من عدد مارس من جريدة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي - قطر موريتانيا / الحوار ،حقا، فضيلة إنسانية ضمن الخصائص التي تميز الإنسان عن سائر المخلوقات؛ وهي (الفضيلة) من الإنتاج المشترك للعقل والأخلاق البشريين. ولكن هذه الفضيلة نادرا ما تكون هي البداية في تفاهم البشر، بل كثيرا ما تأتي إثر صراع طال وتعذر الحسم فيه. ولعل السبب في ذلك أنه غالبا ما يفهم منه، بمنطق المتصارعين، أنه دليل على ضعف الطرف الذي يبادر بالدعوة إليه، فيقابله الطرف الآخر بالصدود والمناورة لدفع الخصم إلى مزيد من الإعياء أو، على الأقل، إلى تنازل أكثر عن بعض نقاط عناده.
ومع ذلك ، يبقى الحوار هو الأقل كلفة والأسلم طريقا. وموريتانيا – المهزوزة بتداعيات سياسات نظام ولد الطايع – تعاني من أزمة سياسية تقلبت أوجهها وتجذرت سلبياتها لحد دفع نخبة البلاد السياسية والاجتماعية إلى الدعوة للحوار لتجنيب شعبنا مآلات التجاذبات غير المحسوبة التي قادت إلى الحريق الشامل في بعض الأقطار العربية.
غير أن هذا الحوار ،برغم وعي كل الأطراف بضرورته الوجودية للبلاد، إلا أنه يواجه مصاعب جمة وجدية يتمثل جذعها في الغياب التام للثقة بين المعارضة ونظام الحكم، جراء نكوص الأخير عن تطبيق مخرجات ما يعرف في أدبياتنا السياسية بحوار دكار ، الذي أنهى لبعض الوقت الأزمة التي نتجت عن انقلاب ولد عبد العزيز على النظام المدني مع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وكذلك تقاعس ولد عبد العزيز عن تنفيذ نتائج ما يعرف ،أيضا، بحوار (النظام – المعاهدة)؛ أي أن المعارضة تخشى أن يدفعها النظام للدوران حول الطاولة لتجد نفسها تتلهى في النهاية بالسراب.
وفي هذه الحالة، تحبذ بعض أطرافها ترك النظام يترنح في تيهانه المتهور وتخبطه العشوائي، الذي قد يدفعه إلى تغيير الدستور ليرشح نفسه لمأمورية ثالثة، على غرار ما حدث في بوركينافاسو " تحت طائلة المصلحة العامة للشعب و ضغط الشارع المتشبث بإتمام المشاريع الكبرى داخل البلاد" .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ، يتخوف النظام من سعي المعارضة الراديكالية ، الذي لا يلين، لتجريده من أوراق قوته ووضعه في خانة المشكوك في شرعيته ، أي تعريته على خشبة المشهد السياسي والاجتماعي أمام النظارة من بسطاء الشعب ؛ وهم الأكثرية التي حسبته "بطلا مخلصا" أو "مهديا منتظرا" ، فإذا هو كأنه تمساح منزوع الأسنان. وفي هذه الدوامة، يبقى ليل الرعب من المستقبل يرخي سدوله بالطراد على شعب مطحون بغدر نخبة- لم يكن ليشعر بوجودها ، ولا ليفتقدها عند زوالها- تسحب منه الروح بألم، في انتظار نهاية (لعبث الوعي...).