لن أنسي ذالك اليوم وأنا طفل صغير حيث كنت ألهو مع أطفال الحي بجانب منزلنا في مدينة كيفة حيث تناهي إلي سمعي صوت بكاء جدتي رحمها الله ووالدتي أطال الله بقاءها , فبادرت مسرعا إليهما فوجدت كل أفراد العائلة والجيران يتجمهرون حول مذياع صغير والنحيب والبكاء هما سيدا الموقف فلم أتمالك نفسي حتي انفجرت أنا بالبكاء معهم لم أكن أعرف في ذالك الوقت لماذا أبكي ولا علي من أبكي ولاكن صورة ذالك المشهد ظلت عالقة بذهني إلي حد هذه اللحظة دون غيرها من الأحداث.
وتمضي الأيام ...لأكتشف أن الحدث الذي استدعاني للبكاء يومها هو خبر وفاة القائد العظيم الفارس الهمام والزعيم الملهم فقيد الأمة والوطن المرحوم / العقيد الرئيس أحمد ولد بسيف.
وتمضي الأيام ....لأعرف ما خفي عني من حقيقة هذا الرجل العظيم من خلال ما سمعت من سرد لوقائع من قصصه ومواقفه العظيمة من من عاصروه وعاشوا معه من إخوانه وأصدقاءه في مجتمعنا , وظلت فكرة الكتابة عن المرحوم أحمد تراودني ولاكن لم يطاوعني قلمي لذالك ليس عجزا مني عن الكتابة ولا انتفاء المقاصد التي تستدعي الكتابة عن المرحوم أحمد لا والله ولاكن بسبب شعوري بألم عظيم يعتصر قلبي كل ما حاولت ذالك لأن ذكراه تنكئ جرحا عميقا في نفسي لم ولن يندمل مهما مرت السنين .
وتمضي الأيام ....وتأتي اللحظة التي طال ما انتظرتها حيث وجدت أن من واجبي أن أنتهز الفرصة التاريخية التي منحتنا إياها قناة شنقيط الفضائية من خلال بثها للفيلم الوثائقي (موريتانيا تبكي قائدها ) هذا الفيلم الرائع والأول من نوعه عن فقيد الأمة المرحوم أحمد ولد بسيف فلها منا جزيل الشكر وكامل العرفان , وبالرغم من أهمية ما ورد في هذا الفيلم من معلومات سردية مهمة وصور حية من لحظات تاريخية من حياة هذا الرجل العظيم ظلت غائبة أو مغيبة عن أذهان الموريتانيين ردحا من الزمن < كان لقناة شنقيط السبق الاعلامي لبثها للعالم > فلن يكون ذالك ذا بال عندي مقارنة بقدر ما وقع في نفسي من تأثر من تلك الشهادات الحية التي وثقها أولائك الرجال العظماء من مختلف مشارب وشرائح المجتمع الموريتاني الذين لما استدعاهم التاريخ لتوثيق شهاداتهم عن.
المرحوم / الرئيس أحمد ولد بسيف لبوا النداء فقالوا حقا ونطقوا صدقا ليظهروا الحقيقة التي انتظرها الموريتانيون طويلا لكي يجدوا الفرصة لسماعها , والله إنك لتدرك وبدون عناء كبير وأنت تتطلع إلي قسمات وجوههم أثناء توثيقهم لشهاداتهم تلك أن كل أقوالهم تصدر من مشكاة واحدة إنها مشكاة (الصدق والحق والإنصاف ) ولأنهم لم يتكلموا مجاملة ولا تزلفا بل كما قالوا هم عن أنفسهم أنهم سيتكلمون لله و للتاريخ عندها ستعرف أن التاريخ لا يظلم الأبطال وأنه سينتصر لهم مهما طال الزمان........
وهنا سأورد مقتطفات من أقوال أولائك الرجال بدون تصرف حتى نوثقها إنصافا للتاريخ ولكي تقرأها الأجيال:
يقول عنه الوزير / محمد عبد الرحمن ولد أمين : (أنا عرفته كصديق عرفته كأخ وعرفته كمسؤول , وفي كل صفة عرفت فيها أحمد ولد بسيف كان أحمد رجل غير عادي , غير عادي مع أصدقائه غير عادي مع مأموريه غير عادي مع أهله وغير عادي كعسكري وغير عادي كرجل دولة .... أحمد ليس من صنف البشر الذي عرفنا أولا أحمد في حياته الخاصة لا يغتاب بشرا أحمد في مجالسه لا تؤكل الغيبة ولا يتكلم في أحد أحمد يده لا يخشي الفقر لا يمنع السائل مسألته أحمد في المعركة لا يخشى الموت ... أعتقد أنه لو كان أحمد بيننا لما كنا في ما نحن فيه اليوم وما عرفنا ما عرفناه في العقود الماضية .. لاكن الخير في ما أختاره الله .)
يقول عنه الوزير / أحمدو ولد عبد الله : ( إنها لفرصة فريدة لكي أتحدث عن المرحوم العقيد أحمد ولد بسيف سأتكلم في نطاق التاريخ ...سأتكلم بما يمليه علي ضميري بدون مجاملة لأن الحديث هنا للتاريخ .
أنا كنت معجبا به أولا: لأن مواقفه واضحة ثانيا : لأنه يعرف ما يريد أي أنه يعرف مقصده وهدفه وبرنامجه واضح له ..... كانت لديه نخوة ومبادئ والناس تعرف ذالك , أحمد للتاريخ كان بسيطا ومتواضعا ويحترم الآخرين ... كان يحترم وزراءه ويستشيرهم وعندما يكلف أحدهم ببعض أمور العمل يتابع الموضوع معه شخصيا ... أحمد لا يستمع لما يقال له عن الآخرين ... أحمد عندما يأخذ قرارا يأخذه بشكل نهائي ليس من باب التكبر بل من أجل القرار الذي أتخذه ...... أحمد كان لديه فهم حقيقي لمشكل الصحراء وكانت لديه الإرادة الكاملة لحله ) .
يقول عنه الوزير / يحي ولد منكوس : (هو شخص كبير وصدوق ونزيه .... وعندما نصحته بأن يشارك في انقلاب العاشر من يوليو مع زملائه بحكم معرفتي انه قادر علي القيادة وأنه قادر علي أن يقود موريتانيا بجدارة رد علي رحمه الله قائلا : <أنا لا يمكنني أن أخون من وضع في ثقته أنا لا أحب أن أكون غدارا> ) .
يقول عنه الوزير / آن أمادو بابالي : (في البداية كنا زملاء ومن بعد أصبحنا أصدقاء ..... عظمة الرجل ألهمتني بسيف كان رجلا ذكيا شجاعا نزيها , لسنا وحدنا من يري عظمة الرجل فقد كتب عنه الجنرال الفرنسي مدير المدرسة العسكرية التي تخرج منها في مذكرة تخرجه قائلا : < إنه قائد بالفعل > )
يقول عنه الوزير / حسني ولد ديدي: (أحمد ولد بسيف رحمه الله رجل وفي صدوق أمين ومستعد لوطنه بكل إخلاص , ولقد اعترف له الرئيس المختار ولد داداه بذالك عندما قلده وسام شرف عرفانا له بالدور الذي لعبه من أجل وحدة و استقلال موريتانيا ) .
يقول عنه الوزير / محمد ولد لكحل : (كنا نحتسبه أبا حنونا كبير المعني رفيع الخني لا يري الدنية ويحب أعالي القوم.....)
يقول عنه الوزير / الشيخ ولد حرمة : (كان رجل استثنائي ورجل فذ وقامة سامقة في هذا البلد وكانت له رؤية وإرادة لتغيير هذا البلد ومشروع دولة صالحة ) .
يقول عنه الوزير / سيد أحمد ولد الدي : ( أعتقد أنه لو عاش في الحكم لما أخذت الأمور المنحي الذي أخذته بعد وفاته )
يقول عنه العقيد / الشيخ سيد أحمد ولد باب أمين : (كان لي الشرف إبان حرب الصحراء أن أكون تحت إمرة الرئيس والقائد المرحوم أحمد ولد بسيف في المنطقة التي كنت أعمل فيها حيث كنت مساعدا له في المنطقة العسكرية الثانية ... فعلا لقد استلهمت منه الكثير من الخصال الحميدة سنذكر منها واحدة أو اثنتين :
نظرته الشمولية للعمل وثقته في نفسه أولا وقابليته للثقة في معاونيه , لقد تعلمنا منه جميعا تعلمنا من رفعته في العمل تعلمنا من نظرته الشمولية للأمور تعلمنا من محبته للناس تعلمنا من تواضعه تعلمنا من كرمه .. لقد كان رحمه الله وهو في خضم المعركة يمتلك نفس الأعصاب الباردة وكأنه في الحالات العادية ) .
يقول عنه النقيب / أبريك ولد أمبارك : ( من الذكريات التي بقيت في ذاكرتي عن هذا القائد العظيم مارأيته منه في معركة تسمي (ميجك ) حيث استقبلته عندما قدم إلينا ونحن في خضم المعركة وكان الرصاص يصم الآذان وكان يحمل بندقية في يده من نوع (19-57 ) ويرتدي زيه العسكري الحربي وعند ما حييته نظرت في وجهه (لأني دائما أحب أن أري الرجال) رأيت فيه صفات البطل الشجاع حيث كانت أعصابه هادئة وكان مربوط الجأش رغم هول المعركة لقد كان رجلا بمعني الكلمة عند ذالك اعترفت لموريتانيا بالجميل لأنها تنجب مثل هؤلاء الأبطال).
يقول عنه الرائد/ صالح ولد حننا : ( كان العقيد أحمد ولد بسيف رحمة الله عليه حسب ما وجدنا من انطباع لدي العسكريين الذين خدموا مع الرجل مثالا للجندية مثالا للأخلاق العسكرية الرفيعة وكان يمثل وجها مهما من موريتانيا التقليدية التي تحتفظ بأصالتها بقيمها بأخلاقها).
يقول عنه الرائد / جوب جبريل آمدو : ( كان لي الشرف أن أكون تحت إمرة المرحوم العقيد أحمد ولد بسيف قائد التجمع رقم 2 آنذاك المتمركز بالزويرات 1976 .... المرحوم العقيد أحمد ولد بسيف كان ضابطا يتسم بالبسالة والكرامة وقد قاد رجاله بكل عطف ودقة وصرامة وأريد أن أنتهز هذه الفرصة لأطلب من الشعب الموريتاني أن يتذكر ويترحم ويعترف بالجميل لهذا الضابط الذي كان يتحلى دائما بالإيمان والحب والوفاء والصدق والدفاع عن وطنه).
يقول عنه المحامي / محمدن ولد إشدو: ( أفضل أن أقول عن أحمد ولد بسيف رحمة الله عليه أن دوره في التاريخ الموريتاني دور هام جدا ذالك أنه الوحيد الذي تصدي للمهمة الصعبة وهي الوقوف في وجه الانهيار الذي سببه العاشر من يوليو).
قال عنه الرئيس السنغالي السابق / سينغور: (إنه رجل يعي تماما مايريد ).
قال عنه رئيس الوزراء المغربي السابق / أحمد عصمان : مخاطبا الرئيس المختار ولد داداه ( من حظكم أو من حظنا جميعا أن يكون عندنا هذا الرجل )
في ختام هذا المقال لدي تعليق وثلاث رسائل
أما التعليق فسيكون علي شهادة الرئيس السابق / محمد خون ولد هيداله
يقول الرئيس السابق محمد خون ولد هيداله عن المرحوم العقيد أحمد ولد بسيف في شهادته الحالية :
( أعرف أنه طوال الفترة التي قضيناها معا كان حلوا معنا ولين الجانب ولم يقدم علي أي عمل قبل أن يستشيرنا فيه ..... بسيف لما صار رئيس الحكومة في تلك الفترة تم الاحتكاك بيننا معه من جهة العمل الحكومي وما بدي لي منه أنه كان ضابطا حقا يتميز بالثقة والمسؤولية وفي تلك الفترة التي قضيناها معه لم نري فيه إلا معالي الأمور وقد كان في مستوي المسؤولية حيث كان يستشيرنا بشكل جماعي في كل عمل ينوي القيام به ويستمع لآرائنا في ذالك الموضوع وحتي في التعيينات الحكومية كان يطلب منا أن نعطي مقترحات في من سيتولون مناصب في الوزارات وإدارات الدولة وفي الحقيقة أن ما يبدو لي فيه أنه كان علي المستوي تماما ).
التعليق :
إن هذه الشهادة من وجهة نظري تكتسي أهمية كبيرة ليس لكونها صادرة من الرئيس محمد خون ولد هيداله فحسب بل لأنها تنسخ شهادة أخري للرئيس هيداله وردت في كتابه (هذه تجربتي 1 /من القصر إلي الأسر ) في معرض حديثه عن ثورة القصر وحكومة الانقاذ التي شكلها المرحوم الرئيس (أحمد ولد بسيف ) ولن أذكر تلك الشهادة هنا لأن صاحبها نسخها تماما بشهادته الحالية لذالك سنوثق هذه الشهادة ونعتمدها للتاريخ ونقول للرئيس هيداله أنه فعل خيرا لأن العودة للحق فضيلة .
(لمن يود الاطلاع علي الشهادة الأولي للرئيس هيداله العودة للمرجع المذكور الصفحتين (88/89))
أما رسائلي الثلاثة فهي كالتالي :
- رسالتي الأولي أوجهها للجهات الرسمية في الدولة الموريتانية / أقول لهم
أن شعبا بلا ماضي بلا حاضر وشعبا بلا حاضر بلا مستقبل لأن الحاضر امتداد للماضي ووصل للمستقبل , وأن تغييب الرموز التاريخية ومحاولة طمس معالمهم يعتبر طمسا لجزئ من تاريخ الوطن لذالك عليهم أن يتداركوا الموقف ويعترفوا بالجميل لهذا القائد العظيم الذي رابط علي جبهات القتال وخاض المعارك العظيمة دفاعا عن هذا الوطن ولما دعته الظروف خاض المعارك السياسية من أجل وحدتنا وكرامتنا وقدم حياته في سبيل ذالك فالاعتراف له بالجميل يقتضي تكريمه من خلال إطلاق اسمه علي أحد المعالم الاقتصادية أو العسكرية الكبيرة في هذا البلد ولعمري إن ذالك أضعف الايمان .
- رسالتي الثانية أوجهها لذوي المرحوم أحمد ومحبيه / أقول لهم
علينا أن نتجاوز الصدمة ونعض الجرح لأن اللحظة التاريخية تستدعي ذالك وأن ننصف المرحوم أحمد كما أنصفه التاريخ اليوم .... وذالك بإقامة عمل علمي من خلال إنشاء جائزة سنوية تسمي (جائزة المرحوم / أحمد ولد بسيف للإبداع ) تقدم لذوي الإبداع الفكري والعلمي في هذا البلد ويكون ذالك تقليدا سنويا في ذكري وفاته حتى تبقي ذكراه حية في أذهان الأجيال ولعمري أن ذالك هو أضعف الايمان ......
- الرسالة الأخيرة أرفعها إلي مقام فقيد الأمة المرحوم أحمد ولد بسيف
مهما ظلمك الظالمون وقصر في حقك المقصرون فلن ينقص ذالك من قدرك شيئا لأن ضوء الشمس لا يمكن حجبه بغربال , و مهما مدحك المادحون وذكرك الذاكرون فلن يزيد ذالك من مقامك شيئا لأن ذكرك سارت به الركبان حتى بلغ عنان السماء فسرت علي درب أجدادك العظام الذين سكنوا هذه البلاد فعاشوا فيها أسيادا وماتوا فيها أشرافا وخلد التاريخ ذكرهم لتتوارثه الأجيال
فالتنعم بما أعده الله لك من نعيم مقيم في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.