الحوار.. إبحار نحو المجهول!

سبت, 2015-02-21 19:51
سيدي الطيب ولد المجتبى

"محاولة التحاور مع شخص تخلى عن أي منطق أشبه بإعطاء الدواء لجثة" / توماس باين

لا تختصر مآسينا في هذه البلاد، المنهكة بالتآمر والخداع، بدءاً من شرببه وحتى "اتفاق دكار" على كوننا نشأنا صدفة بفعل طفرة جغرافية أو بيولوجية أو سياسية بإرادة من ذلك الفقيه المجتهد بحسب رأيه أو ذلك السياسي الوطني برأيه هو الآخر..

وبصرف النظر عن كل ذلك، ها نحن تجسدنا بكينونة عبثية مجهولة الماضي وسيئة الواقع والحاضر، عاجزة كل العجز عن استيعاب مكونات الشعب الواحد في صحراء الثعالب والديناصورات والجنرالات..

***خمس عقود من عمر الدولة تمضي بطيئة خائرة القوى ومثقلة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نحو مستقبل لا تنذر بشائره بأفق قريب للإنفراج أو التقدم بأي خطوة ثابتة نحو تنمية مستدامة في ظل دولة قانون توفر لمواطنيها تكافؤاً في الفرص بكل حياد ونزاهة و شفافية .

حكام فاسدون وسياسيون انتهازيون، هما ثنائية الصراع الدائر عبر سنوات من إدارة الحكم وممارسة الشأن السياسي ، بنفس المنطق التقليدي ، البدائي ، الذي يُقصي المواطن وهُمومَه من جدول الأوليات ودفتر الالتزامات ..

محاولات انقلابية عديدة، ومجالس عسكرية متعددة، ومراحل انتقالية ، وأيام تشاورية، وانتخابات نيابية ورئاسية وبلدية، وحوارات ومؤتمرات ، كل ذلك بحجة التنمية ودعم الديمقراطية، وهو في واقع الأمر لا يعدو كونه استنزافاً رهيباً للخزينة الوطنية وتلاعبا بمصير شعب ذاق الأمرين من فساد الطغمة العسكرية الحاكمة منذ انقلاب العاشر من يوليو..

تلك الطغمة التي تتفنن في خلق وابتكار المهدئات التي تطفي لهيب الغضب الشعبي الممتد على طريق الأمل المتعثر، والمتفجر في كل بقعة من التراب الوطني المضمخ بالأسى والألم والخيبات والإنكسارات ..

فمالعمل إذا كانت عاصمة دولة لا تزال تعاني في العام 2015 من مشاكل كبرى من قبيل نقص المياه وغياب الصحة وفشل السياسات التعليمية والتنموية..؟!

ألا يكفي هذا لتتوحد كل الجهود السياسية الجادة والمخلصة للانضواء في جبهة رافضة لكل ما يمت بصلة لهذا النظام المتفرع من أنظمة أخرى سبقته في النهج والاستبداد وفاقها في النهب والفساد ؟!

وهل يعقل أن نتفرج على واقع كئيب كهذا ، وكلنا مدركون لمن يتحمل كامل المسؤولية في ذلك ، ثم نرى قوى معارضة كبيرة تترنح إليه وترنو بطرف حسير يتحسس بعض الفتات الناتج عن حوار لا مبرر له بأي حال من الأحوال ..!

هل تجهل قوى المعارضة أنها بعد مسيرة 12 مارس التاريخية قد أحدثت قطيعة نهائية مع ماضيها الطافح بالتجارب السياسية المفتقرة للنضج والمسؤولية والتخطيط ,, وأنها ولأول مرة تضع قطار ممانعتها على سكة التحديات الذي قد يطول لا محالة لكنه مأمون النتائج والعواقب التي من شأنها أن تقلب موازين القوى رأسا على عقب بشكل سلس لا خشونة فيه ولا قعقعة للسلاح ..!

***إن العمل اللازم والفعل السياسي المطلوب في اللحظة الراهنة هو رفع السقف السياسي ، والإسهام في خلق وعي عام حول أهمية النضال السلمي العنيف ، ورسم استراتيجيات محكمة لإدارة الصراع ، وتغيير الأطروحات القديمة ، والخروج على المألوف ، بطرق تفاجئ النظام وتباغته في كل مواطن قوته وفساده واستبداده ..

فلا يخفى على النخب السياسية أن ما تشاهده بشكل يومي من تظاهرات ذات صبغة اجتماعية إن ما هي زلزال شعبي يزحف بهدوء وبوتيرة متصاعدة نسبياً نحو نظام يتبجح رأسه ولد عبد العزيز بمحاربة الفساد في حين يهدر مليار أوقية من أموال الشعب في زفاف ابنته ..

***فهل تريد القوى السياسية المعارضة أن تطيل أمد الصراع وتزيد من تأزيمه وفق دراسة متأنية للواقع والمستقبل ، من أجل محاصرة النظام داخليا وخارجيا، بغية السير في اتجاه إعادة تأسيس الدولة الوطنية ذات الهوية الموحدة ، دولة القانون والمؤسسات ، أم أن "منتدى حليمة " سيعود لعادته القديمة تلكؤاً ومهادنة وتواطأ للإستفادة من بعض المكتسبات المادية والسياسية الآنية والشخصية والحزبية على حساب المصالح العليا للوطن والمواطن ..

خلاصة القول أن أي حوار سياسي مع هذا النظام هو بمثابة الطعنة الخاذلة في خاصرة الإحتجاجات الشعبية وأصحاب المظالم الذين تضج بهم الباحات الإدارية في العاصمة نواكشوط وفي أغلب المدن الداخلية..

وفي هذا الظرف السياسي المريب لا يمكننا أن نجد تفسيرا منطقياً يبرر الحوار المزعوم سوى حاجة الجنرال الانقلابي ولد عبد العزيز الغارق في مستنقعاته الآسنة لمن يُسعفه في لحظة صفريةٍ فارغة، عله يستطيع أن يواصل إبحاره ببلادنا نحو الضياع والمجهول ..