من يعيرني قريبا نافذا نافعا! د دداه محمد الأمين الهادي

اثنين, 2015-03-09 00:17

أدرت عيني في المشاهد الكبرى في وطني، فوجدت كل ذي قريب نافذ نافع يصل المبتغى، وكل ذي قريب نافذ ليس بنافع يبقى يراوح مكانه، فقلت لنفسي لم لا أستعير من القوم قريبا وقرابته حتى أقضي من هذا العالم وطري، وفكرت حتى بالمبادلة، حيث أدفع قريبا بلا معنى ولا مبنى، وأحصل على قريب نافذ نافع، أي قريب مع المتلازمتين، فلن ينفعني مجرد قريب، ولن يفيدني قريب صفته الأساسية النفوذ، وأطلب الله أن يجنبني القريب الضار، الذي صفته معاكسة تماما للنفع، ولا يؤاخذني أحد بما في السطور، فلست –علم الله- لا نفعيا، ولا وصوليا، ولا برغماتيا، ولكنني أتلهى بالكتابة، وأتضاحك من بلوى قلة الوساطة.

أيها الناس لا تعرفون الخير في ماذا؟، وربما بدفعكم قريبا لكم لي إعارة تفيدونني، وتحصدون الأجر، فلا تعلمون حقيقة أقاربكم، فبعض الأقارب للأباعد نفعا، وللأقارب ضرا، فادفعوا به عنكم قد تحصلون على بديل من عندنا.

وقد يتجاسر البعض منكم، ليقول لي: "إن كتابة كهذه لا تليق"، وعندها أتشجع لكتابة المزيد، فأنا في بلاد ما لا يليق، في بلاد تتحدث الدين، والصلاح، وتقتل الضمائر كل صباح، وفي المساء تشنق المسيح!

أنا أتسول اليوم قريبا نافعا، أنا أكتب حروفا لا أخاف عواقبها، فإما أن تجلب محسنا محبا للخير يمنحني ما طلبته، وإما أن تبقى بعدي شاهدة على حالة من ضياع الأيتام على موائد اللئام.

ولم آت بهتانا، ولا إدا، وكلما فعلته أنني أعدت سيمفونية الواقع بلغة الضاد الفصيحة، فالذين يخرجون صباحا في اتجاه الإدارة عندنا يتسمرون حول العمال والزبناء بحثا عن وجه مألوف لديهم، عن وجه قريب أو غريب شاهدوه يوما في حيهم، أو سمعوا في أقاصيص أجدادهم أنه قريب لهم، ومن حقهم أن يبحثوا في عابري السبيل عن منقذ، أو منفذ إلى حق يضيع كلما لم تكن تمتلك قريبا نافذا نافعا ينجيك من بؤس قلة الوسيط، لا سيما إن لم تكن قادرا على الرشوة وأخواتها، وتقديم "البقشيش و الكومسيوه"، ولا تحدثني عن خوف ربع الأحبة من الله، وتقواهم، ونقائهم سريرة وجريرة، فأنا وأنت نعرفهم، وهم يعرفون من هم؟...

هذه البلاد لو ملكت فيها قريبا نافذا نافعا، أو أبا لصا كبيرا لكنت مختلفا تماما، أركب للصين صباحا، ولواشنطن مساء، وأتصدق على شعب "الموفو" عابد الصخور بمدرس عقيدة إسلامية صحيحة، وأمتلك حظائر بشر وبقر وإبل ومعز، وقبل أن يحط الجمال راحلته عند الباب، أي قبل أن يزورني ملك الموت سأقسم أملاكي على الفقراء والشحاذين، فأنا أخاف أن أتقدم في مواكب الآخرة وعلى ظهري الثاغية والراغية وصامت الدراهم والدنانير المسروقة من مال بؤساء "مندز والترحيل"، أنا خائف من يوم تبقى فيه الديار المنهوبة مكانها، ورصيدي في البنك مكانه، وزوجتي وأبنائي مكانهم، وأذهب أنا وحدي لحفار القبور، يحثو على وجهي من رمل البلاد، التي استعبدتها، وسلبتها معاشها وأقواتها، وعصيت الرب كي أكون طاغية في ربوعها.

-أستغفر الله –لقد أخذتني لحظة تفكر في الآخرة، وما أقل أن تأخذنا لحظات التفكر والتدبر في الآخرة!

أعود أتسول منكم القريب النافذ النافع، وألتزم أن لا أطيل غيابه عنكم، فقط لساعة أو لاتصال يقضي الغرض، وأعيده لحد عتبة الباب، وافهموني رجاء، فلا أريد أنا سوء الفهم، والحال صعب دون المستعار المطلوب.

وثقوا أنني سأسلمكم قريبكم بسرعة البرق، فأنا على يقين من أن الآخرة يوم يفر المرء، لا يوم يصطحب، ولست مثل بطل سابق ماتت أمه أمام عينيه بسبب انعدام الخبز، وظل يصارع الحياة وحيدا بلا معين، وكان دائما يحمل مسدسه، ليرهب الناس عنه، ومرة اشتبهت فيه الشرطة فأطلقت عليه النار، وإذ كان يلفظ أنفاسه، أخذوا مسدسه، فوجدوه بلا رصاص، فناولهم وهو يحتضر رصاصا من جيبه، وقال لهم: لست قاتلا، أنا أخيف الناس كي يتركوني وشأني، وفي جيبه وجدوا خبزة، فقالوا له: لم الخبز؟ ..، فقال: أخاف أن تكون الحياة الثانية مثل الأولى، صعب فيها الحصول على الخبز. سبحان الله.

د دداه محمد الأمين الهادي