منذ السادس من أغسطس ، على مدى سنواته الخمس في المأمورية الأولى ، عودنا رئيس الجمهورية على العديد من الخرجات الإعلامية الكثيرة ، بعضها خلال الزيارات التي يقوم بها للولايات ، و بعضها في مقابلاته العلنية مع الصحافة ، و حتى و هو على سرير المستشفى في حادثة الرصاصة المشهورة خرج الرئيس على الإعلام ، و ربما كانت الحالة الوحيدة التي يتفق الجميع أنها حدثت في الوقت المناسب .
و قد تراوحت كل التصريحات الصحفية للرئيس خلال هذه الخرجات بين الردود المباشرة على المعارضة ، و الهجوم اللاذع عليها و حتى السخرية منها .
و لم تلك التصريحات المباشرة وحدها التي تكرس هذا المنحى، بل إن مسلسل التعامل مع المعارضة من طرف جميع أعضاء الحكومة منذ البداية و استصغارها، وتهميشها في الدينامية السياسية للبلد كان الطابع العام للحياة السياسية في هذه الفترة ، مما شكل مناخا مناسبا للاحتقان السياسي و الاجتماعي ، و أرضية خصبة للمحاولات الخارجية لزعزعة الاستقرار و تشجيع التطرف .
خلال الزيارة الأخيرة للحوضين ، و على غير العادة ، لم ينظم ولد عبد العزيز أية مهرجانات خطابية، بل كانت المداخلات كلها مقتضبة ، و الأجوبة على الأسئلة القليلة قصيرة ، الأمر الذي جعل المراقبين يتساءلون عن دواعي الصمت لدى الرئيس.
يفسر البعض الظاهرة هذه على أنها رسالة إلى المعارضة بجدية الحوار ، و رغبة الرئيس في انطلاقه ، و استعداده لطرق جميع النقاط المطروحة ، و يرى آخرون أن مشكلة "أسنيم" و حساسيتها جعلت الرئيس يقلل الحديث و يحاول إبراز صورته للرأي العام على أنه صاحب انجازات ميدانية شملت جميع مناحي الحياة و في كل أنحاء الوطن ، و هو ما انعكس في الكم الهائل من التدشينات ، و التي قد تصل تكاليف بعضها إلى نسبة قليلة من تكاليف الزيارة نفسها على خزينة الدولة.
فيما ذهب البعض الآخر إلى النظر إلى الأمر من زاوية مختلفة ، إذ يرى أنها هي محاولة لاستقراء الساحة و تهيئتها لحراك شامل ، قد يكون على شكل مسيرات أو مبادرات تطالب بتغيير الدستور و حل المجالس المحلية و التشريعية ، مما قد ينتج أرضية مواتية لسيناريو بوتن- مدفيدف ، مع تحسينات قد ترضي بعض أحزاب المعارضة ، كتقليص صلاحيات الرئيس ،و تعميم النسبية في الانتخابات النيابية و تقليص مدة مأمورية الرئيس و البرلمان إلى أربع سنوات.
و مهما يكن من أمر فإن هناك مخاضا ما لم تتضح معالمه ، فيما يطبع الرأي العام مزيج من الخوف و القلق على مستقبل و استقرار البلد في هذا الخضم المتلاطم من الصراعات الدامية التي تقترب من الحدود.
أملنا أن يتطور الوطن ، لكن خوفنا على استقراره يجعلنا نفضل عدم البناء على الدمار ..