كنت غارقا في البحوث لمؤسسات خارجية فأنا دائما أعمل في موريتانيا لمؤسسات في الخارج بوسائط الانترنت والتحكم عن بعد وعادة لا تربطني عقود عمل مع الدولة الأمر الذي جعلني لا أهتم لكثير من القضايا التي تحدث من حولي ..وكثيرا ما تكون هذه الأمور سياسية أو تطبخ بطبخة سياسية.
..وكنت أسمع بقضايا اضراب العمال ولذي لم تهتم به المؤسسة الاعلامية اهتماما بقدر الحدث... ربما لأنها لا تعرف الكثير عن شركة اسنيم أم لقضايا ومآرب أخرى... غير أنني لم أتصور في حياتي أن أسمع بتوقف لإنتاج وتصدير الحديد بشكل تام.. لكن يبدوا أن هذه هي الحقيقة ففي يوم الخميس الأسود الموافق 05 ـ 03 ـ2015، تم توقف انتاج وتصدير الحديد في مدينتي أزويرات وأنواذيبوا.... كان هذا الخبر كالصعقة علي ذالك أنني من أبناء هذه المدينة وأعرف ما تعنيه لأهل أزويرات خاصة وللشعب الموريتاني عامة... رجعت قليلا الى مقالات كنت قد كتبتها عن مدينة (أزويرات ) ولماذا تم تهميشها؟ رغم أنها هي الرئة التي تتنفس منها موريتانيا, الأول بعنوان:مدينة أزويرات بين لسان حال الاهمال ولسان مقال الانفصال!! حاولت من خلاله أن أبين كيف أن ساكنة أزويرات لم تستفد من خدمات اسنيم في استثمار الفائض الحاصل من ارتفاع سعر الحديد في تحسين ظروف العمال وربطها بالعاصمة أنواكشوط عبر طريق مسلفت واقتناء معدات جديدة قادرة على تحسين الانتاج وكسب مزيد من الثقة في الأسواق العالمية...وأنهم أصبحوا أكثر ارتباطا بالجزائر والمغرب والصحراء الغربية من ارتباطهم بالعاصمة أنواكشوط.. أما المقال الثاني فهو بعنوان:طريق أزويرات أنواكشوط أسمع جعجعة ولا أرى طحينا!! أردت من خلاله أن تفك الدولة بواسطة فائض الشركة العزلة عن مدينة أزويرات بانشائها للطريق الرابط بين أزويرات وأطار البالغ 300كم على نمط الطرق التى مولتها في الشرق والغرب الموريتاني وبمواصفات عالمية فإذا هي تفاجؤنا بشركات وطنية لا تعرف الكثير عن صيانة الطرق فأحرى بإنشائها!!! لكن لم يخطر على بالي أن الدولة تتنكر لمطالب مشروعة من عمال بذلوا الغالي والنفيس في انشاء شركتهم لشعورهم أن ارتباطهم بها بات عضويا وأن مصيرهم في اصلاحها وأزدهارها..وفضلت الحكومة الاستماع الى بيانات كاذبة تقول فيها ادارة الشركة بأن الإضراب لم يؤثر سلبا على الإنتاج، بل انه قد زاد في فترة الإضراب أليس أولى برئيس الجمهورية وقد شاهد كذب هذه التقارير أن يجتمع بكافة أطراف الأزمة وأن يديرها بنفسه باتخاذه لقرارات صارمة قبل أن تصل شظايا الأزمة الى كافة مفاصل الدولة الحيوية!! ليسا منطقيا أن الرئيس ليس على دراية بما قد تنجر عنه هذه الأزمة: فأول ضرر سيلحق بالمؤسسات المالية لأن فقدان السوق المحلية لمدينة ازويرات لدخل العمال المضربين والذي كان يوفر سيولة تسهل حركية السوق والمضاربات والصفقات...سينتج عنه تحول هذه المصارف إلى مجرد مؤسسات قروض... فسياسة البنوك تقوم أساسا على جانب الايداع وفي حالة انعدامها فلاشك أن القروض المتأخرة الدفع ستؤدي في النهاية الى افلاس المصارف.وستتضرر الميزانية الموريتانية حيث أن الشركة تساهم ب23 بالمائة من الناتج الاجمالي و50 بالمائة من العملات الصعبة .. أما الاقتصاد المحلي فتضرره واضح حيث كان يعتمد على مصدر دخل كبير يوفره سكان المدينة وخاصة أن أغلبهم يعمل في مناجم ومنشآت الشركة ... وقد أخبرني اليوم أحد سكان أزويرات أن البضائع الضرورية نضبت في السوق نتيجة لتوقف القطار عن العمل والنقل بين مدينتي نواذيبو وازويرات الذي كان يزود أصحاب المحلات بالبضائع وحاجيات التجارة المختلفة وخاصة ما يتعلق بمواد مثل الخضروات والدجاج والألبان والفواكه والمعلبات ، إضافة إلى الماشية من أغنام وغيرها.. والآن ورئيس الجمهورية يستعد لزيارة المدن الشرقية ماذا سيقول لساكنتها في سنة ندرت فيها الأمطار والتحويلات التى كانت تحول اليهم من أزويرات وتعول آلاف الأسر تضررت بفعل الاضراب... ليس صحيحا التذرع بانخفاض أسعار الحديد في العالم فالشركة دائما تتخطى هذه الأزمات رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة...لكن اقحام الشركة في التجاذبات السياسية هو الذي أوصلها الى هذه الوضعية.. والخطورة تكمن في استجلاب خبراء من الخارج وتعويض العمال بعمال متدربين لم يكملوا تكوينهم ومتقاعدين بلغوا من السنين عتيا.. ماذا لو انهارت هذه الأجهزة التي يبلغ سعرها المليارات؟ من خطوة عمياء من متدرب غير كفؤ ومن المسئول عن هذه الخسارة؟ وهل يسكت العمال على هذا التصرف؟ يجدر بالدولة أن تراجع سياستها اتجاه هذه الأزمة بفتح الحوار من جديد مع العمال بعيدا عن سياسة كسر العظم الذي يروج لها البعض فكلنا في سفينة واحدة مصلحتنا واحدة والصلح خير والزمن بدأ ينفد بعد أن أصيبت الشركة بشلل كامل. فهل يتدخل رئس الجمهورية لحل هذه الأزمة ؟ّأم أنه سيترك بعض من شعبه واقتصاده ينهار؟!