انتخابات 13 مايو؛ فاز الشعب.. فازت الدولة

اثنين, 2023-05-15 07:23
محمد عبد الله لحبيب

قبل ساعات من الآن لم يكن أغلب المهنئين (بالفتح) يعرف أنه سيتلقى التهانئ فائزا بمنصب عمدة أو نائب أو رئيس مجلس جهوي، وإلى حد الساعة لم يقتنع أحد بأنه أمسك بشكل نهائي؛ فما زالت أمام العملية برمتها محطة التظلمات، وتزكية النتائج من المجلس الدستوري. هذا علاوة على جولة الإعادة في بعض الدوائر.

كسب الشعب الموريتاني هذه التجربة التي جرت في ظروف طبيعية لم تشبها أي حوادث أمنية، ولم تكدر صفوها أي مشادات. مارس الجميع حقه في التعبير والدعاية بالطرق القانونية، مارسوا حقهم في النقد، ومارس البعض "حقه في التحريض". 

على المستوى الشخصي؛ هذه أول انتخابات أخوضها من موقع المراقب الخارجي، وقد تسنى لي بحكم كمِّ المعلومات المتدفقة أن رأيت حجم التفاعل، والتعبئة لدى كل الأطراف في العاصمة نواكشوط، وفي كل مدن الوطن وبلداته. 

1. هذه أول انتخابات يحصل "إجماع اختياري" على المشاركة فيها، وتأتي بعد حوار سياسي مهد لها باتفاق سياسي بين الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية، والقوى السياسية بجميع طيفها الوطني.

2. قال المواطن كلمته، وسمعها السياسيون بعد أن استمع إليهم المواطن طيلة أشهر. أعطى من استحق ثقته الصوت الذي يؤهله ليكون في موقع خدمة المواطن، وتحت رقابته اليومية ليقدم حسابا بعد خمس سنوات.

3. فاز الشعب الموريتاني في هذه الانتخابات، وقدم درسا حضاريا لسياسييه، بأن بإمكانه أن يميز بين من يخدمه ومن يستخدم عواطفه، وميوله، بين يستثير خوفه، ومن يعمل على تأمينه، وبين من يسعى لإطعام جائعه، ومن يعمل على استثارة مجاوعه، لينال بها نصيبا من أصواته. 

4. فازت الدولة الموريتانية بأن وضعت لبنة جديدة في بناء ديمقراطية تتطور باستمرار، وتكسب مؤسساتها بعض الصلابة وبعض الثقة في نفسها، وتكسب مزيدا من ثقة الفاعلين السياسيين. 

5. من حق الأحزاب والمرشحين أن يناضلوا من أجل تحسين شروط العمل السياسي، والتنافس الانتخابي، ومن حقهم أن يضخموا بعض الأخطاء، سعيا للفت الانتباه، أو التقليل من فرص حدوثها مستقبلا، لكن لا أحد من حقه التشكيك في مصداقية العملية التي أهلته في بعض الأماكن للفوز، وحكمت عليه في أماكن أخرى بالفشل.

6.  لم ينج أي تشكيل حزبي من خسارة في مكان ما، ولم يبق تشكيل حزبي إلا وفاز في أماكن لم يكن له فيها مقعد. لذا فإن المنظومة الانتخابية لا يمكن أن يطعن فيها، فمن حكم لك بالفوز في مكان حكم عليك بعدم الفوز، أو التأخر في مكان آخر، فلا يمكن أن يكون عادلا حين يحكم لك، جائرا حين يحكم عليك.. وهو هو في كلتا الحالتين.

7. لم ترد شكاوى ذات وجاهة بشأن حياد أجهزة الدولة، وكان وقوف رئاسة الجمهورية ممثلة في رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني على الحياد سابقة في تاريخ البلاد التي اعتادت أن تكون مؤسسة الرئاسة طرفا في كل صراع انتخابي، أو سياسي، وأن يكون للرئيس بين كل متنافسين عدو وصديق.

لكنها هذه المرة وبإرادة واعية وقفت على نفس المسافة من الجميع وخاطبت الجميع بنفس المستوى، ودعمت الجميع بنفس المستوى.

وهذا هو حياد الرئاسة المطلوب، أي الحياد الفني، والحياد الانتخابي.

8. لم ترد صور عن سيارات الدولة وهي تنشط في الحملات، لم تسرب أي صوتيات، أو رسائل لإداريين، وهم يضغطون على هذا الموظف أو ذاك، ولم تسرب مكالمات لحكام أو ولاة وهم يوجهون بدعم هذا المرشح أو ذلك. 9. اشتغل الوزراء الذين اختارتهم أحزابهم كمرشحين، أو مديري حملات بعيدا عن مكاتبهم، لم يوقعوا ملفا، ولم يعقدوا اجتماعا مع أحد في مكاتبهم، ولم يظهروا في أنشطة رسمية. وهذه كلها أمور لم يعهدها المواطن في هذه البلاد.

10. ركز خطاب مرشحي الأغلبية ومديري حملاتها على التنافس المحلي، واستطراد حصيلة سنوات من حكم النظام الحالي، وعلى الميزات الخاصة بالمرشحين، وخلا من مهاجمة الخصوم السياسيين، حتى لم يوجد ما يتكئ عليه لاعبو أدوار الضحايا ليصعدوا من خطابهم أو يشكلوا مادة للإعلام المساند لهم.

11. سيوجد في كل استحقاق طاعنون، وفي كل ممارسة أخطاء، وأحيانا خطايا، لكنها في هذه الانتخابات ستبقى الأقل، والأكثر محدودية، والأقل تأثيرا على مصداقية العملية برمتها. ربحنا جولة من معركة البناء والتنمية والديمقراطية، وخطونا خطوة جديدة باتجاه بناء نظام سياسي صلب، تبخرت دعايات، وتقلصت أحجام انتفخت وَرَمًا بالدعاوى العريضة، التي لا بينة عليها. سيحسب التاريخ للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أنه حقق في سنوات ثلاث هدفه بإنهاء كل مظاهر الأزمة السياسية التي استحكمت لعقود، وسيحفظ له التاريخ أنه نأى بمؤسسة الرئاسة عن يوميات الصراع الانتخابي، غير آبه بما قد يواجه أغلبيته من تحديات في أفق انتخابات رئاسية سيقول فيها الموريتانيون كلمتهم الفصل بشأن مأموريته الأولى. ستخوض الأغلبية الانتخابات الرئاسية، بضمائر مرتاحة، وبأمل عريض في انتصار تاريخي غذته الممارسة الرئاسية خلال هذه الانتخابات.