تعتبر السياسة فعلا " لعبة قذرة" ذلك أن متعاطي السياسة يبحثون عن مصالحهم الآنية، وبأي ثمن، وعبر أي أسلوب، لكن قمة الانتهازية، بل وانعدام الإنسانية عندما يصل الجشع السياسي بالبعض لاستغلال مأساة إنسانية، وكارثة وطنية لتسجيل نقاط لصالحه في ملعب السياسة،
جاعلا من آلام عشرات الأمهات والزوجات، والأطفال وقودا لمطامعه السياسية، غير مبال بمشاعر الأسر المفجوعة، ولا بشعور المؤسسة العسكرية الجريحة، ويبدأ اللعب بأرواح أبنائها سياسيا حتى قبل أن توارى أجسامهم الطاهرة الثرى.إن الموقف الأخلاقي، والوطني، يقتضيان من أي شخص أن يكبح جماح طمعه السياسي على الأقل أمام مصيبة الموت، أقله حتى تنتهي مراسم الدفن، والعزاء، لكن البعض - للأسف - يطبق بشكل خاطئ مبدأ :" مصائب قوم عند قوم فوائد" فمصيبة الأسر، ومصيبة، الجيش، بل ومصيبة الوطن كله لا تعني للبعض شيئا، إلا بقدرما يمكن استغلالها لكسب نقاط في معركة قذرة ضد الوطن، والجيش على ما يبدو، قبل أن تكون ضد نظام.مشكلة البعض عندنا أنهم لا يعترفون بوجود قواسم مشتركة بين الجميع، ولا يعترفون لغيرهم بأي نصيب من الصواب والحقيقة، فهم يحتكرون لأنفسهم كل القيم النبيلة، ولا يرون من سبب للوقوف صفا واحدا مع الشعب، والجيش، ولو للحظة، والمصيبة أنهم لا يفرقون بين الجيش كمؤسسة وطنية، والنظام الحاكم، الذي هو مؤقت، وقابل للنقد، والانتقاد، متى ما حسنت النية، في ذلك.
إن من يتابع تدوينات البعض، وكتاباتهم يدرك بوضوح أن حقدهم لنظام ولد عبد العزيز أكبر من حبهم لهذا الوطن، وحرصهم على الوصول للسلطة بأي مستوى من مستوياتها، أعظم من حرصهم على وحدة، وتماسك أبناء هذا الوطن الغالي، تراهم واقفين في صفوف حركة " إيرا" يبتغون فضلا من بيرام، وأنصاره، ورضوانا من جهات خارجية، وخارجة على الإجماع في كل شيء.هؤلاء ينشغلون ليل نهار في شتم، وذم الآخرين، ومع ذلك يحسبون كل صيحة عليهم، يقذفون معارضيهم بالبيانات، والتهم، والتلفيقات، والشتائم، لكنهم أجبن من أن يقذفوا بالحجارة، فهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة، أو من رواء جدر.ولعل أقرب مثال يؤكد هذه الحادثة ما قاموا به من ضجيج سياسي، وإعلامي، لمجرد استجواب صحفي نشر محاضر يحرم، ويجرم القانون نشرها، طلبوا من الجميع التضامن معهم، وصوروا الأمر على أنه انتكاسة في الحريات، وكارثة على البلاد، والعباد، وجريمة نكراء ارتكبها النظام،..الخ ولقد كنت شخصيا سباقا في حضور تلك الوقفة التي نظمها الصحفيون أمام قصر العدل في انواكشوط، ومفوضية الشرطة في تفرغ زينه، حينها رفعنا صور الصحفي المستجوب، وهتفنا باسمه، وآزرناه، بغض النظر عن التهمة الموجهة له، لكن بنفس الإصرار، ونفس الحماس لن نتردد في تمزيق صور أي شخص يتطاول على رمز وحدتنا، وعزتنا: الجيش الوطني، ومن يسعى لتمزيق وحدة نسيج هذا الوطن لا يستحق منا أي احترام، مهما امتلك من ناصية القول، أو سحر البيان، وبلاغة اللسان، بل ومهما امتلك من علم، فكثيرون أضلهم الله على علم.الموت حق، ف( كل نفس ذائقة الموت) والموت هو الأمر الوحيد الذي يتساوى فيه الغني، والفقير، والأبيض، والأسود، ومع ذلك فإن البعض حاول في تدويناته أن يقول إن جهات ما في الجيش تعمدت اختيار أفراد من الجيش معينين، لقتلهم في حادث الشاحنة الأليم، دون أن يمتلك "الجرءة" على الإفصاح صراحة عن هذا المعنى، لكنه امتلك " الجراءة" على كتابة ما كتب في هذا الصدد.إن محاولة البعض إيهام أسر الجنود المفجوعة أن أبناءها تم اختيارهم بعناية كي يموتوا هو في الحقيقة انتهاك فاضح لمشاعر هذه الأسر، لا يقل بشاعة عن ما يفعله تنظيم " داعش" الإرهابي عندما يلعب بأعصاب، ومشاعر أسر رهائنه قبل قتلهم بطرق بشعة، فهل يظن هؤلاء أن هناك عاقل، أو مجنون سيصدق ادعاءهم أن النظام أراد قتل هذا العدد من جنوده بهذه الطريقة ؟؟؟!!بالأمس كنت في جامع ابن عباس في انواكشوط لأداء صلاة الجمعة، وبعد انتهاء الصلاة وقف الإمام، وطلب من المصلين الترحم على أرواح الجنود الذين قتلوا في حادث الشاحنة، ووصفهم بالشهداء، فقابله أشخاص بالمطالبة بتحقيق العدالة في محاكمة نشطاء حركة " إيرا" التي تجري على بعد أمتار من الجامع، وبعد انتقالنا لأمام قصر العدل، وبعد مرور نحو نصف ساعة بدأ البعض ببث دعاية مفادها أن الجنود " الشهداء" معظمهم من لحراطين، ليقف الحضور هنا دقيقة صمت على أرواح الجنود، بعد أن علموا ، أو أوهموا أنهم من لحراطين، علما أنهم لم يترحموا عليهم مع الإمام عندما دعاهم لذلك قبل قليل في الجامع.
إن مثل هذا النوع من التفكير يعتبر تهديدا كبيرا لهذا الوطن، فالظلم كله مرفوض، سواء ظلم الأفراد، أو الشرائح، لكن ظلم الوطن في النهاية أكبر، وأخطر، فنجدة العبيد أمر مهم، لكن نجدة البلاد كلها أهم، وهناك فرق كبير، وبون شاسع بين أن تستشعر الظلم، وتبحث عن العدل، والإنصاف للمهمشين، وبين أن تستغل معاناتهم، لتدير الأزمة، بدل البحث عن حل لها، وحينها تغلب مصلحتك الشخصية على مصالح من يفترض أنك تدافع عنهم.
إن المؤسسة العسكرية هي العنصر الوحيد الذي يعول عليه الشعب الموريتاني في الدفاع عن سيادته، ووحدة أراضيه، وإذا كان البعض يأخذ على الجيش أنه أوصل بعض قادته لرئاسة البلاد، فإن هذا " الجرم" لا يستحق كل هذا الحقد على الجيش، والشعب لبث الفرقة في صفوفه، فالوصول للسلطة عبر الانقلابات البيضاء يبقى في النهاية أكثر أمنا، وأمانا من الوصول إليها بثورات تخلف أنهارا من الدماء، وتدمر البلدان، وهو نموذج - على فشله- لا يزال يستهوي البعض، ويتمنى لو يطبقه في موريتانيا، إن على الجميع أن يحكم عقله، وضميره، عندما يتناول قضايا وطنية، ومصيرية، فموريتانيا هي أمانة في أعناقنا، حتى لا أقول " وديعة" .
تحية طيبة عطرة لجيشنا الوطني، والوحدة، والنماء، والازدهار لهذا الشعب الأبي، المسلم، المسالم