موريتانيا: الكتب المدرسية! تختفي من المدارس لتظهر في السوق السوداء

ثلاثاء, 2015-02-17 14:34

بعد أن قام بتأليف أكثر من 20 كتاباً مدرسياً، يمضي المبارك ولد الخال ساعات بحثاً عن كتب مدرسية لحفيده في سوق لبيع الكتب في العاصمة الموريتانية ، قد تبدو مهمة ولد الخال بسيطة، لكن في بلد يعاني من نقص حاد في الكتب المدرسية تبدو مهمته في تأمين الكتب المدرسية التي ألف معظمها صعبة ومملة.

 

تشهد موريتانيا، منذ العام الماضي، أزمة حادة في الكتب المدرسية لأسباب غير واضحة تماماً. بحيث باتت الكتب المدرسية تًباع في السوق السوداء وبأسعار باهظة.

 

قال ولد الخال، والذي شغل منصب رئيس مصلحة التعليم الأساسي بوزارة التهذيب الموريتانية، “لا أصدق الأسعار التي يتم بيع الكتب المدرسية بها وكذلك موجة المضاربات التي تجتاح السوق السوداء هذه الأيام.”

 

تحولت قضية ندرة الكتب المدرسية إلى موضوع ساخن للنقاش المستمر في البلد، الذي يناضل سكانه لتعليم أطفالهم. إذ لم تتمكن مريم منت أحميدة، أم لأطفال في المدرسة الابتدائية، من العثور على كتاب “الشامل” للغة العربية في السوق السوداء الوجهة الوحيدة للكتب المدرسية المهربة في موريتانيا، على حد قولها.

 

وفي حال توفرت الكتب، فإن ثمنها غالباً ما يكون باهظاً. إذ يبلغ سعر الكتاب الواحد نحو 3.000 أوقية موريتانية، أي ما يعادل 10.32 دولار أميركي وهو سعر أعلى بكثير من سعر الكتاب الأصلي الذي لايتجاوز عادة 100 أوقية موريتانية (0.34 دولار أميركي) في أكشاك بيع الكتب النظامية، التي تم إغلاقها قبل 15 عاماً استناداً إلى توصيات البنك الدولي بهدف إصلاح التعليم ومنع بيع الكتب المزورة.

 

يعتبر الدده ولد السالم، 30عاماً، نفسه محظوظاً لكونه حصل على 6 كتب مدرسية لابنته مقابل 20000 أوقية. قال “لم أرد المخاطرة بمستقبل ابنتي حيث استسلمت أخيراً لمضاربات التجار ودفعت الثمن الذي طلبوه. فأنا لست مستعداً لأن تصبح ابنتي ضحية لعدم مبالاة السلطات الرسمية حيال الأزمة الحالية التي تمر بها المدرسة الموريتانية.”

 

وبوصفه خبيراً في المجال التربوي، يعتقد المبارك أن أزمة اختفاء الكتب المدرسية والمضاربة بأسعارها بالسوق السوداء يقف ورائها شبكات سرقة وتهريب وهي ليست إلا جزءا من عملية فساد كبيرة يعرفها قطاع التعليم في موريتانيا. كما يبدي المبارك قلقاً إزاء تكلفة الكتب الباهظة على الكثير من الأسر الفقيرة في البلاد.

 

لا تقتصر أزمة الكتاب المدرسي على التلاميذ فحسب، بل يواجه عدد من المعلمين والأساتذة وضعاً مماثلاً. إذ يتعذر على أحمد سالم، أستاذ اللغة العربية، الحصول على كتاب “دليل المعلم”، وهو مايجعله يفهم الظروف التي يواجهها الطلاب في سبيل اقتناء الكتب المدرسية.

 

لكن البعض الآخر يبدو أقل تسامحاً.

 

قالت عزة منت أباه، من مدرسة الشيخ عبدوك بدار النعيم أحد الأحياء في العاصمة نواكشوط، إن بعض زميلاتها تم طردهن من القسم لعدم وجود كتب دراسية بحوزتهن.

 

كما أبدى السالك ولد، سائق سيارة أجرة، استيائه الشديد من أحد المعلمين الذي رفض استقبال أبناءه في المدرسة البيت بحجة عدم وجود كتب مدرسية معهم.

 

بدورهم، يؤكد المسؤولون أنهم يعملون لحل المشكلة.

 

يعترف مدير المعهد التربوي الموريتاني سيدي محمد ولد كابر، منظمة حكومية مسؤولة عن طباعة وتوزيع الكتب المدرسية، بالأزمة الحادة التي يواجهها قطاع التعليم بسبب عدم توفر الكتاب المدرسي. ويؤكد حرصه على إيجاد قانون لتجريم تهريب الكتب المدرسية والمضاربة بأسعارها، إلا أنه يشدد على حاجته لبعض الوقت لمعرفة أسباب المشكلة ووضع حد للسياسات السابقة الفاسدة.

 

وقال ولد كابر إن تزويد الأطفال بالكتب المدرسية في أسرع وقت على رأس أولوياته. كما أنه يدرس أيضا إعادة فتح أكشاك بيع الكتب المدرسية.

 

مؤخراً، بدأ المعهد التربوي الموريتاني تحقيقات حول أسباب نقص الكتب المدرسية والبيع غير المشروع.

 

وكان مسؤولون قد أعلنوا في وقت سابق عن محاولات لاعتقال شبكة من مهربي الكتب المدرسية بعد سرقة ثلاثة آلاف كتاب من المدرسة الثانوية في العاصمة الموريتانية. كما وقعت حادثة سطو مماثلة في مدرسة ابتدائية في نفس المنطقة.

 

في ظل هذه الظروف الصعبة، عثر الطالب أحمد ولد محمد، من مدرسة عمر تال وسط العاصمة نواكشوط، مع زملائه في الصف على حل مؤقت لمشكلتهم يتمثل في التصوير اليومي لصفحات الكتب التي يستخدمها الأساتذة.

 

قال أحمد “أعرف عدداً من التلاميذ تم طردهم من مدارس أخرى لأنهم لا يملكون كتب مدرسية. لكننا في مدرسة خاصة وهم يسمحون لنا بتصوير صفحات الدرس كل يوم.”