
لنقولها بوضوح، إن القمة العربية الطارئة التي انعقدت في القاهرة 4 مارس 2025 تدفع إلى التفاؤل بأن الدبلوماسية العربية بدأت تنهض من كوبتها وتستعيد شيئا من وهَجها وألقها الماضي.إن رفض القمة لخطة "اترمب" القاضية بتهجير الفلسطينيين قرار صائب وشجاع من شأنه أن يصون لنا ما تبقى من عز وكرامة.
ويذكرنا بأن الأمة العربية مهما بلغت من الضعف والوهن، فإنها لا تموت، وأنها تبقى لفلسطين ما دام فيها عرق ينبض. هذه هي الدبلوماسية العربية المتألقة كما رسمها الأجداد.
إذا كانت جذور الدبلوماسية تعود إلى قدماء الاغريق واليونان، فإن ممارستها الفِعلية تعود للعرب من خلال الرحالة والمستكشفين والبحارة والتجار والفنانين الذين ساروا في الأرض شرقا وغربا، من أمثال أبن بطوطة والشريف الادريسي، والجَزَري، وغيرهم.
هؤلاء هم من جاؤوا بدبلوماسية تبادل الرسائل والموفدين. وهم من جاؤوا بدبلوماسية تبادل "الهدايا" تعبيرا عن الود والتقارب بين المجتمعات.
ومضرب الأمثال في ذلك هدايا هارون الرشيد للامبراطور الفرنسي شارلمان (الفيل الأبيض والساعة المائية). و هم من برعوا في الدبلوماسية عبر العلوم والترجمة.
ومضرب الأمثال في ذلك هو إنشاء "بيت الحكمة" على يد الخليفة "المأمون"، والذي كان حاضنا لحوار حضاري عظيم بين العرب وسائر الثقافات.
وعلى نفس المنوال سار قادتنا منذ عهد الاستقلال، و كتبوا صفحات جميلة في سجل الدبلوماسية قبل فترة الانكفاء الذي أصاب الأمة منذ أواخر سبعينات القرن الماضي.
أذكر من تلك المحطات اللامعة:
- تأسيس "جامعة الدول العربية" للتشاور والتنسيق وإسماع صوت الأمة (مارس 1945) أشهر قبل إنشاء "ONU".- إنشاء حركة عدم الانحياز (في باندونغ 1955)، التي شكلت متنفسا لدول العالم الثالث طيلة الحرب الباردة، بناء صرح التعاون العربي - الأفريقي وعزل إسرائيل وطردها من معظم دول القارة السمراء.
- إنشاء l’OPEP (1960) ثم l’OPAEP (1968)، واستخدام سلاح البترول في الدفاع عن مصالحهم خلال سبعينيات القرن الماضي،
- طرح المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط المتضمنة إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 4 juin 67 وعاصمتها القدس الشريف.واليوم، فإننا مثل غيرنا من الأمم والشعوب نعيش في عالم تائه، بلا بوصلة ولا مرجعيات ولا ثوابت، عالم يترنح على كف عفريت. وعلى الرغم من ذلك جاء بيان قمة القاهرة ليقول بصوت عال للرئيس الأمريكي "اترمب": لا ! لا للتهجير، لا لخطتك، لا لعنفوانك!
وفي هذا الموقف ببساطة ما يذكرنا بزمن القادة الكبار: المختار ولد داداه، والملك فيصل، والشيخ زايد، وجمال عبد ناصر، وهواري بومدين، وصدام حسين، وغيرهم من أصحاب الشهامة والكرامة.
سيروا على هذا النهج وشعوبكم معكم ليستمر الصمود والنهوض على هذا النحو حتى نأخذ مكانتنا في العالم الجديد الذي هو الآن في طور التخلق والنشأة. انظروا من حولكم، وسترون أن الكل يصارع الكل حتى في داخل المعسكر الواحد والقلق ينتاب الجميع.
- أمريكا تحاول إحكام الهيمنة- وروسيا تحاول العَودة- والصين تحاول الصعود - وأوروبا تترنح وتحاول البقاء- ودوَلٌ أخرى تحاول الظهور، مثل الهند، والبرازيل، وتركيا، إيران، وجنوب أفريقيا.
ونظرا لذلك، فإن الولاية المتحدة الأمريكية ورئيسها "اترمب" ليسا قدرا مقدورا، هناك بدائل تظهر على أكثر من صعيد في ظل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يولد حاليا على أنقاض نظام القطب الواحد.
إذا كانت أمريكا ما زالت هي اللاعب الرئيسي، فإنها بلا شك لم تعد هي اللاعب الوحيد.سيروا إلى الأمام، فالشعوب تنتظر منكم طوفانا دبلوماسيا يوازي ويترجم طوفان الأقصى المجيد.
والله ولي التوفيق 5 مارس 2025
محمد فال ولد بلال