قال الوزير الأول؛ المختار ولد أجاي، إن حداثة عهد الموريتانيين، نسبيا، بالدولة العصرية والظروف التي اكتنفت قيامها لديهم، "لا تزال تبطئ وتيرة تحول عقلياتنا ومسلكياتنا في اتجاه تمثل مقتضيات دولة القانون والمؤسسات بنظمها وإجراءاتها خاصة تلك منها المرتبطة بما استقر في الوجدان الجمعي من كون الدولة كيانا أجنبيا معاد لا حرمة له وما ينشأ عن ذلك من استسهال التعدي على المال العام والتهاون في المحافظة على المؤسسات والبنى التحتية العمومية وكل ما له طابع عام؛ علاوة على ضعف الحكامة المحلية التي هي أقوى الأدوات لبناء تنمية متوازنة في بلد مترامي الأطراف ".
وتعهد ولد أجاي، خلال عرض برنامج السياسة العامة لحكومته؛ اليوم (الأربعاء) أمام الجمعية الوطنية، بالعمل على "محاربة كل المسلكيات المنافية للشفافية والاستقامة، أو لقيم وأخلاقيات العمل العمومي"؛ مبرزا أنه سيتم القيام، على وجه الخصوص بجملة من السياسات والبرامج التي عددها كما يلي"
- تدقيق تنظيمي للإدارة العمومية بما يؤول إلى صياغة مخطط تنظيمي ملائم من منظور ترشيد بناها الإدارية والتسيير الرشيد لمواردها البشرية والمادية؛
- دعم وعصرنة الإدارة من خلال إطلاق برنامج واسع لرقمنتها؛
- إعداد ميثاق للخدمة العمومية بهدف تبني وتسريع وتحسين جودة خدمات الإدارة وتعزيز ثقة المتعاملين معها.
- وضع وتنفيذ خطط تكوين مكثفة للموظفين والوكلاء العموميين.
- تطوير نظام تسيير موظفي ووكلاء الدولة وتحسين ظروفهم خلال الخدمة وبعد التقاعد.
- وإن حاجتنا إلى هذا الاصلاح الإداري هي ذات حاجتنا إلى توطيد حكامة محلية فعالة لا غنى عنها لبلد مترامي الأطراف كبلدنا تستحيل تنميته المتوازنة بالاعتماد حصرا على التسيير المركزي".
وبين أن المحور الأول ضمن البرنامج الإصلاحي لحكومته، "يتعلق ببناء دولة قانون ومؤسسات قوية ذات حكامة عصرية رشيدة".
وتابع: "إن أول ما سينصب عليه الجهد الحكومي في المرحلة المقبلة إن شاء الله، هو العمل على كل ما من شأنه الإسهام والإسراع في بناء دولة قانون ومؤسسات قوية ذات حكامة عصرية وفعالة.
دولة تسودها مبادئ حكم القانون وتمجيد قيم الوطنية والنزاهة والاستقامة. دولة ديمقراطية، عادلة وشفافة تدير شؤون البلاد وتستثمر ثرواتها بما يلبي مستلزمات التنمية والجودة والحداثة.
ومن أجل توطيد أسس دولة القانون والمؤسسات القوية هذه، ستعمل الحكومة على فتح ثلاث ورشات متكاملة.
أولى هذه الورشات هي ورشة الإصلاحات اللازمة لتطوير وترسيخ نظامنا الديمقراطي.
ومدار العمل فيها على إطلاق حوار مسؤول صريح شامل لا يقصي أحدًا ولا يستثني موضوعا جوهريا يهدف إلى إعادة التفكير بتأن في منظومة حوكمتنا ونموذجنا الديمقراطي.
ويعول كثيرا على مخرجات هذا الحوار في تعزيز دور مؤسساتنا وتسيير العلاقات فيما بينها بشكل هادئ وسلس خدمة للمصلحة العليا لبلدنا الحبيب.
وينتظر من هذا الحوار على وجه الخصوص مراجعة مدونة الانتخابات وتحسينها بما يخدم المزيد من المشاركة والشفافية والمصداقية.
وتشكل مراجعة قانون الأحزاب السياسية إحدى أهم الإصلاحات المعول عليها في تعزيز نظامنا الديمقراطي ودعم البنى التنظيمية والمؤسسية للأحزاب تمكينا لها من أداء دورها المحوري في الحياة الديمقراطية.
أما الورشة الثانية في إطار توطيد أسس دولة القانون والمؤسسات فتعنى بتسريع تنفيذ الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة التي تقترح إصلاحا عميقا لنظامنا القضائي مؤسسا على تشاور تشاركي واسع النطاق ويلبي تطلعات الموريتانيين في العدل والمساواة.
وتهدف هذه الورشة إلى تعزيز استقلال القضاء وتحسين وضعية مهنيي العدالة وتسهيل النفاذ إليها وتقريبها من المواطنين وتحسين جودة وفعالية القضاء وضمان حقوق المتقاضين وإصلاح المنظومة الجنائية ومراجعة قوانينها الناظمة وإصلاح نظام السجون وتسريع رقمنة العدالة وعصرنة البنى التحتية القضائية. أما الورشة الثالثة في نفس الإطار فورشة ترقية حقوق الإنسان. إنها ورشةٌ ذات أهمية قصوى في تحقيق الانسجام والنماء المجتمعي.
وستعمل الحكومة في هذا السياق على تسريع وتيرة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان (2024-2028) مركزة على ضمان مساواة الجميع في الكرامة والحقوق والواجبات بقوة القانون وعلى أساس المواطنة حصرا.
كما ستعمل على ضمان المساواة في النفاذ إلى الخدمات والفرص والحقوق عموما، فالحقوق مجرد أحلام ما لم تُقْرَنْ بالآليات الكفيلة بالتمكين من استيفائها على الوجه المطلوب.
كما ستواصل الحكومة الجهود التي قيم بها في مجال مكافحة كل أشكال العبودية و الاتجار بالبشر وكذلك العمل على صون وتكريس الحريات العامة و محاربة كل أشكال التمييز أيا كان الأساس الذي عليه انبنى: العرق، الشريحة، القبيلة، الجهة، الجنس، الوضع الاقتصادي ...، مع إيلاء بالغ العناية لذوي الهشاشة والاحتياجات الخاصة و لمواكبة و تمكين اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان و الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب و المرصد الوطني لحقوق المرأة و الفتاة والآلية الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر و منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا الميدان من تأدية عملها على أكمل وجه.
وعلاوة على هذه الورشات ودائما في إطار أول محاور هذه السياسة العامة فإن الحكومة ستولي كل الاهتمام للحكامة الرشيدة من خلال المحاربة الجادة والفعالة لمختلف أشكال الفساد ولإصلاح الإدارة العمومية وتعزيز الحكامة المحلية وترقية دور الإعلام وقادة الرأي وهيئات المجتمع المدني. "