من النادر جدا، حتى لا أقول من شبه المستحيل، أن نرى هذا المستوى من التطابق في المواقف والرؤى والتقييم بين مختلف أطياف المشهد السياسي، بموالاته ومعارضته؛ معتدلها وراديكاليتها، حول شخصية وطنية عمومية ـ أيا كان موقعها ـ الذي ظهر عند صدور المرسوم الرئاسي المتضمن تعيين السيد المختار ولد أجاي وزيرا أول لقيادة أول حكومة في الخمسية الثانية لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، مجسدا ـ بذلك ـ اعتماده شعار "مأمورية الشباب" عنوانا لعهدته الرئاسية الجديدة.
لست هنا بصدد تعداد أو إبراز نجاحات الرجل المشهودة طيلة مساره الوظيفي المتميز وتجربته السياسية الرائدة، فقد سال بذلك حبر أقلام الكتاب والمحللين والخبراء، وضجت به أمواج المحطات الإذاعية وشاشات القنوات التلفزيونية؛ واستحوذ على عناوين الأخبار والمقالات عبر المواقع الإخبارية، والصفحات والمنصات الافتراضية..
ولست بصدد التذكير بمستوى تعاطيه ـ تجاهلا وانفتاحا وتسامحا ـ مع عواصف حملات التشويه والسباب والتخوين التي تعرض لها طيلة توليه إدارة قطار التنمية الاقتصادية لموريتانيا، وخلال كافة مراحل التحقيق البرلماني والقضائي حول ما عرف بـ"ملف العشرية"..
ذلك أن المختار خرج شامخا من كل تلك "المعارك" كما تخرج الشعرة من العجينة؛ على قول الإخوة المصريين؛ وخاب كل المرجفين من أعداء النجاح وزبانية التهرب الضريبي، وأرباب الابتزاز السياسي حين تحطمت كل مخططاتهم ومساعيهم الظلامية الحاقدة على صخرة إيمان الرجل بمصالح وطنه العليا وقناعته بأن الحق منتصر دائما وبأن الباطل كان ومازال وسيبقى زهوقا...
ما أود تناوله في هذه الفقرات يتعلق بمرحلة مبكرة من حياة معالي الوزير الأول الجديد، مرحلة جمعتني به في مدينة مقطع لحجار؛ مقاطعتنا المشتركة الجامعة، أيام الشباب والدراسة، وما اتسم به خلالها من حماس واندفاع وطموح...
كان الفتى المختار بين ـ معشر "شباب المقاطعة" ـ متميزا تماما من حيث جديته الزائدة ومثابرته الدائمة على حضور الدروس والانضباط داخل قاعة الدرس، و ذكاءه الخارق ، وكان يتسم، بين جميع أقرانه، بدماثة الخلق وبدرجة عالية من الصدق والوفاء والتواضع؛ بحيث كان كل واحد منهم يعتبر نفسه صديق المختار الأقرب.. ومن خصاله العديدة بر والديه، وتوقيره لجميع من يكبروه سنا، إلى جانب ترفعه عن كل ما يخدش سمعته أو يسيء لعلاقاته بالآخرين.
معرفتي بالرجل هي ما جعلني أتفهم تماما، عكس كثيرين، مستوى توافد المهنئين على منزله لدرجة جعلته يشق طريقه بصعوبة وسط الزحام عساه يلج إلى بيته، كما جعلت كل الطرق المؤدية لذلك البيت العامر موصدة بفعل الكم الهائل من السيارات المحملة بالمهنئين والمباركين لهذا التعيين.
وإذا كان أغلب من علقوا على تولي المختار قيادة أول فريق حكومي لمأمورية الشباب؛ باعتبار هذا الأخير "رجل المرحلة" و "الخيار الأنسب" لتولي تنسيق العمل الحكومي، فإنني أجزم بأن الوزير الأول الجديد، أثبت أنه "رجل إجماع وطني" لا مراء فيه !
أحمدو ولد إسلمو