إن تأكيد مثل هذا من طرف الاستراتيجي الكبير هو مدعاة للانشغال عندما نعرف أنه كان يفكر في جيوش ضخمة بينما الخطر الذي تواجهه موريتانيا هو من طبيعة أخرى أقل وضوحا وأقل قابلية للإكتشاف وهو عبارة عن مجموعات محدودة تجتاح حدودا قليلة أو عديمة المراقبة ممتدة على مئات الكيلومترات، ليلا ونهارا على متن زوارق نهرية أو عن طريق السباحة. الولايات المتحدة الأمريكية التي تواجه الهجرة من المكسيك عبر نهر ريو اكراندي، لم تر أي سبيل فعال سوى بناء جدار عازل من 1200 كيلومتر طولا. أما الأوروبيون، الأغنياء والكثر هم الآخرون، فإنهم ينظرون إلى الهجرة الإفريقية ككابوس حقيقي على مستقبلهم وحاضرهم. فماذا سيقال عن بلد من ثلاثة ملايين يمتاز بكون تشكلته البشرية والثقافية حساسة للغاية وتوازنه هش ـ كان يؤمل أنه في حالة نقاهة إذا لم ينفخ بإفراط على الجمر- ومواطنيه يتعرضون لصعوبات فائقة في الحصول على عمل. كما أن نسبة البطالة تقدر ب 35% فإن إضافة سكانية جديدة تعني لا محالة انتزاع الطعام من أفواه الموريتانيين. ومهما يكن فإن التحرك بالنسبة لهذه المشكلة وهذه الحدود بالذات يتم إن لم يكن على متفجرات فعلى البيض على الاقل، وكل عمل أو تقصير هو محاط من قريب بحشد من المصالح والآراء المسبقة والعواطف يصعب تحديد تأثيره ألتدميري إذا أعطيّ زخما غير مناسب. 3- الشواطئ الموريتانية:إن شواطئ البحر حدود جديدة تم اكتشافها مع بروز الدولة. في الماضي، قبل الاستعمار، البحر كان لا شيء بالنسبة لسكان الصحراء، إنه فقط المكان الذي تنتهي فيه اليابسة. البحر لا يحتوي على خيرات محل جذب أو طمع أو اهتمام السكان، وإذا كانوا يدركون أنه يحتوي على السمك، فإن ذلك لم يكن من شأنه أن يجعل البحر مغريا، لأن هذه المادة بالنسبة للسكان -عدى مجموعة إيمراغن القليلة- تعتبر في حدود التلوث، محتقرة بشدة ومدعاة للتقزز.لم تؤد بهم المهارة ولا الفضول ولا محاكاة الآخرين إلى صنع المركبات المائية. ولاشك أن عدم المبررات شجعه انعدام مواد البناء (الخشب).تشكلت العلاقات مع رجال البحر الأوروبيين، بشكل متقطع، على مر قرون، عندما كان هؤلاء الأوروبيون يأتون بحثا عن الصمغ العربي، مقابل موادهم، أو عندما تجنح سفنهم على الشواطئ الصحراوية وياتون إلى خيام البداة بحثا عن ملجأ.إن هؤلاء الناجين من الغرق، الذي يأتون من حين لآخر من الشواطئ، ظمآنين، منهكين، جائعين تائهي النفوس، لم يثيروا في كل الحالات سوى الشفقة أو على الأكثر الازدراء. البحر بدوره، مثل الصحراء، كان ينظر إليه أنه وقاية طبيعية، لم تتطلب يوما واحدا الرقابة كما أنها لم تكن مرة واحدة مصدر كرب. والدليل الواضح على ذلك هو أن البحر لم يشجع غزاة ولا عدوانيين، حتى المستعمر عجز عن استغلاله والدنو من الشاطئ مباشرة لكي يسيطر من خلاله على المنطقة التي ستعرف فيما بعد باسم موريتانيا. الشواطئ غير المضيافة، وانعدام الماء الشروب، وغياب قرى وتجمعات سكنية على الشواطئ، أو قريبة منها وتشتت السكان وضعف كثافتهم على الخلفية القريبة من البحر، فعلت فعلها وصرفت نظر المستعمر عن محاولات ستتضح بسرعة أنها خاسرة. البحر لم يكن بالنتيجة سوى مدد من الماء لا متناه، مسالم ولا يأتي بأي مكروه. الآن الأمور تغيرت كثيرا، مثلما تغيرت بالنسبة للصحراء. بدلا من أن يكون البحر حاجزا يفصلنا عن العالم، أصبح في الواقع هوا لصلة الأساسية مع العالم الخارجي. أصبحت المدن الشاطئية هي أثمن وأنفع المدن وأسهلها اتصالا كما أنها بالمقابل هي أكثر المدن ضعفا ليس فقط أمام الهجرة غير الشرعية ولكن أيضا في حالة خطر خارجي. أصبح الآن، ينظر إلى البحر أنه مصدر ثروة وحتى مصدر قوة. ذهب البعض إلى القول: لا يوجد بلد صغير له واجهة بحرية.لم يعد هنالك بلد يكتفي بشواطئه القريبة وتمددت المياه الإقليمية إلى مئات الكيلومترات. جعلت الثروة السمكية والثروة النفطية والغازية تحت المياه وغدا معادن الأعماق في البحر دافع صراع مرير بين الدول بسبب ما يحتويه البحر من خيرات وما يمثله في ذاته ولكن لأنه أيضا يمكن من السيطرة على الأرض القارية. أمام هذه المعطيات سوف لا نتعجب من كون الدول القوية، إضافة إلى احتوائها على خيراتنا السمكية، تريد أيضا السيطرة على مجالنا البحري، على مياهنا الإقليمية وشواطئنا.كل سلطة، وخاصة إذا كانت ديمقراطية، ستقيّم قبل كل شيء على مقدرتها على الحفاظ على صلاحيات السيادة غير القابلة للتصرف وعلى رفع التحدي الذي يتكلم عنه الجنيرال ديغول: "إن دولة لا تتحمل مسؤولية الدفاع الوطني لم تعد دولة". ب- الرجال: إذا كان الإطار الجيو- استراتيجي، الصحراء، والبحر والنهر، الذي من المفروض أن يكون ثابتا قد تغير، أي أن نظرتنا وإدراكنا لهذه المعطيات المادية يتغير، وأن هذا الإطار ليس ساكنا أو جامدا، بل نسبيا، بالنسبة إلى الإطار الجيو- استراتيجي العام الذي يحتويه، فذلك يعني أن الرجال وحاجاتهم وتطلعاتهم ومثلهم المبدئية خالون من المطلق ويتحكم فيهم بدرجة زائدة قانون ديناميكية التطور والتغيير المستمر في الأشياء والظواهر.إذا كان بإمكاننا أن نحافظ على مصطلح الحاجات والتطلعات، والمبادئ، فإن علينا أن نبحث في بعدها النسبي، أي في الواقع، ما يمكنها أن تعنيه في عام 2007، هل هي بدرجة من الثبات والعمومية لكي تستحق الاستهداف ومن جهة أخرى هل هي بدرجة من الواقعية تجعلها منسجمة مع مستوى تطورنا وقدرات وعينا السياسي لكي تكون في متناول التحقيق على مدى دورة انتخابية، لأن كل أفق آخر في الديمقراطية هو مضلل. 1- تأمين المواطنين: الحاجة الأولى الملحة للناس هي الأمن، أمن أرواحهم وأملاكهم.المواطنون المسالمون تجتاحهم موجة قلق على أنفسهم في قعر منازلهم، في نومهم، وعلى أموالهم. فهذه حالة لا تحتمل بالنسبة لبلد ليس في حرب داخلية.الأمن العام لا معنى له إذا كانت المواطنة غير محددة وغير مصانة. إذا كانت الأوراق الموريتانية - بطاقة التعريف والجنسية- في مهب الريح ينالها من يريدها، مجانا أو بثمن بخس، في زمن الهجرة السرية والفوضى السكانية العالمية، فإن مستقبل البلد سيصبح على كف عفريت. 2- العدالة: إن العجز في هذا المجال كبير والتطلع عميق. وهنا لا نعني العدالة الصغيرة بالمعنى المحدود، عدالة القضاة، لأن هذه أولا: ليست من أسس السياسة. ثانيا: لأنها جزء من الإدارة وإذا أصلحت الإدارة فإنها ستصلح في نفس الوثبة، وأخيرا فإن عدالة القضاة ليست، موضوعيا، على أبواب الإنصاف والحق، لأن ذلك يتطلب شرطين: أولا: أن يسلم القضاة أنفسهم لروح مهنية دقيقة وأن يكونوا قضاة يعذبهم وخز الضمير، وهو مكتسب صعب المنال ويتطلب وقتا طويلا لكي يسري في جسم متأكسد، وأخيرا يتطلب الأمر وعيا عاما يحتاج هو الآخر إلى تكوين عام لم يحصل عليه معظمهم في الأصل وهو من تلك الأمور التي لا تكتسب بعد عمر معين أو يصعب دخولها في السلوك. ثانيا: أن تكون القوانين عادلة. إذا كانت القوانين تهمل الجور والتعسف وتجاوز السلطات والجرائم الكبيرة في حق المجموعة الوطنية فإنه ليس بإمكانها أن تكون عادلة.إن عدالة القضاة ستكون عادلة عندما يخضع لها الحاكمون والأغنياء محمد يحظيه ولد ابريد الليل