قال أرسطو قديما: "من النادر أن يغضب الأنسان من الشخص المناسب، بالقدر المناسب، في الوقت المناسب، للسبب المناسب و بالطريقة المناسبة".
قول أرسطو عن الغضب يمكن تطبيقه على عواطف أخرى كالفرح و الحزن و الخوف. و إذا اردنا ان نترجم بلغة عصرية ما قاله ارسطو يمكننا القول بأن الإتكال على"الذكاء العقلي" وحده لا يكفي إن لم يرتبط بالعلم الذي يسمى : "الذكاء عاطفي".
و قد أكد دانيال غولمان الذي أدخل مصطلح الذكاء العاطفي للمرة الأولى، و فسر من خلاله نجاح الشركات. من خلال تمتع قادتها بالذكاء العاطفي المطلوب.
إذ تفيد الدراسات أن تمتع الشخص بالذكاء العاطفي مسؤول عن 80% من نجاحه في جميع مجالات الحياة، أما ال 20% الأخيرة ترجع لذكاء الشخص العقلي IQ.
والخبر الجيد هنا، أنه بعكس الذكاء العقلي الذي تصعب زيادة درجته، فإن الذكاء العاطفي أمر يمكن زيادة نسبته بالتعلم و التمرين.
ما هو الذكاء العاطفي، ومتى يتمتع الشخص به؟.
أولا : الذكاء العاطفي المتعلق بفهم الشخص لنفسه:
1- القدرة على فهم مشاعرك و ملاحقة تغيرهابحسب تغير المعطيات حولك.
إسأل نفسك، بماذا تشعر الآن ؟ وذلك يكون على مستويين (شعور وجداني و شعور جسدي). فقد تشعر مثلا بالملل من الناحية الوجدانية، و الكثير من الطاقة من الناحية الجسدية.
2-القدرة على تسمية و توصيف الشعور التي تشعر به بحالة معينة.
التسمية : "إمتنان، سعادة، حماس، ملل، خوف، غضب، حزن، تعاطف، غيرة، حسد، شفقة...الخ"
3- فهم سبب هذا الشعور. "مثلا : إذا شعرت بالغيرة من شخص ما، فيجب علي فهم السبب الذي جعلك تشعر بذلك".
4- القدرة على التحكم بهذه المشاعر. والتعبير عنها بالوقت المناسب و الطريقة المناسبة. و إستخدامها بالشكل الأفضل سواء لتحفيزنا لعمل أمر ما، أو لإبعادنا عن أمر ما.
وهذا الأمر لا يتحقق إلا بفهم تام لمشاعرك و طاقتك، وعندما تفسر المشاعر و تتقبلها. فإنك تستطيع تحسينها من خلال التحكم بأفكارك. أو التعبير عنها بالطريقة الصحيحة و للشخص الصحيح.
هذا بالنسبة للجزء المتعلق بالشخص نفسه، أما بالنسبة للجزء الآخر من الذكاء العاطفي فهو متعلق بالآخر و فهمك له.
ثانيا: الذكاء العاطفي المتعلق بالآخرين و فهمهم:
1- القدرة على قراءة عواطف الناس و مشاعرهم من خلال العوامل المختلفة (نبرة الصوت، لغة الجسد، الكلمات) و غيرها.
2- المقدرة على فهم ما قد يكون سبب مشاعرهم و تفسيرها، أو السؤال عن سببها في عدد من الحالات.
3- القدرة على التعاطف مع مشاعر الآخرين و التصرف وفقا لها.
ومن الضروري معرفة أن الذكاء العاطفي لا يقتصر على المستوى المهني او الأجتماعي فحسب، بل يشمل أيضا كيفية استخدام العواطف بذكاء في العلاقة بين الشريكين .
في العلاقات العاطفية
فقد اثبتت الدراسات بأن الآزواج السعداء ليسوا اذكى أو أغنى أو أكثر ثقافة من الأزواج التعساء. ان ما يميز هؤلاء الشركاء هو امتلاكهم لذكاء عاطفي متقدم عن الأخرين يجعلهم قاديرين على بلورة دينامكية علائقية بعدم السماح للمشاعر السلبية بأن تطغى أو تسيطر على العلاقة، مما يجعلهم يجدون دائما اللذة و الحافز للبقاء سويا.
ان الأزواج السعداء يعلمون جيدا كيفية وضع الكلمات المناسية على عواطفهم و التعبير عنها، و يدركون اهمية تعلم "الإعراب العاطفي" المستمر لأربع افعال اساسية في حياتهم اليومية: أن يطلبوا، أن يعطوا، أن يتلقوا و أن يرفضوا.
- أن نطلب أي ان لا نتردد في التعبير عن رغباتنا و حاجاتنا.
- ان نعطي اي ان نشارك الأخر ما لدينا من مشاعر وافكار واعمال ايجابية، و منها ابسط الأشياء كالأبتسامة او إطراء جميل يشعر الأخر كم هو محبوب و مرغوب و مميز في نظرنا. و ان نعطي العلاقة ما تستحق من انتباه و عناية مستمرة في اوقات الفرح و المحنة ايضا.
علينا بنفس الوقت ان نعطي بوعي و حكمة كي لا نخنق الأخر بتعبيرنا تاركين له المساحة الكافية كي يبادر هو ايضا تجاهنا.
- أن نتلقى اي ان نفرح بالحب الذي يأتينا من الشريك و نشعر بالعمق كم نحن جديرين بأستقباله، ان نعبر مثلا عن امتناننا لهدية تلقيناها بدل الأكتفاء بالقول" ما كان يجب عليك القيام بذلك" و كأننا نشعر بالذنب عندما يقوم الأخر بالتعبير عن حبه لنا و نتصرف كأننا لا نستحق كل هذا الأهتمام.
أن نتلقى يعني ايضا ان يكون لدينا الحرية الواعية بأن نميز ما نريد و ما لا نريد ان نتلقى، و ان نساعد الأخر كي يكتشف اكثر ما هي حاجاتنا الأساسية.
- أن نرفض اي ان يكون لدينا القدرة و الشجاعة لعدم قبول أو تليبة بعض الطلبات أو التصرفات أو ردود فعل الشريك، كما تشمل عدم التساهل عن التصرفات التي لا نقبلها و لا نريدها أن تكون جزء من هذه العلاقة.
اخيرا وليس اخرا، ايجاد التوازن المناسب بين هذه الأفعال الأربعة و عدم تغليب واحد على الأخر.