي بصمة في مجتمعي فأنا زائد عليه / الولي ولد سيدي هيبه

جمعة, 2015-02-13 14:38

لا شك أن "نخب" هذه البلاد السياسة والفكرية و العلمية تتقاسم جميعها مسؤولية تأخرها المزمن علي كافة الأصعدة و منها بشدة، و في غياب لافت و معيق للتخطيط، مجال الصناعة حيث لا قاعدة مطلقا لصناعية تحويلية على مستوى القاعدة كما الشأن الشائع بين كل الدول السائرة في طريق

 النمو و هو أقل شيء تحقق فيها؛ الأمر الذي ضمن لشعبها اكتفاء محليا من المنتجات الصناعية الأولية الضرورية ، ووفر بشكل محمود لمخزوناتها رصيدا معتبرا من العملة الصعبة يجيرها تداعيات الأزمات الاقتصادية الحادة التي تعصف من حين لآخر.

و قد طال كذلك تأخر البلاد - الفريد من نوعه و حدته في شبه منطقتها بشقيها المغاربي و الغرب إفريقي - مجالات التعليم العالي فغابت الجامعات-الصروح التي تعادل شهاداتها أو تطابق شهادات الجامعات العالمية و المعاهد العلمية الفنية و البحثية القادرة على تزويد حركة لتحول بالفاعلين و المخططين الأكفاء.

و لم يسلم حقل التكوين من الإهمال حيث تظل العمالة الماهرة وجها بارزا من سياسة الاستيراد العامة التي تشمل كل الاختصاصات في كل الميادين و تستنزف كل أموال البلد الحاصلة من فتات خيراته بحرا و برا؛ خيرات وفيرة تستغلها تنهبها منذ استقلال البلاد و تنهبها بلا رحمة الشركات العالمية لصالح تنمية بلدانها و رفاهية شعوبها.

و فيما الوضع ثابت على هذه الصورة البائسة تظل النخبة السياسية الحاكمة و المعارضة المتربصة منشغلة بكل ما أوتيت من مستويات معرفية و من خطابة و تكتيك سياسي منشغلة بالصراعات البينية المجردة من البعد الوطني على السلطة هدفا و الرفاهية مقصدا، لا نظرة ثاقبة إلى الواقع المتردي و سعيا عمليا إلى تغييره إلى الأحسن والله يعلم كم إنهم في ذلك لضالون عن سواء السبيل. و بالطبع فإن نتيجة ذلك تتجلى في اضطراب الأحوال و تعدد الجبهات المطلبية من :

·        حقوقية في دائرة نضال عديد الشىرائح التي تناضل من أجل استعادة الكرامة المهدورة و الحقوق الأساسية المغتصبة،

·        وعمالية في ظل أوضاع يطبعها غياب الرؤية الاقتصادية المبنية على التخطيط و الأسس العلمية و العملية المستندة على إرادة وطنية خالصة تتجه إلى استغلال خيرات البلد و مقدراته المتنوعة و الوفيرة في ظل حمايتها مطلقا من النهب الحاصل في دائرة الفساد المنتشر و من تداعيات غياب الوازع الوطني،

·        و طلابية صارخة تشكو رداءة التعليم و تدني مستويات القائمين عليه و ضعف المنهاج و عدم ملاءمة الوسائل التربوية و العلمية مع متطلبات التنمية الغائبة،

بالطبع فإنه ما لم تعمل ثورة العقول المتنورة على الطلاق النهائي من المفاهيم الرجعية  المعشعشة في العقلية العامة للمجتمع بقوة ما تزال عصية على التغيير، لن تتبدل الأحوال و ستظل بما تشهده من تراكمات تجر البلاد في غفلة أهلها إلى أفق مسدود و منزلقات من الخطأ أن نظل في اعتقادنا المرضي القديم بأنها لا تصيب إلا غيرنا. و إنه في ظل التحدي الكبير الذي يشكله ظهور نخبة تنسف الفاسدين و تؤسس لمنطلق جديد باتجاه دولة القانون لا بد أن يكون شعار تلك المرحلة "إن لم تكن لي بصمة في مجتمعي فأنا زائد عليه".

و في انتظار تحول إيجابي يأتي به الله عاجلا و يعد النفوس الأبية لحمل مشعله، يبقى الأهدى و الأمر من كل هذا إصرار لغة التخاطب اليومية بين شرائح كل المتعلمين و المثقفين و السياسيين على أن تظل حبلى بالكلمات و المصطلحات و العبارات التي تعري غياب الوعي الصحيح لديها و انتمائها بذلك لضلال العقليات المتخلفة و حيفها و بعدها عن مفهوم وطن الجميع. أو لم يقل قديما إنه من خلال مستوى اللغة الذي هو أبلغ مؤشر يتم إدراك مدى تحضر أمة و رقيها و سمو أفعالها؟

في مطلع القرن العشرين قال الفيلسوف الأمريكي "هالي" إن الشعبين الأمريكي و البريطاني "شعبان قسمتهما لغة" إشارة يومها إلى سمو و تحضر أحدهما و تحرر الآخر من كل القيم.