إرسال وزير مصلح إلى قطاع وزاري آسن إنما هو خياطة جرح على القيح والوجع، فإن بدا الظاهر معافى فإن الباطن سيظل ينخره الألم ويساكنه جراء ذلك الخمول والذبول.
قلت ذات مرة وفي نشوة إشراقة فجر فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حينما فصل وزارة التعليم الأساسي عن التعليم الثانوي وأوكل الأولى للإطار النظيف ابن (دبانكو) السيد سوكو وعندما طال انتظار تجسيد ذلك الفصل كتبت موضوعا تحت عنوان "وزارة التعليم وقبضة "كابون"" خلاصة الموضوع أن الوزارة كلما أريد لها التحرك ازدادت قبضة اليد الخفية التي لاتريد لها التحرك، هذه اليد القابضة أو ذلك " الكابون" العاض بكل نواجذه ذيل البقرة هو مايمكن أن نعبر عنه ب"الوزارة العميقة" وهي تلك التشكيلات المختلفة الخفية المشكلة في مجموعها القوة الضاغطة والمهيمنة بل والمسيطرة على النسق العام والنظام الثابت الذي لايمكن للوزارة أن تحيد عنه، هذا النظام تشكل أساسا بعد الخطة العشرية والتي عرفت تدفقا للأموال باتجاه التعليم الأساسي، للاستلاء على هذه الأموال فخاط الوظائف بجيوب متعددة عبر الهيكلات المتلاحقة على مقاس أشخاصه، هنا تمت السيطرة من طرف واحد على وظائف الوزارة وعلى مواطن البلل فيها، الأمر الذي أدى إلى نقطتين سلبيتين للغاية هما:- احتلال الوظائف الفنية الحساسة من طرف أشخاص غرباء فنيا عليها والنتيجة معروفة طبعا.
- تهميش أهل الميدان من ذوي الخبرة والفنية في الإدارة والتسيير والتخطيط، مما عطل الطاقات بل وأصابها بالإحباط واليأس والسلبية،، والنتيجة كذلك معروفة.
أدى الأمر إلى جملة اختلالات ولدت تذمرا عاما عبر عن نفسه بمظاهر عدة وقد سبب العلاج المرتجل و غير المتبصر للحاد من هذا التذمر تجاوزات قانونية وغير أخلاقية مهنيا ومضرة بمكانة التراتبية الإدارية المجسدة لهيبة الدولة أدت بدورها إضافة إلى الخلل البنيوي والهيكلي الذي أصاب بنية الإدارة إلى تذمر صامت تفرض المكانة والموقع صمته وكتمانه لدى فئة هامة من موظفي الوزارة وهم مفتشو التعليم الأساسي فعبروا عن ذلك طورا بالاستقالات الفردية من المناصب وطورا بالاعتذار عن المنصب واعتزاله، وهو أمر كان ينبغي التوقف عنده لقراءته قبل أن يتفاقم، وليست البيانات الأخيرة التي أجمعت عليها نقابات مفتشي التعليم الأساسي والتجاوب العريض الذي لقيته من طرف شخصيات علمية وثقافية وازنة إلا خطوة من نطق هذا التذمر والذي يبدو أنه يتوسع ويتمدد عبر الأفق العلمي والمعرفي والسياسي وحتى القيادي..
وخلاصة القول أن هناك تذمرا لدى أوساط المفتشين وأن وضعهم وهم قادة الميدان ليس على مايرام، وأن معالي الوزير السيد المختار ولد داهي المعروف بكتاباته الهادفة - قبل أن يكون وزيرا - عن الشأن العام عموما والتعليم بصفة خاصة والذي جاء مجسدا سياسة الرئيس لإصلاح قطاع هو أهم القطاعات وآكدها إصلاحا لن يكون خارج علمه ولا دائرة انتباهه لا صامت التذمر ولا ناطقه، والأمل فيه كذلك وهو المثقف القوي أن يحوز قصب السبق ووسام الشرف في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإصلاح هذا الخلل.