اقترب متظاهرو "ترمسه" من العاصمة نواكشوط في محاولة للفت انتباه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وحكومته الهشة إلي أوضاع أكثر من ألف أسرة تم تجميعها في محشر أغنام بالحوض الغربي دون أدني مقومات الحياة. متظاهرو المدينة غادروها مساء أمس الجمعة في خمس سيارات رباعية الدفع ، وهم ينشدون لقاء الرئيس أملا في توفير مياه صالحة للشرب بعد ارتفاع وتيرة الضحايا في السكان جراء المياه المالحة، والتي تعتبر بدورها عملة نادرة بفعل الكميات القليلة الموجهة للسكان، كما يطالبون بتفعيل التعليم في المنطقة التي تضم أكثر من 500 طفل، عاد منهم إلي رعي الماشية في الريف المجاور أكثر من 120 بعد أن فشل ذووهم في اقناعهم بالمواصلة في مدارس وهمية يتولي تأطيرها بعض المولعين بالألعاب الشعبية (ظامه) أكثر من ولعهم بالمهمة التي انتدبوا لها نظريا من طرف وزارة التهذيب. أباي ولد عبد الله ، منمي في العقد الخامس من عمره، قرر تفكيك منزله الواقع في قرية "بقناته" سنة 2011 ملبيا الدعوة التي وجهها الرئيس محمد ولد عبد العزيز للسكان من أجل انهاء التقري الفوضوي، والمشاركة في تأسيس تجمع يحظي باهتمام ورعاية الدولة. يتذكر "أباي ولد عبد الله كيف نصحه بعض العقلاء بعدم التسرع، والمحافظة علي منزله في انتظار نضج المشروع، لكن ثقته في الخطابات التي يوجهها الرئيس من وقت لآخر عبر الإذاعة، لم تترك للبدوي الراغب في دخول الحياة أي فرصة، باع ثلاث بقرات هي كل مايملك، وأسس منزله الجديد في قطعة أرضية عاش أكثر من ثلاثين سنة وهو يمر منها باتجاه الأراضي المالية كل صيف وخريف دون أن تستهويه. يستغرب ولد عبد الله كيف خدع بالأحاديث الجميلة التي كان بعض الإداريين يطلقها من وقت لآخر، ويتذكر كيف عاش أكثر من شهرين في مركز الإستطباب بنواكشوط سنة 2012 لعلاج صهره، وهو الذي كان يتوقع أن تنهي "ترمسه" كل مشاكله الصحية، وأن يلبي مركزها الصحي أبرز متطلباته. يتقاسم ولد عبد الله نفس الشعور بالأسي والحيرة مع زميله في القافلة أخيارهم ولد مين القادم من المدينة المنكوبة، بعد أن تحولت حياة رفاقه إلي جحيم، وملوا من وعود السلطات الإدارية بالحوض الغربي التي اعتصموا أمامها سنة 2012 للهدف ذاته، وفكوا اعتصامهم الذي استمر لبضعة ايام بعد وعود من الوالي السابق الشيخ ولد عبد الله الذي يتهمونه اليوم بتحمل جزء كبير من مسؤولية الواقع الذي آلوا إليه بعد خمس سنوات من الخديعة والتلاعب بمشاعر البسطاء. فكك ولد مين سنة 2010 قريته الوادعة، وغادر بئره العذبة (حاسي ولد مين) واجبر ماشيته علي الانتجاع في غير موطنها بعد عقدين من الاستقرار والعيش الكريم. تعرض الرجل الزاهد لصدمة كبيرة وهو يلملم ذكرياته المبعثرة، ويتذكر كيف تلاعب به الساسة وبعض الإداريين، واجبروه بالكلام المعسول علي تحطيم حلمه، وهدم منزله، بل كيف جلبوه إلي جحيم لايدفع ثمنه وحده، بل يدفعه العشرات ممن استسلموا لتوجيهه، وحطموا هم أيضا أحلامهم بعد أن أقنعهم بطيبوبة الرئيس وحبه للخير والفقراء، ونهاية الفساد الذي كان يحرم الشعب من التمتع بأرزاقه، والاستفادة من فرص الحياة الواعدة.