من دولة استراتيجية إلى دولة تكتيكية
بعد مصادفة أغلب توقعاتي حول الحرب في أرض المسرى لمسار الأحداث لاحقا، وتردي دولة أهل مانسمو في عمى هزيمة الأهداف ، سأضيف اليوم حكما في قالب توقع جديد، وهو أن ما يسمى دولة إ.س.ر.ائ.ي،ل الاسترتيجية انتهت..
رغم أنها لاتزال موجودة باعتبارها كيانا تكتيكيا، والوجود التكتيكي يختلف جذريا عن الوجود الاستراتيجي بخمسة أمور أساسية في حالتها الراهنة:
1. الكيان التكتيكي، كيان تلعب فيه العوامل والظروف الطارئة والخارجية دورا محوريا. أما الكيان الاستراتيجي فإن العوامل الجوهرية في بقائه عوامل ذاتية.
وإذا نظرنا إلى خارطة العوامل الذاتية لاحظنا أنها انحسرت بشكل واضح عن هذا الكيان،-كان أغلبها مستنبتا في الأصل من الخارج- وبرزت العوامل التكتيكية وصدفها باعتبارها مسائل متحكمة. وأهم مثال على ذلك الرد الافتراضي على السائل: ماذا لو منع مؤازرو الكيان التكتيكي دعمهم الخارجي؟
2. تمزق الصورة البراقةلكل كيان صورة، تشبه إلى حد بعيد خارطته المعنوية في نفوس أصدقائه قبل أعدائه.
وهذه الصورة هي التي تضمن دوام الإسناد. فإذا تمزقت هذه الصورة، خاصة بأيدي أركانه، وعلى الملأ، فإن البنية الاستراتيجية لصورة القبول، خاصة بين الأصدقاء. والحماة محمدد أساسي.والأحداث الأخيرة، ونبرة التحدي وتعمد تمزيق الصورة المبنية بجهد جهيد، أدت إلى حالة الخضوع للصدف التكتيكية وزوال البقاء الاستراتيجي للصورة النموذجية التي كانت سائدة.لقد نجح المقا.و.مون في إقناع أعدائهم بخلع جميع الألوان البراقة لثيابهم، بتمزيق ثيابهم نفسها أمام الصديق قبل الخصم.
وذاك هو مربط الفرس الذي بجعل المعتدي يفضح نفسه أمام حاضنيه.
3. انكشاف استنفاد الخزين الاستراتيجي عندما كانت طائرات إس.ر.ائيل تدك قواعد الطائرات المصرية وغيرها خلال هزيمة حزيران 1967 كان أبا إيبان، يرسم للغربيين صورة بلاده باعتبلرها كلبا وديعا مربوطا بحبل في سارية وحوله عصابة من المتوحشين تضربه بالعصي والفؤوس. ودماؤه تنهمر.
وفي كل مرة كان هذا الخزين يزداد بعد كل نزاع إقليمي أوثنائي.
هذا الخزين الذي كان استراتيجيا تم نهبه، وحل محله تحصيل مستعجل، عماده الكذب اللحظي، عبر البراعة الإعلامية، لكن هذا التحصيل اليومي لا يبقى إلا أقل من يوم واحد وينفد.وبالتالي فإن حالة الرصيد المستنزف لحظيا، إضافة لاستنزاف الرصيد السابق، تحت الأضواء الكاشفة، أنهى ركام الخزين الاستراتيجي وحال دون تجدده.
5 . خسارة المظلومية الإنسانية كانت المحرقة وعيا غربيا، وصل إلى درجة المقدس، بحيث يمكن للإنسان أن يخوض في كل الحقائق المقدسة والتاريخية، إلا " المح..رقة".كانت هذه الثيمة المحرمة رأس مال معنوي استراتيجي، لاتستطيع يد أن تتحرأ عليه.
ولأن التعويض النفسي الجمعي يستدعي إشباع حاجة التفوق التعويضي باقتراف نفس الفعل تجاه ذات أخرى من طرف الضحية، فقد فجرت الأحداث الأخيرة فعل الانتقام التعويضي المؤسس للمظلومية، فحدثت الكارثة المرتدة، وهي إحراق المظلومية المؤسسة بمظلومية من جنسها أو أشد منها نوعيا ووحشيا.
وهكذا انتهى الرصيد الذي كان مقدسا يوما، وأصبح هشيما تذروه الرياح.
هذا الحدث التاريخي الجوهري نقل الوعي البشري من حالة تعاطف كامل مع مظلومية (الم.ح.ر.قة)، الاستراتيجية، إلى مظلومية على أيدي ملاكها الذين أفلسوا استراتيجيا، ولم يدركوا بعد واقع خسارتهم المريعة، التي ستنكشف لهم بعد خيبة الحصاد المؤلم.
6. تصاغر الأهداف وتكابر الطموحات من العلامات الشاخصة على تضاؤل الوعي الاستراتيجي، وتحوله إلى وعي تكتيكي لحظي، وضع غزو مدينة واحدة في جبهة واحدة هدف استراتيجيا، بدل فتح جميع الجبهات وغزو كل الجيران وكل السوح.. واكتساحها.هذه الحالة تدق إسفينا عميقا في صلب الوعي السائد لدى "أهل مانسمو"، وأهم من ذلك ربط الانتصار المتوقع بنتائج معركة جزئية. مما يعني الاعتراف بالهزيمة في ما سبق..
لقد وقعت الهزيمة الكلية فكيف يمكن تعويضها بانتصار جزئي، بل هزيمة أخرى محتومة، إذ لاسبب جديدا أو متجددا للانتصار.
5- تفسخ السندلقد عبر زعيم الأغلبية الديمقراطية في الدولة الحاضنة عن موقف جديد، ستحوله الأيام إلى صدع متزايد في جرم السفينة التي تمخر الموج العالي، ألا وهو أن "إ. س.را .ئيل ليست بيد أمينة عليها، وحالتها تتطلب الإنقاذ من أيدي الربان قبل غيره.
لهذه العوامل الخمسة وغيرها أرى أن دولة أهل مانسمو تحولت فعلا من حالة الوجود الاسترلتيجي إلى حالة الوجود التكتيكي، وسيسعى الحادبون عليها إلى إعادتها لحالها الأول، وهو ما يتطلب منهم جهودا أكثر من جهودهم في التأسيس والتشييد.والأيام ستفصح بالتأكيد.