العربي الجديد/ تزخر المكتبات التاريخية والعائلية في موريتانيا بمخطوطات نادرة ونفيسة، لا توجد منها نسخ أخرى في أي مكان من العالم. وهي مخطوطات تغطي مختلف فروع العلوم والفنون، بما في ذلك علوم القرآن والحديث، والفلك والرياضيات والهندسة، والنحو واللغة، والتاريخ والطب والجغرافيا وسواها.
لكنّ معظم المخطوطات يختبئ في البيوت، ويتوارثه أبناء العائلات التي تملك المكتبات الأهلية، وتمنع الباحثين من الاستفادة منها. ويقدر الباحثون عدد المخطوطات الموريتانية بنحو 100 ألف، معظمها لم تتم طباعته من قبل. ورغم أهميتها إلاّ أنّ المخطوطات الموريتانية تتعرض لمخاطر كبيرة في إهمالها، ومنها مخاطر الحرق والتلف والضياع.
من جهتها، تحاول وزارة الثقافة حثّ الموريتانيين على السماح للباحثين بالاطلاع على المخطوطات، أو تسليم المخطوطات لمراكز متخصصة في حفظ التراث. لكنّ معظمهم يرفض الدعوة بالمطلق.
في المقابل، يقول الباحث في التراث، سيدي أحمد ولد مشتابه، لـ"العربي الجديد"، إنّ عدم التعريف بالمخطوطات الموريتانية ومنع الباحثين من الاستفادة منها أخطر ما تواجهه المخطوطات. ويضيف أنّ "المشاريع التي تطلقها الدولة لإنقاذ المخطوطات تبقى حبراً على ورق في ظل بقاء نسبة كبيرة، من المخطوطات مجهولة داخل بيوت ورثة العلماء".
ويوضح أنّ معظم مالكي المخطوطات في موريتانيا يجهلون قيمتها ومضمونها، ويرفضون عرضها على الباحثين ويتفاخرون بامتلاكها. كما أنّ منهم من يبيعها للأجانب بمبالغ طائلة، وهو ما يشكل ضياعاً لإرث تراثي ثمين ومصدر من مصادر الهوية الحضارية لموريتانيا.
ويحذر الباحث من بقاء المخطوطات لدى العائلات التي تبيعها، أو تحتفظ بها بطريقة بدائية، مما يجعلها عرضة للتلف والضياع. ويشير إلى أنّ جهود الباحثين ساهمت في اهتمام الدولة بالمخطوطات حيث أطلقت مشاريع عدة لإعادة اكتشاف المخطوطات ونفض الغبار عنها.
تحظى موريتانيا برصيد ضخم من المخطوطات التاريخية، قد يكون الأكبر في العالم العربي. ويقدره الباحثون بنحو 100 ألف مخطوط، بينما يقدّره "المعهد الموريتاني للبحث العلمي" بأكثر من 40 ألف مخطوط، لفترة زمنية تمتد من القرن الثالث الهجري حتى القرن الرابع عشر.
وراكمت موريتانيا هذا الرصيد من المخطوطات بفضل الحضارة التي كانت قائمة تاريخياً في مدينة شنقيط، وهي المدينة التي زارها علماء وفقهاء من مختلف أنحاء العالم، فدرسوا فيها، وألّفوا، وكتبوا مخطوطات أصلية ونادرة، بالإضافة إلى المخطوطات التي ألفها العلماء الموريتانيون. وكذلك تلك التي استنسخوها، أو اشتروها خلال رحلات الحج. كما ساهمت الهجرات إلى موريتانيا في تنوع المخطوطات ما بين شرقية وأندلسية وأفريقية.
وعلى صعيد حماية هذا التراث الضخم، يتولى "المعهد الموريتاني للبحث العلمي" دوراً كبيراً في صيانة ورعاية آلاف الكتب والمخطوطات. كما يوفد منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي، وبصفة دورية، مئات البعثات للبحث عن المخطوطات في سبيل حفظها.
كما أوفدت المؤسسة سابقاً العديد من البعثات الإحصائية المتخصصة، التي أجرت مسوحات شاملة، بهدف وضع فهرس للمخطوطات التي تستهدف إنقاذها من التلف.
وفي هذا الإطار، أعلن "المعهد الموريتاني للبحث العلمي" أخيراً، عن فتح قاعدة بيانات لأكثر من 8 آلاف مخطوط موريتاني على موقعه الإلكتروني أمام الباحثين والطلاب. وهو ما يوفر معلومات وافية عن هذه الكنوز الموجودة في عدة مكتبات موريتانية.
وتشمل المعلومات المنشورة عن كلّ مخطوط عنوانه، واسم مؤلفه، وموضوعه، وناسخه، ونوع الخط المستخدم فيه، ولون الحبر، وعدد الصفحات ومقاساتها، وعدد الأسطر في كلّ صفحة، وما إذا كان كاملاً أم لا.
وتتضمن قاعدة البيانات معلومات تفصيلية عن 8 آلاف و178 مخطوطاً بالتحديد، موزعة على 37 مكتبة. ومنها 3 آلاف و193 مخطوطاً في مدينة تيشيت التاريخية موزعة على 7 مكتبات، و2907 مخطوطات في مدينة شنقيط التاريخية، موزعة على 15 مكتبة، و2078 مخطوطاً، في مدينة ولاتة التاريخية، موزعة على 15 مكتبة.
كما دعت إدارة المعهد مالكي المخطوطات، الذين ورثوها عن أهلهم، وأصحاب المكتبات، إلى إضافة معلومات مخطوطاتهم إلى قاعدة البيانات في الموقع الإلكتروني، من أجل تقريبها من الباحثين، وإتاحة الفرصة أمامهم للاستفادة منها. وأبدى المعهد استعداده لإضافة أيّة مخطوطات أخرى يقدمها مالكو المكتبات الخاصة وورثتهم إلى مكتبته، وفتح أبوابها للدارسين والباحثين والمترجمين.