أود قبل أن أدخل في صلب الموضوع الإشادة بهذه المبادرة وأن أعبر عن أمتناني لأصحاب المشروع إضافة إلى كونهم مثقفين و إن دورهم لا ينحصر على إرضاء الآخرين و لكن التعبير عن الجرح و قول الحقيقة و التنبؤ عن الخطر الذي يحدق بهم.
اتجاه تلك التهديدات فإننا نرحب بالمبادرة التي تجسد ما مدى الحكمة و الوطنية. و يمكنني أن أشير أيضا إلى طابعها المجيد و التاريخي. وفي هذا الصدد فإننا لأول مرة في تاريخ بلدنا نختار التحدث عن مشكلة الوحدة الوطنية بصفة مباشرة كموضوع رئيسي دون غموض....
إن التحفظ الوحيد الذي أتقدم به يتعلق بالطريقة المختارة تتمثل بحصر المواضيع التي يقترح علينا نقاشها و لكن من وجهة نظري التطرق لهذه المواضيع بصفة منفردة دون تحليل مسبق للإشكالية العامة ( الوحدة الوطنية ) يمكن أن يؤدى إلى طرق خاطئة لأننا سنعالج تلك المواضيع بفراغ و ذلك بتقديم إجابات فنية دون علاقة مع الإشكالية الرئيسية و هي بالأساس سياسية .
لخلاصة الموضوع أقترح أولا أن نحدد إشكالية الوحدة الوطنية التي ينتج بعدها معالجة المواضيع المختارة لأن المشاكل و الاختلالات المتواجدة هنا و هناك و في أي قطاع ما ناجمة عن هذه المعضلة السبب الأول للوقود السياسي. إذا كان التعليم في انحراف و العدالة معطلة أو أن الانضباط و الإنصاف تطايرا فى الجيش و ذلك عائد إلى الأيدولوجيات......
إلى التحفظ آنف الذكر، أضيف توصية أظنها ضرورية و هي الترتيبات النفسية المنتظرة لكل متدخل لنجاح هذا النقاش : روح الانفتاح و الإنصات و الإرادة الحقيقية و الواضحة للبحث و إيجاد الحلول .... ندخل الأن في صلب الموضوع الأسئلة المطروحة: ما هي الإشكالية و كيف تتميز و ما هي الأسباب و الحلول إن كانت موجودة . هناك مشكل حقيقي في الوحدة الوطنية أو التعايش فالوحدة الحالية هزيلة و ذلك نقولها و هي مهددة و لماذا .
هناك مشكلة حقيقية(الوحدة الوطنية) او التعايش, الوحدة الحالية هشة فلنجرؤ على قولها مهددة بالتبخر لماذا؟ فالوحدة في خطر و ذلك ناجم عن انفصال و ضعف التوازن بين المكونات الوطنية إبان خروج الاستعمار فبالأمس كانت مكوناتنا الوطنية تتقاسم الأعباء و اليوم فإن مكونة واحدة وطنية أو مجموعة قبلية تحتفظ بجميع الحقوق و تراقب و تهيمن على جميع مرافق الدولة و جميع القطاعات الحياة العمومية بسبب أو تواطؤ مع الدولة .
إن حقيقة السلطة السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الثقافية و الاجتماعية و الإعلامية بيد مكونة واحدة وطنية تهمش الزنوج و لحراطين و هذا التمييز أو عنصرية الدولة المقام بها تستدعى ردة فعل و بشعور قوى للظلم و الاضطهاد و بالتالي شعور بعدم الاهتمام بالمتضررين و لكن لا يمكن لأي شخص كان صحيحا أن يعيش دون الشعور بقيمته الفردية كما قال جريفن . إن العدالة الكبيرة و السياسة التي يمكن للدولة ضمانه و توزيعه على الجميع بدل لعدم المساواة و الظلم الذي يطبع الأنظمة الحاكمة. لتوضيح ذلك فإنني سأعطى أمثلة دقيقة لذلك التميز:
- في القوات المسلحة و قوات الأمن فإن القيادة الرئيسية تتكون أساسا من العرب البربر و الزنوج و لحراطين يشكلون القوة الكبيرة المتواجدة في أسفل الهرم ، كاستفزاز لذلك فإنه تم اعتماد اللغة العربية كاللغة لهذه المؤسسة وذلك لإقصاء الزنوج الذين تأثروا من الصمت الطويل لأحداث 1986-1990.
- إذا اعتبرنا النخبة المدرسية أي مدارسنا الكبرى كمدرسة المعادن و مدرسة الطب و مدرسة متعددة التخصصات و مدرسة القضاة و الإدارة العليا و المدرسة العسكرية و مدرسة الضباط فإننا نلاحظ أن جميع هذه المدارس تكتتب بنسبة 99 بالمائة من مكونة العرب البربر وللتذكير فإن السبب الرئيسي لهذا الإقصاء العنصري لمجموعة الزنوج الإفريقيين هو الإصلاحات التربوية التي قيم بها و التي تهدف إلى فرض أو استخدام اللغة العربية لأغراض تميزية و اضطهاديه . إلى جانب اللغة الفرنسية اللغة الأجنبية و التي من خلالها يحصل جميع الأطفال على فرص متساوية ، فقد فرضت علينا اللغة العربية وذلك بتجزئتها إلى مواد متشعبة عددها خمسة و لها ضوارب (2 أو 3 ) وذلك استقصائيا للتلاميذ الزنوج . إن الفشل الكبير للتلاميذ و الطلاب الزنوج في الامتحانات و المسابقات يرجع بالأساس إلى هذه الوضعية. يجب الفهم جيد ا كما أشار إليه أحد أن الوحدة الوطنية لا يمكن فرضه على لغة و لكن الوحدة تحصل عندما نتحدث بنفس التعبير أو بالأحرى نفس اللغة .... على مستوى وسائل الإعلام لم تسند أي منها لزنجي إفريقي و بعد الساعة 9 أو العاشرة فإن جميع القنوات الخصوصية و العمومية تبث باللغة العربية أو الحسانية و حتى الصباح ، إن جزءا قليلا من الوقت يمنح للغات الوطنية الإفريقية و في فترات من أسوء الاستماع. لإكمال تلك الأمثلة انظروا تمثيل المكونات الوطنية في البرلمان : - يضم البرلمان الموريتاني 203 برلمانيا ( نواب و شيوخ مجتمعين ) من بين 203 برلماني يوجد 150 من العرب البربر أي 73 بالمائة مقابل 20 من لحراطين و 33 من الزنوج بينما المكونتين الأخيرتين تشكل ما يقارب من 80 بالمائة من مجمل السكان ، الحالة الثانية من التميز مثلا: كيديماغا الولاية الجنوبية التي تضم 207000 نسمة و ولاية أدرار62000 نسمة هذه الأخيرة يمثلها في البرلمان 5 نواب و 4 شيوخ بينما كيدماغا يزيد سكانها ثلاث مرات على أدرار لا تحصل إلا على 6 نواب و 2 من الشيوخ أين الإنصاف. سأتحدث عن قطاعات العدالة و الاقتصاد ( المصارف و المؤسسات الخصوصية و العمومية ) التي غاب عنها بعض المكونات ، إن تقييد غامض تم تنفيذه من طرف لجان عرقية أحادية من الواجب عليها إحصاء ساكنة متعددة الأعراق، التقييد يقسم الزوجان، الأم والطفل يمنح لأحد منهم الجنسية الموريتانية والآخر عديم الجنسية.
في بحث تحت عنوان التوزيع الجهوى للوظائف العليا للدولة التي قيم به سنة 1990 فإن الباحث دحان ولد الطالب عثمان يؤكد أن الدولة الموريتانية تظهر على أنها اتفاق بين القبائل الكبيرة في القضايا العقارية بموريتانيا السلطة السياسية 12 بالمائة ، السلطة الاقتصادية 6 بالمائة ، السلطة الإدارية 21 بالمائة ، السلطة الدبلوماسية 12 بالمائة ، السلطة العسكرية 15 بالمائة .
ماذا بقى من هذه الأرقام اتجاه حقيقة 2014 لا شيء...... نظرا لهذه الأمثلة حول التميز و عدم المساواة فإنه يمكننا أن نؤكد أن صعوباتنا الحالية للتعايش السلمي الناتج أساسا عن غياب العدالة ، ليس من الناحية المحدودة و لكن العدالة الكبيرة للوقود السياسي كما قالها يحيظه تلك العدالة التي تتكفل بها الدولة لجميع مكوناتها . ويرمز لهذه العدالة الإنصاف ، المساواة في الفرص ، المساواة في الحقوق المكتسبة ، المساواة أمام القانون الذي يمكن للفقير و المتضرر الاعتماد عليه .
ولكن للأسف الشديد فإن الدولة أصبحت أداة لخدمة مجموعة عرقية واحدة، لخدمة أعضاء أقوياء من هذه المجموعة العرقية. إن التعايش يتطلب نوعا من احترام التنوع الثقافي و العرقي و الديني.... إن لم يتحقق ذلك فلا مبرر له. أحيانا يقدم لنا مبرر الأغلبية لتبرير النظام الأحادي الحالي أي أن الأقلية لا يحق لها الحصول على الحقوق إلا بهبة وبعطاء من الأغلبية.
إن من المصادر الأساسية لمشكل الوحدة الوطنية الذي نوجهه و يجب البحث عنه في إيديولوجية قاداتنا الذين تنقصهم الرؤية البصيرة و يعتبرون أن هذه الدولة عربية رغم حقيقة تنوعها و ذلك دون تفحص و استخدام المفاهيم التالية : الوحدة – الأمم - الوطن . ما ذا يريد هؤلاء الآباء المؤسسين؟ و ماذا نريد نحن؟ هل نريد أن نتحد؟ أو نوحد أممنا؟ هل نبحث عن بناء وحدة أو القيام بوحدوية؟ إذا اعتمدنا الوحدوية مكان الوحدة فإننا نحذف كل هوية غير عربية من أجل جفت ولادة أمة عربية على ازدراء من كل هوية غير عربية.
إن أباءنا المؤسسين و من أخلفهم ضللوا كثيرا في مفهوم دولة الأمة التي لم توجد مكان الدولة متعددة الأمم الملائم للحقيقة الإفريقية .
وحدوي لتعدد الأمم و اللغات و الثقافات. إن مفهوم دولة – الأمة غير ملائم مع الخصوصية الإفريقية المتعددة و بصفة منطقية تباينية حسب تيشبي دولة – الأمة تذكر الشيخ أنتا جوب الحضارات البربرية التي تفترض مسبقا أمما أصبحت متجانسة بالعنف هذا ليس الحال بالنسبة لنا . في الحقيقة إذا كانت وحدتنا سيئة فالحقيقة فإنها كانت واجهة معوجة الساقين و تشبه بوحدة الفارس مع مطيته .
إن شرح الأزمة الحالية للوحدة الوطنية يمكن تلخيصه بصفة مبسطة في العبارة التافهة : أمس كانت المطية تتضرر مما ترفضه و اليوم ثائرة و ترفض أن يجلس عليها و هذا ابسط ما يقال . ما هي الحلول قبل عرض وجهة نظري حول الحلول المحتملة أود الرجوع إلى تلك المشار إليها هنا و هناك و التي أتحفظ عليها كثيرا . أولا الحل بالإسلام إذا كان الإسلام كما يزعم البعض عنصرا موحدا 100 بالمائة فإننا لن نشاهد ميلاد هذه الانشقاقات منذ أولى طفولته وذلك فورا بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
ألاحظ أن الإسلام الموريتاني انطلاقا من عبارته و مواقفه و صمته هو إسلام خاص ذات سرعتين و أخيرا إذا افترضنا أن الإسلام هو الحل الجيد لمشاكلنا أين المسلمون لتطبيقه. أخيرا أرفض هذا الحل إزاء التجارب التاريخية في الهند و لباكستان و بنغلادش و العراق و السودان الذين أكدوا أن العنصر الرئيسي للتعايش الجيد ليس العامل الديني و لكن العامل العرقي. فلنظر الآن الحل عن طريق الديمقراطية الذي يسانده بعض التيارات.
أؤكد مسبقا أنني لا أنتسب له . فلنتذكر أن الديمقراطية لبرت يد لم تقضى على التميز العنصري و البانت ستان في إفريقيا الجنوبية كما هو الحال للديمقراطية الولايات المتحدة الديمقراطية الأولى في العالم التي تتميز بالعنصرية اليومية ماذا نقول أخيرا في ديمقراطيتنا الموريتانية التي تتميز بتطبيع الرق و العنصرية ونفى الإنسانية و المواطنة . نرى جيدا أنه يمكن في ظل مساواة في المبدأ تموه التميز العرقي و الاستعبادية.
نزيد على ذلك المواطنة – الديمقراطية المنافية للرؤية اللبرالية التي لا يمكن انفصالها من العرق كما يذكرنا تيشبى . إن المواطنة العرقية و الثقافية الحيادية التي تدير الفرد بفعل متبادل على الفضاء العمومي فهي مواطنة غامضة و خيالية و أكثر من ذلك في السياق الإفريقي. إن التعبئة في مجال المواطنة غير قابلة للتجزؤ الثقافي و العرقي كما يدعم ذلك سليمان بشير جانج و يتسأل هل العرقية تعد شكلا من المواطنة .
لا الحل عن طريق الديمقراطية أو الإسلام لم تكن من عندي و يظهر لي أن هذا الحل خداع و لكن إن كان الحل يجب رغم كل ذلك تطبيقه فإنه يجب اعتماد قواعد معدة مسبقا تؤسس إجراءات الوحدة بالطريقة السويسرية و البلجيكية ، أو البوسنة أو لبنان أو برومانيا . هذه التحفظات قيم بها فما الحلول الحل عبر الخطوط المبدئية ، قاعدة أساسية و عادلة و مستدامة .......
إذا كنا نريد أن نعيد تشيد وحدتنا و بنائها بناءا جيدا فإنه يجب أن نعتمد على قواعد عادلة حول الخطوط المبدئية و هي المساواة، مساواة في الشرف، الاحترام المتبادل، احترام الفوارق، فصل المتوازن للسلطة، العدالة الاجتماعية. مهما كانت الحلول الخاصة المقدمة من طرف الآخرين فالمهم أن هذه الخطوط تشكل الدعامة الأساسية. من هذه الخطوط المبدئية سينتج عن ذلك تعديل راديكالي لرؤيتنا للوحدة الجارية . فإعادة تعريف جديد لهوية البلد ، انقطاع تام مع ممارستنا الحالية .
ولهذا فتمشيا مع هذه الطريقة نقترح الحكم الذاتي عندما يتم تسوية إشكالية الوحدة فإننا سنتجه إلى مصالحة وطنية مسلسلها يتشكل من ثلاث مراحل: تهدئة المناخ الاجتماعي عن طريق إجراءات إيجابية تتجه نحو تسوية شاملة للإرث الإنساني و الآثار السيئة للتقييد و نداء اتجاه قوى منظمات محاربة العبودية للاطمئنان . نقاش و طني الذي ينجم عنه حلول توافقية تتعلق بالمحاور الكبرى للإصلاحات الدستورية ميثاق التعايش ، فصل السلطات ، التوزيع المتوازن للسلطة ، حقوق وواجبات المعارضة ، حكومة توافقية أو عكسا لذلك رقابة أعمال حكومة الأغلبية من طرف المعارضة ....
مؤسسي إدارة مشتركة ذات رئاسة دورية، مرصد وطني للحريات و التعايش..... يتبعون فقط ذلك. المنتديات العامة... للقوات المسلحة ، للتهذيب ، للعدالة ، و الإدارة .....
إن المشاكل المطروحة تلازميه لكل المجتمعات و المجموعات البشرية وعندنا البعض منها يجب علينا أن نضع إشكاليتنا للتعايش رغم قوتها و شدتها في إطار المحاربة الطبيعية بين المجموعات البشرية المدرجة في السياق الطبيعي و العادي للأشياء المدارة بالقوانين الطبيعية قوانين سوسيولوجية ....
إن حكامنا يتحملون الكثير من المسؤولية بسياساتهم المؤذية فيما يحدث فإن القوانين الطبيعية تحكمنا و التي لا مناص منها . هكذا وحسب الشيخ أنتا جوب نقول ذلك بالقرب الذي يطرح و يقول عندما تتقاسم مجموعات عرقية نفس الفضاء فإن اتجاه كل واحد منها لا يتمثل فقط بالاضطهاد .
هناك قانون أخر يقول عندما تكون نسبة الأقلية تتزايد فإن محاربة الطبقات تتحول إلى محاربة اللون. إن فهم هذه الظواهر يساعد على إعادة مكانة إشكاليتنا في إطارها السليم و الصحيح و توجد هناك قوانين أخرى مثل قانون المسافة و قانون النمط الظاهري اللذان يشرحان بدورهما طبيعة العلاقات بين المجموعات البشرية .... و لكن هناك قوانين الطبيعة و إرادة الرجال ....
مع إرادة قوية و مؤكدة بصفة واضحة للرؤية فإننا سنصل إلى استيلاء على القوانين و سننجح في نقل الجبال و حل كل إشكالية مهما كانت معقدة أو صعبة كما يقول المثل لا شيء و لا شيء يمكنه أن يقف إرادة دون تحفظ. إن المنطق و الصواب الذي يمر على الأذن هو أن الإقصاء الاجتماعي سينفجر و سياسيا أكال و اقتصاديا سيئا إذن علينا أن نستعيد السيطرة و نفعل كالبرمان كيف يمكن لكل أحد منا أن يساهم في جلاء و عظمة موريتانيا . يجب علينا أن نستعيد السيطرة على أنفسنا.....
ترجمة " الصحراء