شكلت هجرة الشباب أزمة حقيقة للبلد خلال السنوات الأخيرة، وأحرجت الرئيس والحكومة، خلال المأمورية السابقة، ومع أن الحكومة لم تنكر خطورة الأزمة ولا تضررها منها، إلا أنها اعتبرتها نتيجة تراكمات، ونتاج سياسات و أعمال حكومات سابقة.
حسب التقارير فإن أكثر من 15 ألف مواطن موريتاني تمكنوا من دخول الأراضي الأمريكية في الفترة مابين أكتوبر 2021 و أكتوبر 2023، -عبر الحائط- زد على ذلك المهاجرين للدول العربية والإفريقية.
هذا الواقع في بلد لا يصل تعداد سكانه لخمسة ملايين، يشكل الشباب أكثر من ثلثيه، ولا تنقصه الموارد الطبيعية، يطرح سؤالين رئيسيين: أين المشكلة؟ وما هي الحلول؟
خلال السنوات الأخيرة، كانت هذه الإشكالية موضوع نقاش في عدة ندوات ولقاءات، وقد خلصت إلى سببين رئيسيين: هما فشل سياسات التشغيل الحكومية، وعزوف الشباب الموريتاني عن العمل في بعض المهن.
ولمحاولة علاج أسباب فشل سياسات التشغيل، لجأت الحكومة إلى عدة طرق لحل هذه المعضلة، فزادت من الإنفاق على مدارس التكوين المهني، و شجعت الشباب للولوج إليها، من خلال التوجيه، وتوفير تمويلات لممتهني هذه المهن (برنامج مهنتي) وغيره من البرامج.
كما لجأت إلى تمويل أصحاب المشاريع ورواد الأعمال، عن طريق برنامج خاص بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة (مشروعي مستقبلي) وبرامج أخرى آنية.
لكن هذه البرامج وإن شكلت تجربة ومحاولة للحل، إلا أن نتائجها كانت ضعيفة إلى ضعيفة جدا، وبشهادة القائمين عليها، فبرامج التمهين عانت من عزوف غالبية الشباب عنها، وبرامج التمويل عانت من فشل معظم المشاريع الممولة، ومن صرفها في غير ما وجهت له أصلا في أحايين أخرى.
وحسب ما خلصت إليه تقارير معظم الندوات التي نظمتها الجهات المعنية، فإن السبب الرئيسي في عزوف الشباب عن هذه المهن، هو "العقليات الاجتماعية" التي تحقر بعض المهن، وقد أشار إليه رئيس الجمهورية في أحد لقاءاته مع الشباب.
ورغم أن هذا السبب موجود فعلا، إلا أنه ليس بالحجم الذي يروج له، فهذا العزوف يقتصر على فئة قد لا تشكل 1/3 من الفئات المعنية، وحتى مع هذه الفئة يشكل العائق الاجتماعي أحد الأسباب وليس السبب الوحيد، لأنه حتى الشباب اللذين انخرطوا في هذه المهن تركوها لعدة أسباب أهمها ضعف العائد المادي منها.
بناء على سبق أعتقد أنه لردم الهوة بين الشباب وبرامج التمكين، أو تقليصها على الأقل ينبغي مراعاة مايلي:
أولا: بناء الثقة بين المستهدفين (الشباب) وبرامج الحكومة الموجهة إليهم، وهو ما أعتقد جازما أنه السبب الرئيس في إنشاء وكالة "تمكين"، وهي خطوة سيكون لها ما بعدها إن أحسن تنفيذها، وإدارتها.
ثانيا: العمل على وضع ترسانة قانونية قوية لخدمة تمكين الشباب في مختلف المجالات التشغيلية والتجارية، وضمان إمكانية المنافسة في هذه المجالات.
ثالثا: تنمية روح المواطنة وبناء الثقة لدى الشباب، في ظل موجة اليأس والإحباط نتيجة الخيبات المتكررة، لأنه حقيقة على الشباب أن يفهم أنه لا مستقبل لموريتانيا بدون سواعد أبنائها وتضحياتهم.
رابعا: العمل على رفع رواتب القطاعات الحكومية التي تأوي الكثير من الشباب لضمان بقائهم فيها، فلا ننسى أن من بين المهاجرين موظفين وعمالا للدولة.
ختاما لا يختلف اثنان أن هذه المشكلة، لا يوجد ترياق سحري لحلها، وإنما يلزمها برامج وسياسات جادة، يحسن التخطيط لها، ومراجعتها وتطويرها في كل مرحلة، ويبقى ارتباط أحلام الشباب وطموحاتهم بهذه البرامج عاملا أساسيا لإنجاحها.
محمدو الدوه