تمبوكتو .. فيلمٌ أوصل موريتانيا إلى العالمية رغم إنتاجه الفرنسي

أربعاء, 2015-03-18 14:46

هسبريس - كانت موريتانيا تقريبًا مجهولة في عوالم السينما، وباستثناء بعض المحاولات السينمائية القصيرة لشباب موريتانيين قرّروا اقتحام الفن السابع في السنوات الأخيرة، لم يعرف المتلقي اسم فيلم موريتاني يستحق فعلًا أن يبقى في الذاكرة، إلى أن أتى عبد الرحمن سيساكو، الذي انتزع لهذا البلد الصحراوي شرفًا نادرًا ما وصلت إليه بلدان عربية أخرى، وهو التواجد في القائمة النهائية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.

 

فيلم "تمبوكتو" الذي خلق ضجة كبيرة أينما حلّ وارتحل، فاز منذ خروجه العام الماضي بـ16 جائزة، فضلًا عن تسعة ترشيحات أخرى، كما اكتسح جوائز مهرجان سيزار في آخر دوراته، وفاز بسبع منها تبقى أهمها جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج، ونافس بقوة أيضا على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي لعام 2014، فضلًا عن جوائز أخرى في مهرجان القدس السينمائي ومهرجان شيكاغو السينمائي الدولي، زيادة على الجائزة الكبرى لاتحاد النقاد السينمائيين.

 

كما يدّل على ذلك عنوانه، تتمحور أحداث الفيلم حول مدينة تمبوكتو المالية وإن تمّ تصويره لضرورات أمنية في بلدة أولاتا المورياتنية. عبر قصة أسرة صغيرة، يتناول المخرج معاناة ساكنتها مع إسلاميين متطرّفين سيطروا عليها وحاولوا فرض نظامهم المتشدد، بإجبار السكان على تطبيق فهم معيّن للشريعة الإسلامية: فعلى النساء ارتداء النقاب، وعلى الرجال تطويل لحاهم، وعلى القاصرات الزواج المبكّر، وعلى الشباب التوقف عن مشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى، وما إلى ذلك من القوانين القسرية التي سيسعى السكان إلى إيقافها، وبالتالي محاولة الانتفاضة في وجه هؤلاء الحكام الجدد.

 

الفيلم الذي كان بمقدروه أن يجلب لإفريقيا أوّل جائزة أوسكار في تاريخها، ليس الأول لعبد الرحمن سيساكو، فقد سبقه بأفلام أخرى كـ"باماكو" و"في انتظار السعادة" الذي توّج بإحدى جوائز مهرجان كان، غير أن "تمبوكتو" كان علامة فارقة، فزيادة على جرأة موضوعه وتناوله، ظهر الفيلم كلوحة سينمائية أمتعت عشاق السينما في كل مهرجان يرتاده، ومن ذلك النسخة الأخيرة من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، إذ عُرض الفيلم بحضور مخرجه خارج إطار المسابقة الرسمية.

يعود شغف المخرج ببلاد مالي إلى جزء من طفولته وشبابه، حيث قضى بها حوالي 19 سنة بعد ولادته بقليل عام 1961، وقد شكّل عيشه في هذا البلد خزانًا من الذكريات ساعده كثيرًا في تخيّل بنية مالي وشعبها، وربما أن التجارب المتعددة التي طبعت حياة هذا المخرج، ساهمت في اختمار تجربته السينمائية، فقد عاش كذلك في روسيا أواخر عهد الاتحاد السوفياتي دارسًا فنون السينما، قبل أن يشد الرحال إلى فرنسا التي شهدت توهج مخرج سينمائي لم ينس أبدًا أرضه وأصله.

 

لم يفز "تمبوكتو" بأوسكار أفضل فيلم أجنبي الذي حازه الفيلم البولندي "إدا"، ولم يفز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان التي نالها الفيلم التركي "سبات الشتاء"، غير أن الجوائز ليست كلّ شيء في عوالم السينما، بل أحيانًا قد تكون النتائج مفاجئة، والدليل على ذلك أن "سبات الشتاء" لم يتواجد في القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وبالتالي فليس "كان" و "الأوسكار" هما ما سيجعلان "تمبوكتو" جديرًا بالمشاهدة، إذ يكفي تتبع التقييم الكبير الذي ناله من جلّ المواقع السينمائية العالمية، والاحتفاء الكبير الذي حظي به من الكثير من النقاد، كي يتم التأكيد على أن سيساكو قدّم لموريتانيا ولإفريقيا وللعالم تحفة سينمائية حقيقة.

 

هكذا، ورغم أنه كان إنتاجًا فرنسيًا خالصًا، إلّا أن "تمبوكتو" كان خير سفير للبلاد الموريتانية في العالم، وقد شكّل تعريفه في قائمة الأوسكار بأنه فيلم موريتاني الكثير من الإحراج لفرنسا بما أن العلاقة الوحيدة التي تجمعه بهذا البلد العربي هي مكان التصوير علاوة على جنسية المخرج، كما شكّل بعض الإحراج لنواكشوط التي ترّددت أخبار عن استيائها من ربطها بفيلم يعد مضمونه غير مناسب لتوجهاتها الإسلامية المحافظة.