يسرنا في إدارة المركز الوطني لأمراض القلب، تحملا للمسؤولية وقطعا للطريق أمام القيل والقال والشائعات ـ وحتى لا نكون طرفا في تجاذبات لسنا معنيين بها ـ وضع الرأي العام الوطني في الصورة الكاملة لما جرى من أحداث ضمن قضية الممرض تورى حمادى، والتي نسجت حولها قصص تصل أحيانا حد الشائعات ، وتبيين موقفنا من هذه القضية التي كان مركزنا مسرحا لها عبر مجموعة الملاحظات التالية والمبنية على تحقيق فوري ميداني قام به فريق من المركز، لا نشك في نزاهته وحرصه على كرامة المريض والممرض وحقوقهما ، على قدم المساواة، ومع اعتبار خصوصية المريض، ووضعيته الصحية والنفسية الصعبة مستعينا بالشهود وتسلسل الوقائع : ـ ظهيرة يوم 25 فبراير 2015 كان الممرض تورى حمادي ضمن فريق المداومة بقسم الحالات المستعجلة بالمركز الوطني لأمراض القلب، وحدث أن احد المرضى لاحظ اختفاء أوراق تخص ملفه الطبي وهو تحت العلاج من مرض في القلب، ومشاكل في الكلى. المريض سأل تورى عن الأوراق، فأجابه بأن لا علم له بها ،وليست بحوزته، ومع إصرار المريض على أن تورى أخذ منه الأوراق، وإصرار الأخير على أنها ليست بحوزته، حدثت بينهما مشادة كلامية بدأت بشد المريض المتوتر لملابس الممرض، و انتهت ـ مع الأسف ـ بردة فعل غاضبة من طرف الممرض، حيث دفع المريض بقوة وضربه على وجهه، مما سبب له نزيفا وأذية على مستوى الأنف. وبغض النظر عن تصرف المريض اتجاه الممرض ـ أو استفزازه له ـ فإن أدبيات وأخلاقيات المهنة تتطلب من الممرض ضبط النفس، وكظم الغيظ، وعدم استعمال العنف اللفظي أو البدني ـ تحت أي ظرف كان ـ بالنظر للظروف النفسية والصحية والإنسانية للمريض، والتي يراد من عامل الصحة علاجها، لا العمل على تعميقها . ولم يسبق لمركزنا ـ و منذ إنشائه ـ أن شهد حادثة مماثلة، بل على العكس من ذلك يتعرض أطباؤنا وممرضونا وعمالنا يوميا لوابل من الشتائم، و الاعتداءات اللفظية والبدنية من طرف مرافقي المرضى و مراجعي المركز، لكن كل تلك الحوادث يتم عزلها بسرعة، والبحث لها عن تسوية تحفظ حقوق الجميع، ولطالما تحمل عمال القطاع كله تلك الاعتداءات بصبر، وانضباط مهني وأخلاقي، تمليه عليهم رسالتهم الإنسانية النبيلة. ـ بعد اطلاعنا على ما جرى، وبناء على نظامنا الداخلي، والمساطر الإدارية المتبعة في مثل هذه الحالات، قمنا ـ وكإجراء طبيعي روتيني ـ على مستوى الإدارة، بوضع الممرض تحت تصرف وزارة الصحة، عبر رسالة شرحنا فيها ملابسات الإجراء، وسردنا فيها وقائع الحادثة بكل موضوعية، و لم نعد بعد ذلك معنيين بأي إجراء إداري أو قانوني يتخذ في حقه على مستوى الوزارة الوصية، وليس من العدل أن نحتفظ بالممرض في المركز بعد إقدامه على فعلته المسيئة للمهنة ثم لسمعة المركز، خاصة وأننا اتخذنا نفس الإجراء في حق ممرضين وعمال صحة، وفى حالات أقل خطورة وتعقيدا. لقد قمنا بما نراه واجبنا الإداري، ولا نريد أن نتجاوز صلاحياتنا،أو نقف دونها مهما كانت الظروف، وتتميما للواجب فقد حاولنا ـ ومن اللحظات الأولى للحادثة ـ البحث عن مصالحة ودية بين الممرض من جهة، والمريض وذويه من جهة أخرى، وقدمنا اعتذارنا للمريض وذويه، والتمسنا منهم العفو وتغليب التسامح لطي الملف، وقد قبلوا ذلك مشترطين سحب نقابات الصحة لشكواها واعتذارها عن محتوى بيانات نشرتها مواقع محلية خاصة ما يتعلق منها بتحميل المسؤولية للمريض. إننا تحملا للمسؤولية سنواصل جهودنا للبحث عن مخرج يرضى كافة الأطراف، لا يؤثر في المسارات القانونية للملف الموجود في عهدة القضاء الذي نثق فيه، لا يظلم المريض، ولا ينتقص من شأن الممرض الذي لم نلاحظ عليه قبل الحادثة أية ملاحظات تذكر، بعيدا عن استغلال الملف وركوب موجته لتحقيق مكاسب من أي نوع. ـ وللمركز من الإهتمامات اليومية المرتبطة بتحسين ظروف المرضى والعمال، وتطوير الخدمات، ما يشغل إدارته وعماله عن الدخول في صراعات أو تجاذبات مرتبطة بهذه القضية. وإذ نكن الاحترام والتقدير لنقابات الصحة، فإننا نتفهم تحركها في الملف انطلاقا من مسؤولياتها اتجاه منتسبيها ، وبنفس القدر أيضا نتفهم ظروف المريض الصحية والظروف النفسية للمحيطين به، وكنا نأمل تفادى تعقيد الملف بما يضمن كرامة المريض والممرض، وينهى هذه الوضعية، وكما نرفض الإساءة للمرضى لفظيا وجسديا، نرفض أيضا أي مساس بحرية وكرامة عمال قطاع الصحة بمختلف فئاتهم المهنية. ـ إن احترامنا لنقابات الصحة يجب أن يكون منبعا أيضا للتعاون معها لحل المشاكل العالقة، دون الدخول في متاهات فرعية لا تخدم مسارات الملف، وحرصنا على كرامة العمال وحمايتهم وإحاطتهم بكل ما يلزم للقيام بعملهم على أكمل وجه، يوازيه حرصنا على وضع الجميع تحت طائلة القانون، وإلزامهم باحترام أخلاقيات المهنة ،وجعل المريض ـ بغض النظر عن لونه وعرقه وثقافته ـ أولوية ومنحه كل ما يستحق من رعاية، والابتعاد عن أساليب التشنج والعصبية، و نأمل دائما أن تكون نقابات الصحة سندا لنا وعونا في تحقيق هذه المبادئ التي يفترض أنها مشتركة، أما أن تتم محاولة جرنا إلى دروب فرعية، واعتبارنا طرفا في ملف نعتقد جازمين أننا تعاملنا معه إداريا وقانونيا وأخلاقيا بما تمليه علينا مسؤولياتنا الإدارية والمهنية، فذلك ما لم نكن نتوقعه، ولن نقبله بأي حال من الأحوال. ـ من حق النقابات أن تتحرك وتحتج وفق القانون، لكن العمل على إيقاف العمل بالقوة والتشويش على المرضى والعمال والمراجعين عبر مهرجانات ميدانية، قبالة أقسام الطوارئ والحجز، وفى أوقات الذروة، عمل لا يمكن القبول به، فغاية عمال الصحة أن يشعر المرضى بالأمان والطمأنينة، ويتلقوا العلاجات بانسيابية، لا أن تقض مضاجعهم الهتافات، ويحرموا من تلقى العلاج. ـ سنظل حريصين كل الحرص على أن تكون للميزان كفتان معتدلتان، و لن نسمح بمحاولة إمالة إحداهما أبدا، فالمريض أولوية وهو مبرر وجود المهن الصحية والطبية ولا تنبغي الإساءة له تحت أية ذريعة، والممرض وعامل الصحة هو وقود عملية التطبيب والتمريض ومحركها ، و ينبغي أن يحافظ له على كرامته، وإحاطته بكل الظروف المناسبة ليقوم بعمله الذي يتطلب توفر قيم الإنسانية والرحمة، والترفع عن أي عمل أو ممارسة تسيء لسمعة القطاع وتدنس شرف المهن الطبية والصحية.