المتتبع للشأن العام في موريتانيا والخطابات الرسمية وغير الرسمية هذه الأيام التي تصدر من حين لآخر من زعماء المشهد السياسي بشقيه الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، يدرك مما لا يدع مجالا للشك مدى الإفلاس والشطط الذي يعانيه الطيف المعار ض في بلدنا، وإذا أردنا
أن نقوم بقراءة سريعة للمسار السياسي للمعارضة وما يتخلله من مواقف ومحطات حوار كان لها عميق الأثر بشكل أو بآخر على حاضرنا السياسي وما نستشرفه من مستقبل لرجال السياسة وصناع القرار، فإننا سوف ندرك بدون عناء أن المعارضة لم تستطع عبر تاريخها العتيق الحافل بالصراع والتناقض أن تكسب ثقة الشارع الموريتاني ـ هذا على الأقل في تاريخها الحديث ـ . فقد حاولت أن تتلون بجميع الألوان وتلقب نفسها بمختلف الألقاب (ائتلاف قوى التغيير سابقا + الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية لا حقا + المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة حاليا.هذه الألوان والأشكال والألقاب وربما الخطابات التي تأتي بين الفينة والأخرى هدفها هو دفع السامع والمشاهد ولفت انتباهه إلى نضال المعارضة المستميت لصالح المواطن المغبون وتبشيرها بجنة غد تمتلك وحدها مفتاح بابها الرئيسي. فهي حسب ما تصور لأذهان العامة تمثل عمق المجتمع وقلبه النابض ورغم وجاهة ما تتظاهر بالدفاع عنه أحيانا إلا أنها في نهاية المطاف غالبا ما تصاب بلعنة التواطؤ والتخاذل فينكشف القناع وتتحدد النوايا.لم تستطع المعارضة أن تتوحد في أي انتخابات رئاسية سالفة، نظمت المسيرات والمهرجانات مجتمعة ودخلت الانتخابات وقاطعتها متفرقة، حاورت الرئيس إبان انقلابه وطالبت برحيله بعيد انتخابه، ثم تنازلت بعد ذلك عن صراع الرحيل إلى منطق الحوار.مرة أخرى تتخبط في فلك من التفكك والتشرذم يضربان بعمق في خاصرة منتداها المهيب، ثم تعلن عن استعدادها للدخول في الحوار رغم تشتت فرقائها واختلاف مطامعها .لن يكون الحوار هذه المرة بالنسبة للمعارضة سوى ميدان مسابقة كبرى نحو المصالح والمكاسب الشخصية أو الحزبية الضيقة أي على مستوى مسئولي الحزب وكبار مؤسسيه فقط، لتتقاسم فتات ما جادت به عطاءات الحكومة وتنازلاتها التي قد تشمل مراكز عليا ووزارات شتى ولو إلى حين .وهذا لعمري يعتبر هروبا وانتكاسة بل ونكوصا على أعقاب ما برحها التملق واقتناص الفرص, لمعارضة هرمة خامرها اليأس وحاصرتها أمواج الهزيمة في جميع المناسبات الانتخابية.أما الأغلبية الحاكمة أو الحكومة سمها ما شئت فهي تحاول بأي جهد ماكن إلى حدود غير الماكن أن تنتزع من المعارضة ومن الدستور ما يمكنها من إطالة أمد حكمها وتحت أي عنوان كان ذلك الانتزاع في إطار النظم والقوانين والأعراف المعمول بها. سواء عن طريق مخرجات حوار يكون بين كافة فرقاء المشهد السياسي إضافة إلى شخصيات مستقلة تمثل النقابات الوطنية وكافة أجزاء المجتمع المدني الأخرى، ليكتسب صفة تجعله أقوى من جميع القوانين ومن الدستور ، باعتباره اتفاق بين جميع مكونات الشعب لا مجال للقدح فيه.وهذا بالفعل ما يمثل إرادة المجتمع وفق النظرية السياسية التي تقسم الشعب إلى أغلبية حاكمة وأقلية معارضة متناسية الأقسام الكثيرة الأخرى التي لا تعرف الأغلبية ولا المعارضة ولا تعرف حتى معنى التفريق بينهما.فالسياسة في نظر هؤلاء هي فن الممكن مما جاز أن يقام به في سبيل إنجاح وتطبيق مشروع سياسي آمن أصحابه به ويحاولون تذليل جميع العقبات التي تقف دون تطبيقه وسيخوضون غمار ذلك إلى أبعد الحدود، لاعتقادهم الجازم وإيمانهم الراسخ بأهمية المشروع ووعيهم بكمال الحق وتمام الأهلية لمضاعفة الجهود لنيله، طالما هنالك احترام للقوانين وتعاليم الدستور.أما إذا تعثر الحوار فإن السبيل وراء ذلك المبتغى لن يكون إلا عن طريق استفتاء شعبي على الدستور تسبقه حملات دعائية مكثفة تحاول الوصول إلى المواطن وتنويره حول المقتضيات الدستورية التي تعتزم الحكومة تعديلها بما يضمن لها البقاء في السلطة كي تكمل مشاريعها التنموية التي بدأت وما زالت لم تنته بعد، يشفع لها في هذا المطلب مساندة غالبية الشعب الموريتاني المتشبث بها والمنتمي إلى مختلف أحزاب الأغلبية الرئاسية .يهدف هذا الاستفتاء إلى تعديل دستوري، يفضي إلى منح رئيس الجمهورية إمكانية الترشح لفترة رئاسية ثالثة ـ هذا في أسوأ الأحوال ـ أو تمكنه من حق الترشح لفترات رئاسية غير محددة .و يبقي عنق المواطن المؤمن بوطنه مشرئبا إلى مستقبل مشرق يحلم بعزه ورخائه، وما سيسفر عنه الحوار المرتقب بين حكومة قدمت الكثير لشعبها وما زالت تقدمه حسب ما يراه الكثيرون، وبين معارضة أنهكها الاختلاف وقضى على مصداقيتها الفشل.