تعتبر الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، الرافعة الأولى للاقتصاد الوطني، وفاعلا اجتماعيا محوريا في موريتانيا؛ وخاصة في المناطق الشمالية الممتدة من الزويرات إلى نواذيبو.
ولئن كان البحث عن العوائد المادية وتحقيق الأرباح هو الشغل الشاغل والهدف الأوحد لأية شركة صناعية أو تجارية في العالم؛ فإن شركة "سنيم" تمثل،
بجلاء، الاستثناء الذي يؤكد تلك القاعدة.. ذلك أن الشركة المنجمية الموريتانية تولي عناية كبرى لعمالها، بكافة فئاتهم ومستوياتهم وتخصصاتهم؛ حيث توفر لجميع عمالها وعائلاتهم التغطية الصحية المجانية بشكل كامل، إلى جانب السكن والمواد الاستهلاكية الضرورية بأسعار مخفضة، مدعومة بنسبة 30%.وتستفيد ساكنة مدينة الزويرات من التوزيع المجاني للماء الشروب والطاقة الكهربائية؛ مثلما تستفيد المنشآت الصحية والتعليمية في المدينة من دعم معتبر تقدمه "سنيم".وفي هذا السياق أنفقت الشركة، خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها، ما يزيد على 25 مليار أوقية لإنجاز جملة من المشاريع الخدمية الهامة لصالح العمال والساكنة؛ حيث شملت تلك المشاريع قطاعات حيوية من قبيل معالجة المياه المالحة، وبناء شبكات للماء الشروب وتوفير الكهرباء في الأحياء النائية بمدينة الزويرات، وبناء محطة لتوليد الطاقة الشمسية تبلغ طاقتها 3 ميغاواط؛ وإنجاز المطار الجديد، وعصرنة الخدمات الطبية، وبناء محطة لمعالجة مياه الصرف، وبناء 300 وحدة سكنية..
ولم تنحصر مشاريع شركة "سنيم" الاجتماعية على مدينة الزويرات؛ حيث وفرت مياه الشرب بشكل مجاني، أيضا، لسكان مدينة افديرك.
ونظرا للمكانة التي توليها الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) للجانب الاجتماعي والخدماتي من نشاطها؛ أنشأت هيئة خيرية لهذا الغرض؛ أنفقت خلال الخمسية المنصرمة 1,5 مليار أوقية على مشاريعها الاجتماعية في الزويرات.
وتضمن جدول إنجازات خيرية "سنيم"؛ ضمن أمور أخرى، إعادة تأهيل وتجهيز المستشفى الجهوي بالمدينة المنجمية، وإهداء سيارات إسعاف مجهزة للبلديات الواقعة على طول خط الزويرات ـ نواذيبو، وتوفير الأثاث والمستلزمات الدراسية لمؤسسات التعليم في تلك البلديات.وبموازاة كل هذا العمل الجبار وتلك الإنجازات الميدانية لصالح ساكنة كل من الزويرات وافديرك، والبلدات والقرى الواقعة على طول خط سكة القطار المنجمي؛ كان لشركة"سنيم" وخيريتها دور بارز في دعم الفئات الاجتماعية الهشة على مستوى مدينة نواذيبو؛ العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومقر الإدارة العامة للشركة وميناء تصدير خامات الحديد نحو الأسواق العالمية.وفي هذا المضمار، تولت الشركة بناء المستشفى الجهوي الجديد في المدينة الساحلية؛ وهو منشأة استشفائية تبلغ سعتها 250 سريرا؛ بكلفة إجمالية بلغت 2,5 مليار أوقية قدمتها الخيرية بالكامل.كما مولت خيرية "سنيم" بناء السوق البلدي الجديد في المدينة، بكلفة بلغت 110 ملايين أوقية؛ حيث يضم 44 محلا تجاريا و3 عنابر بيع السمك واللحوم والخضروات.. ويتميز السوق بكونه يتيح لسكان حي التخطيط الجديد التسوق عن قرب وتجنب عناء التنقل نحو أسواق وسط المدينة البعيدة.كما تجلت عناية الشركة الوطنية للصناعة والمناجم بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة في تكفل هيئتها الخيرية بالأيتام من أبناء عمالها المتوفين وغيرهم من أيتام المدينة. ولعل خير مثال على ذلك ما قدمته الخيرية لهؤلاء من مواد عذائية استفاد منها قرابة مائة يتيم أواخر العام المنصرم؛ من خلال حصولهم على كميات معتبرة من الأرز والزيت والألبان والتمور والمعجونات الغذائية ذات الجودة.ومن تجليات اهتمام الشركة باستمرار العلاقة الوطيدة مع عمالها، والحرص الدؤوب على خدمتهم حتى بعد انقضاء فترة عملهم؛ توزيع مبالغ نقدية لمكتب متقاعديها في الزويرات، بمناسبة الاعياد الدينية؛ بهدف التخفيف من أعباء تلك الأعياد وإدخال الفرحة إلى أسر هؤلاء المتقاعدين. وتستفيد من مثل هذه الهبات قرابة 815 عائلة مقيمة في مدينة الزويرات ويعيلها متقاعدون من شركة "سنيم"؛ فيما غيب الموت معيلي أزيد من 120 منها يحصلون جميعا على مخصصات التقاعد التي تؤمنها الشركة لهذه الفئة من عمالها.إن السعي لإعاقة شركة وطنية بحجم ومستوى "سنيم"؛ هو في اعتقادي، محاولة صريحة لشل هذا الشريان الحيوي الدافق الذي طالما زود سكان مناطق الشمال بأهم مقومات الحياة؛ وضمن استمرارية نبض قلب الجسم الاجتماعي في الزويرات وافديرك واتواجيل، وشوم، واتميميشات وإنال وإنال ونواذيبو.ولئن كان الإضراب، من حيث المبدأ، سلوكا نقابيا طبيعيا، وظاهرة صحية معتادة؛ فإن ما نشهده اليوم من إصرار مكشوف على شل نشاط الشركة الوطنية للصناعة والمناجم؛ وبالتالى إنزال عقاب جماعي بسكان تلك المناطق الشمالية من البلاد، وتجفيف منابع دخل آلاف العمال والأطر، لا يمكن اعتباره عملا نقابيا مشروعا أو مبررا؛ خاصة حين يقترن بحرمان آلاف الأسر، ومئات الأيتام والمرضى والمحتاجين، من خدمات توفر لهم بشكل مجاني دائم، هم في أمس الحاجة إليها. ولربما أمكن القول، دون مبالغة، بأن مثل هذا التحرك قد يرقى إلى مستوى "خيانة" الأمة، إن لم يكن جرما يقترف بحق الإنسانية؛ خاصة وأنه يأتي في ظرفية بالغة الصعوبة بالنسبة للسكان، إذا ما أخذنا في الحسبان شح المياه في المناطق الشمالية، وتداعيات ضعف التساقطات المطرية خلال الموسم الأخير، بل والمواسم التي سبقته.إضراب من شبه المستحيل استساغة الحجج التي يرفعها من يقفون وراءه، بالنظر، إلى الانخفاض المذهل والمفاجيء في سعر خامات الحديد، والظروف التي تحرص شركة "سنيم" على توفيرها لعمالها، سواء من حيث الرواتب والعلاوات، أم من حيث الامتيازات والخدمات الاجتماعية المتعددة.ويكفي أن نعلم بأن معدل الزيادات العامة للرواتب والعلاوات خلال السنوات الثلاث الماضية وحدهما تجاوزت 35% وبلغت علاوة الإنتاج من 30% في العام 2013أما مبالغ التحفيز السنوية، التي تتناسب طردا مع النتائج السنوية فبلغت مستويات غير مسبوقة في تاريخ الشركة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة تزايد وتيرة التقدم في السلم العمالي.ولم تكتف الشركة بهذه الزيادات والإجراءات التحفيزية؛ حيث تضمنت الامتيازات الاجتماعية التي تمنحها لعمالها تخصيص ميزانية سنوية لهذا الغرض بلغت سنة 2014 ما يناهز 600 مليون أوقية مقابل 400 مليون سنة 2010. وتم رفع ميزانية دعم المواد الغذائية (الأرز، السكر، الزيت، المعجونات، الشاي) إلى 30% منذ سنة 2011. إضافة إلى منح سلف للعمال بمناسبة الأعياد الدينية، تتكفل الشركة بتسديدها عن عيدي الفطر والأضحى.وتوفر الشركة السكن لعمالها وتمنح علاوة عدم السكن لقدمائها، بنسب تحدد طبقا للأقدمية. وهي تقدم قروضا ميسرة على علاوات السكن لمدة عامين؛ بالإضافة إلى قروض التقاعد التي تقدم قبل الإحالة إلى المعاش بفترة 12 سنة.هذه الامتيازات التي يحسد عليها عمال اسنيم، تجعل عمّال الشركة غير المضربين، وعمال وكوادر المؤسسات الأخرى، يستغربون نكران جميل "سنيم" واستبدال حنانها وأياديها البيضاء بالمجهول.
محمد ولد محمد لوليد: أستاذ/ مكلف بمهمة في وزارة التهذيب الوطني