ولم نجد بعد مبررا لعدم تعديل الدستور / سيد الأمين ولد باب

سبت, 2015-03-21 14:31

كتبت قبل أيام مقالا تحت عنوان "المأموريتان خطأ دستوري يتعين تصحيحه "، وكنت أعلم أن البعض سيرد وسيمتعض من مضمون المقال ، لكني لم أتوقع أن تكون الردود التي وصلتي بالاميل وتلك التي نشرت في المواقع ، والإشارات التي وردت في الفيس بوك ، كلها لم تسلك الطريق السليم ،

 في الرد الهادف والبناء ، ولم تعتمد منهج الرد العلمي ، الذي يتوخي منه الوصول إلي حقيقة موضوع الحوار ،وأعلم بكل تأكيد  أن الإخوة الكرام لا تعوزهم العلمية ، ولا تنقصهم المعرفة ، لكن السبب الذي جعل ردودهم تقتصر علي الشخص صاحب المقال ، لا علي المضمون ، هو أنه قد عمت البلوي في بلدنا للأسف الشديد ، بالتصنيف السلبي والتمترس وراء خلفيات معينة ، و بما يعرف بالدفاع الأعمي عن جهة المتكلم ،أوحزبه،  أوقبيلته أوجماعته ، أومدينته ـ ولن أبرء نفسي ـ  بالانجراف الأعمي وراء ما تهمس به النفس ، خصوصا إذا كان موقفا سياسيا ، مؤيدا كان أومعارضا ، ولا أبرء أقلام الموالات من تلك البلوي ، ولا أقلام المعارضة ، لكن الاستثناء يظل أمرا واردا بشروطه ومبرراته ، يظل محتملا حصوله ، في كلي الجانبين ، فهل سنتمتع بقدر من التأني؟ حتي لا يفوتنا في المعارضة أو في الموالات ذلك الطرح الاستثنائي ، الذي يوجب ردا بحجمه ومن مستواه ، بصفته وبنعته ، استثنائيا ، لا يطلع المرء فيه بكل بساطة علي الخلفية التي يصدر عنها ، إلا بفرض المنهجية المتبعة فيه ، ويحسن فيه أن يكون مسفها لذات الرأي لا بسبب الخلفية التي يستند إليها ، وتدعيما للخلفية التي تناهضها .

خلت تلك الردود للأسف من أي معالجة علمية دقيقة ، فكان حريا بالاخوة الكرام ، أن يتتبعوا المبررات التي أثبت من خلالها أن المأمورين خطأ دستوري يتعين تصحيحه ، فيفندوها بما لديهم من أفكار ، ويتركوا بعد ذلك أمر الحكم علي صاحب الرأي للقراء ، فمن استساغ الرد وقبله ، سينتهي إلي أن صاحب المقال كان يريد التقرب إلي النظام بما كتب ، وينئ صاحب الرد عن إضافة هدف غير لائق ( التشهير بالأخر ولو بما يستحق ) علي الهدف العلمي السامي (إبراز الحقيقة) فيشوبه، وإن لم يستسغ القارئ الأمر ولم يقبل الرد بعد ان لم يقنعه ، يكون صاحب الرد قد أدي خدمة جليلة ، تتمثل في وضع القارء الكريم أمام اختبار حول الفهم ، والقدرة علي كشف الحقيقة من بين آراء مختلفة ، ويكون بذلك قد قدم خدمة جليلة للوطن بصفة عامة وللمهتم بالشأن السياسي بصفة خاصة ، ولم يخسر شيئا ، ولم تجن مع ذلك براقش علي نفسها.

ولفائدة استمرار الحوار أقول بأني ما كتبت مقال " المأموريتان خطأ دستوري يتعين تصحيحه" لأدفع ولد عبد العزيز علي أن يسعي إلي تغيير الدستور ، فأنتم تعلمون جميعا أن السيد محمد ولد عبد العزيز ، لايأتمر إلا بما يري ويقتنع به ، وله من يستند إليهم للمشورة إن احتاج إليها ، كل حسب تخصصه ، وأقول إن احتاج إليها ، لأنه قد لايحتاج إلي استشارة لأخذ قرار معين ، فمثلا لا يحتاج إلي أن يشار إليه بقطع العلاقات مع إسرائيل فعلها بدون مشورة من أحد ، وكذلك امتنع عن دخول الحرب في مالي ، وهو علي فراش المرض وفي عقردار من طالب بدخول تلك الحرب ، ولم يستشر أحدا في ذلك الموقف ، رفض تهديد الاتحاد الأوربي في مسألة اتفاقية الصيد ،ومسألة حقوق الإنسان ، بكل جرأة وقوة لن يعقبها إلا الخير ، ولم يستشر في ذلك الموقف ، رفض المشاركة في مسيرة " أنا شارلي " دون أن يستشر أحدا في ذلك الموقف ، ولم يستشر أحدا في إعلانه أمام جميع وسائل الاعلام الوطنية والدولية أنه "ليس شارلي " والأمثلة كثيرة .

إذن من يعلم أن الرئيس يتمتع بهذه الإرادة القوية ، هل سيستمرء توجيهه في وسائل الإعلام ، ليقوم بكذا أو بكذا ، وقد شهد أشد معارضيه ـ اليوم ـ بأنه دائما يخالف التوقعات ، معني ذلك أنه إذا كنت أريده أن يغير الدستور لقلت لا لا لا يجوز تغيير الدستور ، ولن يستطيع الرئيس تغيير الدستور لأن المعارضة ترفضه ، ويكون عنوان المقال هو : " الرئيس لا يستطيع تغيير الدستور خوفا من المعارضة" .

أبدا ما كنت أريد أن أسر إلي السلطان أن غير الدستور ، رغم أني شديد الاقتناع بأن تكون المأموريات ثلاث ، وأن يسمح بعمر أكثر للمترشح للرئاسة ، وكنت منذ فترة أقتنع بهذا لكن ما منعني من كتابته في وقت سابق ، هو أن الكلمة مهما كانت جميلة وذات قيمة كبيرة إن قيلت في غير وقتها ،ستفقد بريقها ومصداقيتها ، ولذلك لم أجازف بعرض هذه الفكرة قبل الآن حتي لا يتم طيها دون انتباه إلي مضمونها ، أما الآن وقد حصل مبرر ذكر الدستور وتغييره ، فقد أصبح من الضروري أن أقدم فكرتي حول المسألة ، وبالفعل شاءت الأقدار أن تثار زوبعة تغيير الدستور قبيل وأثناء زيارة الرئيس للحوض الشرقي ، فقلت لا بأس بنشر الفكرة ، معولا علي النقد الهادف والبناء ، الذي يتتبع المكتوب: سطرا سطرا ،والنص : فقرة فقرة ، ليبين ما فيه من سلبيات ، وما يتضمن من ايجابيات ، ويرجح بين الأمرين ، ويترك الحكم النهائي ، للقارئ الكريم ، وللأسف الشديد لم أر ذلك النقد الذي توقعت حصوله ، والذي سأستبشر به خيرا ، وسأستمتع به ، بل الذي وجدت دون مبالغة ، هو الرد علي مضمون المقال ،فقط انطلاقا من عنوانه ، ومن ماهو معروف عن صاحبه ، من موالات النظام القائم !! ، فلماذا الخوف من تحليل النصوص ، ونقاش الأفكار ؟، والاقتصار فقط علي تصنيف الكاتب وإظهار أنه موال أو معارض ، فهذه مسألة تعد من نافلة القول ، ويجب ألا نضيع فيها وقتا ، وكون الكاتب صاحب خلفية ليس فيها عيب ،لكن العيب يكمن في أن يحشر الكاتب نفسه في ما ليس قناعة عنده ، وسيظهر ذلك في عدم تماسك رأيه وفي ضعفه ، وهيهات أن يظهر ذلك بمجرد قراءة العنوان ، فحتي لا نظلم الكاتب لأنه موال أو معارض علينا أن نفحص بتأن ما كتب ، وأن نغوص في أعماقه ، فليس مكتوبا علي الكاتب الموالي أن يكون غير موضوعي عندما يكتب ما فيه خدمة للطرف الذي يوالي ، كما أنه ليس مكتوبا علي المعارض أن يكون غير موضوعي ،إذا كتب ما يدعم موقفه الذي يتبني ، فلإنصاف الكاتب علينا أن نقتصر علي ما كتب ليتبين لنا هل هو موضوعي أم متحيز ، وقبل ذلك لكشف الحقيقة ومعرفة الصواب من الخطأ في المسألة محل النقاش.

وهنا لابد أن أشكر الأخ الكريم المحترم شيخنا ولد الناتي ، الذي تقدم بمبرر ولو كان لا يسموا إلي درجة الإقناع ، فإنه يبقي مبررا يمكن نقاشه ، وهو أن الظرفية الحالية ليست مواتية لتعديل الدستور ،أما الآخرون ممن يعارضون تغيير الدستور لم يتقدموا بأي مبرر مقنع كان أو غير مقنع ، بألفاظ نابية ، وعنتريات لا معني لها .

مراعات الظروف مسألة مطلوبة جدا ، عند اتخاذ كل قرار سياسي مهم ، لكن بالعودة إلي أشد الظروف اشتعالا بين المعارضة والنظام ، أجريت انتخابات بلدية ونيابية ، وجرت الأمور بسلام ، واجريت انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة ، ومرت الأمور بسلام ، ويمكن أن يتم تعديل الدستور ويمر بسلام كذلك ، لكن الأحوط  هو أن تراعي الظروف ، وأن تؤخذ بعين الاعتبار ، لكن ذلك لا يعني عدم أهمية تعديل المادة 26 من الدستور ، فكان الأجدر أن نعترف بأهمية ذلك التعديل ، مع تقرير أنه غير مناسب الآن . وأن التعديل الذي لايخدم  الوطن حقيقة هو التحول من النظام الرئاسي إلي النظام البرلماني ، لأن المجتمع لم يصل بعد مستوي النضج الذي يسمح بهذا التحول ، ولذلك فهو تعديل غير مناسب إطلاقا .

وفي الأخير أعود ثانية ، وأكرر القول  :سواء عدل الدستور أم لم يتم تعديله ، كما قلت في المقال السابق ف"المأموريتان خطأ دستوري يتعين تصحيحه"،هذه هي قناعتي ومبرراتي هي نفس المبررات التي نشرت في المقال السابق ، ولن أستحي من أن أذكر مالم أذكره في ذلك المقال ، بأن هذا التعديل الذي يتعين القيام به ،وإن لم يحدث في زمن هذا الرئيس سيحدث في زمن الذي بعده أو...ولن أستحي من القول بأنه لن يجد أحسن من الآن وقتا له ،من حيث الجدوائية ، لمواصلة المشاريع التنموية التي بدأها الرئيس منذ وصوله للسلطة حتي الآن ، وإذا لم يعدل الدستور في هذه الفترة ،فإنه بمنطق من رد غاضبا من دعايتي لتغيير الدستور ، بعنتريات ،وبمقترحات أحترمها لهم، سيرتاحون مستقبلا إذا بقينا أحياء إلي غاية تربع من يختارون علي هرم السلطة ، عندما أخرج مجددا لأقول وأكرر:" المأموريتان خطأ دستوري يتعين تصحيحه" !!. ويومها إذا لم يرحبوا بتلك الدعاية علنا فلن يردوا عليها بالشجب والاستهجان ، ولن يشككوا في ضمير صاحبها ، كما يفعلون الآن !! ، ومع ذلك يبقي التباين في الآراء ظاهرة صحية ، خصوصا في عالم الحرية والديمقراطية ، لكن الذي لانريده أن يبقي ويستمر هو أن يتحول حق الرد ردا للحق ، ذلك أن الحوار في أي قضية يقوم علي الرد ، والرد علي الرد ، فإن كان الغرض من هذا الرد هو مجرد رفض المكتوب جملة وتفصيلا ، انطلاقا من مناهضة خلفية صاحبه ، ودون معالجة مضمونه ، سيكون ذلك علي حساب الحقيقة التي يحتمل أن يتضمنها ذلك المكتوب ويصبح الرد  المطلوب أصلا ، هو ليس نقدا علميا ، بل ردا لحق دون وجه حق ، فتلك هي مصيبة البلد الحقيقية ، أما المصائب السياسية ، فيتم تجاوزها ، بأبسط  معالجة : بالمصالحة ، بالحوار... وهيهات أن نتغلب علي مصيبة الكتابة دون الالتزام بالعلمية ، إلا بالمصالحة مع النفس والحوار الداخلي ، وهو ما يفتقر إلي الوسطاء الوطنيين ، وتنعدم للشروع فيه شروط تأتي من هنا أو هناك ، اللهم إذا نام الكاتب واستيقظ وقد أخذ علي نفسه عهدا بأن لا يكتب إلا بعد تفكير وتأمل بادئا أو ناقدا .

كامل الود