"وحدها الحياة التي يحياها المرء من اجل الآخرين هي حياة ذات قيمة".. ورب موت كالحياة..وقد كانت حياة المغفور له بإذن الله لمرابط سيدي محمود ولد الشيخ أحمد الذي اختاره الرفيق الأعلي لجواره مساء الأحد 08 مارس 2015 عن عمر ناهز 59 سنة حياة ذات قيمة نوعية هائلة، لأنها كرست لأعمال تنفع الناس وتمكث في الأرض.
المرحوم لمرابط سيدي محمود رجل خارق وهبه الله شمائل وطاقات مميزة وهيأ له تسنم ذري المجد والعطاء.. كان الرجل سحابة أمطرت ربوع الوطن على مدي نصف قرن وروت أرضه بمائها الزلال.. وكما هو معلوم فحين يرحل العظماء ترحل الأجسام وتخلد الأعمال.. كان الرجل مثاليا ومميزا في كل شيء.. في دراسته التي انتهت بتفوق.. وفي مساره المهني الحافل بالعطاء، فقد خدم الجمهورية الإسلامية الموريتانية من كل المواقع وترك بصماته الإصلاحية الحداثية في كل القطاعات التي مر بها.. زرع الانضباط وزرع روح الجدية والمثابرة.. وزرع هبة الدولة وتقديس رموزها واضعا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
المرحوم لمرابط سيدي محمود إنسان خلوق مهذب يحب العلماء والأولياء والضعفاء ينزل الناس منازلهم.. اتسم بحلاوة المعشر وبدماثة الخلق وبالشهامة والأريحية.. إن تواصلت معه عن قرب غمرك بأخلاقه الراقية وجذبك بوضوح رؤاه الفكرية الراسخة في أديم الثوابت الجامحة في مور المتغيرات.. وإن عملت في رحابه لقنك دروس الجدية والمثابرة والعناية بكل التفاصيل.
خلال لقاءات جمعتني به بالمدرسة الوطنية للإدارة آخر محطاته التي وسعها لتصبح مدرسة رائدة للإدارة والصحافة والقضاء وتصبح أهم مدرسة في البلاد والتي كان هو مديرها العام وكنت مجرد متعاون شعرت أن الرجل لا يقيم كبير وزن لتراتبية المقامات الشكلية وأنه ينفذ ببصيرة ثاقبة إلي جوهر غاياته من كل لقاء.. وأنه يجيد إدارة البشر وموهوب جدا.. واسع الثقافة ويستخرج منك أفضل ما عندك مما يخدم عمله ويخدم الصالح العام.. وعلى عكس ما يتصور الواهمون لم يكن الرجل جهويا رغم علو كعبه الجهوية.. ولم يكن قبليا رغم انتمائه لأكبر مجموعتين قبليتين في البلاد.. كان موريتانيا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني الوطنية وبكل ما ترمز له من روح تضحية ونكران للذات ومن علاقات اجتماعية وإنسانية متشعبة في كل الاتجاهات.
اذكر أنه كثيرا ما كان يردد أمامي بأنه ليس مع أحد ولا ضد أحد بل هو مع موريتانيا.. وأن المصلحة العامة هي بوصلة قربه أو بعده.. ويلاطفني دائما قائلا "حين تراني يا أستاذ أحمد اقترب من هذا الرئيس أو ذاك فثق أن ذلك بدافع المصلحة الوطنية".
كان مؤمنا بأن الدول تبني بالتراكمات وأن أوراش بناء الوطن تتسع للجميع وكان ينتهج مقاربة تقوية الدولة المركزية لكي تتمكن من تأطير لا مركزية تنموية حقيقية تحرر الطاقات الجهوية وتعزز مساراتها التكاملية مع نظرة ديناميكية لضرورة التكامل الاقليمي والعربي والإسلامي وضرورة الانفتاح والإبحار المؤمن في أشرعة الزمن الجديد.
طبعا لا يتسع المقام هنا لبسط أفكار الرجل فهو مفكر حداثي تطوري اصلاحي من النوع المنفتح المرن الذي يقرن الأقوال بالأفعال ويتمتع بقدرات خارقة على استخلاص العبر وتدبر الحاضر واستشراف المستقبل.
تغمده الله برحماته وأسكنه فسيح جناته وجازاه عنا أحسن الجزاء.
فـ: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
بقلم: أحمد مصطفى