منذ الوجود القانوني لمقاطعة الشامي، وبداية ظهور المنشآت الإدارية ومظاهر الإعمار في مركزها، بدأ طرح سياسي ساخر تجاهها تحول إلى وقود لبث الحماس في مهرجانات مجموعة سياسية، أعتبر نفسي محسوبا عليها ألا وهي المعارضة الوطنية.
وقد لفت انتباهي بداية بشيء من التحفظ والحذر، وبتحوله إلى معزوفـة أبسط ما يقال عنها أنها لا تحترم شعور سكان مقاطعة الشامي، وأصحاب المصلحة – ضمن المجموعة الوطنية - في إنشائها: أصبح يلفت الانتباه بشكل كبير.
وبما أنني من السكان الأصليين للمنطقة التي أنشئت فيها هذه المقاطعة الجديدة، وإن كنت فعليا وقانونيا من ولاية الترارزة: فقد أردت أن أطرح حول هذا الموضوع عدة سطور، وإني على استعداد أن أناقش أي فقرة من هذه السطور مع من لا تروق له، أو يجد استشكالا بشأنها.
وحتى لا أكون مدعيا الانتساب إلى تلك المنطقة أو متطفلا على شؤونها: فأنا ولدت عند بير القارب في الطرف الشمالي للمقاطعة، حوالي 80 كلم خط مستقيم، ووالدي أحمدو، ولد عند، "أَيَّرْ" 20 كلم جنوب مركز المقاطعة، وشقيقتي فاطمـة، ولدت عند "احديبْ أغيان" شمال مركز المقاطعة، وفي كامل المنطقة قضيت فترة من عمري متنقلا مع أحياء من أهلي، وفيها تتناثر مقابر أجدادي، وكثبانها وتلالها وسهولها... يكتظ بها تراثهم: شعرا ونثرا وتقاليد مرويـة...، وقد حفروا العديد من آبارها، ولا تزال تستقر بها مجموعات من محيطي الاجتماعي.
إذن أعذر:
- إذا كان ذلك الطرح السياسي الرافض لإنشاء المقاطعة لا يروق لي من ناحية، وإن كنت أطلت السكوت.
- إذا كتبت عنها هذه السطور تبيانا لبعض الحقائق من ناحية ثانية.
- ولأن ما أكتب هنا ربما عبر عن رأي الساكنـة من ناحية ثالثـة.
- ولا غضاضة إذا تطرقت في السياق العام لواقع الشمال الموريتاني وبعض جهات البلد وعلاقة الكل بالتقطيع الإداري والبلدي الحاليين، لارتباط ذلك بالموضوع من ناحية، ولتطرق الساسـة له ضمن أحاديثهم عن إنشاء مقاطعة الشامي كمثال لهدر الطاقات الوطنية فيما لا طائل من ورائه.
وسأقدم سطوري هذه حسب المحاور التاليـة:
أولا: المنطقـة التي ضمتها مقاطعـة الشامي:
تكونت مقاطعة الشامي الحالية من مركز المامغار الإداري قديم النشأة والذي هو جزء من ولايـة إنشيري، كان مودعا منذ حرب الصحراء لولايـة داخلت انواذيب (الولاية الثامنة آنذاك)، بسبب صعوبـة الاتصال بين أكجوجت والمامغار ثم مركز اتميمشات الإداري وهو جزء من ولايـة داخلت انواذيب.
وجزء من ولايـة اترارزة ثمثله قرى الصيد: لمحيجرات ولمحيجرات الجديدة وتيوليت ومجال هذه القرى الترابي، ولقد كان هذا الجزء اقتطع من ولاية الترارزة سنة تأسيس البلديات وضم إلى بلدية المامغار ربما بسبب وحدة السكان ووحدة النشاط الاقتصادي.
ثانيا: المنطقة وعوامل الطرد:
إن المنطقـة منذ عصور سحيقـة مقسمـة إلى نطاقين : - نطاق حضري أو قروي يترامى على شاطئ المحيط يسبق وجوده أي وجود آخر معروف للتحضر في بلادنا، كما يحدثنا تاريخ هذا البلد القديم والوسيط.
- نطاق أو ظهير ريفي ظلت تجوبه مجموعات رحل تترصد مساقط الأمطار ومواطن الكلأ إلى عهد قريب جدا (منذ سنوات). إن هذين النطاقين تكالبت عليهما عوامل طبيعيـة وعسكريـة وسياسيـة... أو بعبارة أخرى عوامل طرد مدمرة، توازيها عوامل جذب في جهات أخرى من الوطن، أثرت تلك العوامل على النطاقين تأثيرا يختلف باختلاف عوامل المقاومـة لدى كل من النطاقين، إن هذه العوامل تمثلت في:
1- منذ 1964 أخذت المنطقة بكاملها تتعرض لجفاف يضربها بدون رحمـة في منحَنًى ظل يتصاعد تكون السنـة الموالية فيه أكثر تدميرا من السنـة التي سبقتها وإن كانت أحيانا تأتي سنـة ممطرة بصفـة نادرة.
2- حرب الصحراء التي دارت في شمال البلاد والتي لم تلبث المنطقـة بكاملها أن أصبحت في عمق معاركها.
3- اتخاذ الدولـة النطاق الغربي أو الحضري( الشاطئ) حظيرة محميـة بامتداد 50 كلم إلى الشرق من الشاطئ في عمق النطاق الريفي، تلك الحظيرة التي تعمل بقوانين أبسط ما يقال عنها أنها قوانين استثنائيـة، فأضحت بذلك تسير السكان في العديد من مجالات حياتهم متبعـة سياسـة تهدف في جوهرها إلى تفريغ المنطقـة من السكان حتى لا يعكر صفو المحمي، وقد صدق فيها قول الشاعر الشاب أحمد ولد الوالد في قصيدة ألقاها أمام والي داخلت انواذيب في إحدى زياراته لمركز المامغار، مطلعها: لكم منا التحيـة والسلام... إلى أن يقول:
حظيرتنا وريث حمى كليب *** بهائمها يعد لها الطعام
يلوذ بها الحَمام يروم أمنا *** وساكنها يطارده الحِمام
4- عدم إقامـة الدولة الناشئة آنذاك أيـة بنية تحتية تساعد السكان على المقاومـة في منطقتهم: الصحـة، التعليم، الكهرباء، الطرق، المياه...
فلا أذكر في هذا المجال سوى قسم واحد للتعليم الأساسي في قريـة المامغار وآخر في تيشط يتخذان كوخين كحجرتين للتدريس، وأول بئر أنبوبي يحفر في المنطقـة سنة 1994.
وقرى الشاطئ وعددها 12 قريـة التي قاومت، ظل جزؤها الشمالي إلى سنة حفر البئر الآنفـة الذكر يتزود بالمياه من انواذيب عن طريق الزوارق والجنوب من هذه القرى يتزود بالمياه من انواكشوط عن طريق السيارات، فكان سعر برميل الماء (200 ليتر) يباع بـ7 إلى 8 آلاف أوقيـة، وبعد حفر البئر أضحت تزود منه بالسيارات.
هذه العوامل وغيرها لعبت دورا كبيرا في تفريغ الكثير من السكان من النطاق الريفي مدفوعا بعوامل الطرد الآنفـة ومنجذبا بعوامل الجذب في العاصمتين الاقتصادية والسياسيـة والتساقطات المطريـة في الترارزة والبراكنة.
وأما القطاع الحضري فقد قاوم بفعل نشاط الصيد، فلم تختف ولا قريـة واحدة من القرى التي كانت موجودة إبان الاستقلال بل ظهرت قريـة آركيس التي كانت اختفت في الفترة الاستعمارية.
وقاوم جزء لا يستهان به من ساكنـة النطاق الريفي، يظهر الآن الكثير منه متناثرا على جانبي طريق انواكشوط انواذيب مشكلا نوَى: قرى ناشئـة ثم أحياء بدويـة نصف مستقرة والآخر رحل، وجزء يعمر الآن مركز المقاطعـة الناشئـة يسابق الزمن في البناء والإعمار مستفيدا من المنشآت الكهربائيـة والمائيـة والتعليميـة والصحيـة التي أقامتها الدولـة في مركز المقاطعـة، بعد أن كان حرم منها طيلـة 52 سنة هي إضافـة إلى سنـة ونصف عمر الدولة الوطنيـة الحديثة التي من المفترض أن توزع اهتمامها وجهود التنميـة توزيعا عادلا بين جميع مناطق الوطن، بيد أنها ركزت اهتمامها على جهات وأهملت أخرى من ضمنها الشمال الذي من ضمنه منطقـة الشامي، وهذا ما يجرنا إلى الحديث عن جهات الوطن وتفاوتها في الأهميـة.
ثالثا: أهميـة مناطق "جهات" الوطن
بدايـة أؤكد أن كل مناطق الوطن مهمـة، والدليل على ذلك أنه لا الدولة مستعدة ولا أي مواطن للتنازل عن أي شبر من التراب الوطني مهما كان غناه أو فقره، ومع ذلك فلا جدال في تفاوت المناطق في الأهميـة الاقتصادية أو الديمغرافية أو الثقافية... لا أهميـة المنطقـة أو الجهة في حد ذاتها، فتلك أهميـة مسلمـة:
1- منطقة مقاطعة الشامي:
سيكون الحديث هنا ردا على سؤالين مفترضين، يتمثلان في معرفة الأهميـة التي تجعل نطاقي الشامي يستحقان شكلا من التنظيم الإداري يرقى إلى درجـة مقاطعة، ومبررات الإنفاق على ذلك التنظيم والمجالات الأخرى في المنطقة؟
إن أهمية المنطقة تظهر في جملة من العناصر الاقتصادية والديمغرافية والحضارية والسياحية... فعلى سبيل المثال:
- تملك مقاطعة الشامي (المنطقة) النصيب الأوفر من شاطئ موريتانيا ويعتبر ذلك المقطع من أغنى مقاطعه بالأسماك، بل أغنى منطقـة في شاطئ غرب إفريقيا، يضاف إلى ذلك أهمية كبرى في هذا الصدد وهي حوض أكادير (آركين) الذي هو منطقة تكاثر الأسماك في موريتانيا.
- يوجد في شمال المقاطعة ما يعرف بحديد تازيازت الذي تقدره بعض المراجع بـ6 مليارات طن من الاحتياطى المؤكد والمخمن، يضاف إلى ذلك الذهب الذي لا يبعد عن مركز المقاطعة سوى 40 كلم إلى الشمال الشرقي (خط مستقيم)، ومعدن أم آكنينه الذي يتحدث عن قرب البدء في استخراجه.
- مقطع من البحيرة (الأنبوب المائي العذب) الواسعة الانتشار وهو المقطع الواصل بين بحيرتي بنشاب وبولنوار.
- منطقة مثاليـة لنمو الحيوانات حالة تساقط الأمطار، ورغم الجفاف، فلا تزال المنطقـة تحتفظ بثروة حيوانية ضخمـة خاصة الإبل والضأن والماعز، كما توجد أعداد لا بأس بها من الأبقار تستقر على الآبار الأنبوبية في ناحيتي" أنكم" بآكنيتير وارقيطات بجنوب تازيازت.
- يخترقها طريق انواكشوط انواذيب بمقطع طوله حوالي 300 كلم وهو طول المقاطعة، هذا الطريق الذي يربط بين غرب إفريقيا وغرب أوربا مما يجعله يتسم بالصفة الدولية بكل ما يعنيه ذلك من حركة تجارية وتنقل للأفراد خاصـة الأجانب بكل ما يعنيه ذلك من أعباء إداريـة وأمنية.
- من حيث السكان سنعتمد الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي الماضي الذي يعطي الأرقام التالية:
- بلدية المامغار 1870 ناخبا
- بلدية اتميمشات 480 ناخبا، وهي بلدية حدودية (السكـة الحديدية) فرغتها الحرب من معظم سكانها.
- بلدية الشامي 4150 ناخبا.
إن بلدية الشامي ذات الكم الانتخابي أعلاه، يصفها بعض الساسة بأنها تنفق فيها الأموال على الطيور والأفاعي والعواصف الرملية، في حين نجد بلديات في عمق الولايات الأكثر سكانا، وبالتالي كثافة على مستوى الوطن لا يصل ناخبوها إلى ألفي ناخب، ولا أريد أن أعطي مثالا معينا رغم توفري على الإحصائيات في هذا المجال.
- من الناحية السياحية:
تتوفر على شاطئ ومناطق طبيعيـة أخرى توجد بها أنواع وظاهرات تمثل إلى جانب طقس الشاطئ عناصر جذب للسواح، ولا أبالغ إذا قلت إن هذه المنطقة من أهم المناطق السياحيـة في البلد، وعندما تهتم بها الدولـة، بأن تمد نحوها طرقا من أي نوع وتقيم منشآت تساعد المستثمرين الوطنيين والأجانب على إقامـة الفنادق والمنشآت السياحيـة الأخرى، وتحد الدولة من القبضـة الحديدية التي تفرضها إدارة الحظيرة على الجانب البري من الحمى ابتداء من الشاطئ ولا أقول الجانب البحري، لأن الحمى البحري واجب الاستمرار حتى لا يعبث الصيد الصناعي المفسد بمناطق تكاثر الثروة السمكية.
عندما تتوفر تلك الظروف فإن المردودية السياحيـة لهذه المنطقة وانعكاساتها على البلد ستوازي مردودية البترول على إحدى الدول البترولية.
- من الناحية التاريخية والحضارية:
توجد بمقاطعة الشامي قرى تعد من أقدم الوجود الحضري المعروف تاريخيا في بلدنا مثل آركيس الذي هو امتداد لحضارة "الطينطان، تفيريت" التاريخيـة، أنجيلات "أبلوخ" الذي فصل عنها مؤخرا، المامغار، إنها قرى تمثل امتدادا لمدن وقرى كانت قائمـة، كما يوجد بها رباط المرابطين حسب معظم المؤرخين.
وعليه فإن إنشاء مقاطعـة الشامي والاستثمار فيها لا يقل أهمية عن مقاطعات أخرى، وليس استثمارا في طيور سابحـة في الفضاء والأفاعي والعواصف الرملية، كما يتحدث الساسـة الرافضون لهذا المنحى، صحيح أن خلجان وكهوف وجزر الشامي تستهوي أجمل طيور العالم وأكثرها تنوعا، مما يزيد من جمالها وجاذبيتها لدى المواطن والسائح الأجنبي.
2- مناطق (جهات) الوطن الأخرى
أعني جهات الوطن ككل بما فيها الشمال الذي تقع مقاطعة الشامي ضمنه.
فبالنسبـة للشمال بصفـة عامـة تظهر أهميته في كونه:
- يكنز حتى الآن كل المعادن المكتشفـة في موريتانيا باستثناء معدني بوفال واندغمشـه، وكل المعادن التي تستخرج باستثناء جبس اندغمشه.
- مراعي خصبـة عندما يمطر، يتفق المنمون على أنها من أجود المراعي وأعلاها قيمـة غذائيـة، والمطر في الشمال شديد الفاعلية، لذلك تأثير سنـة مطرة في الشمال تستمر آثارها الإيجابيـة على الغطاء النباتي والعشبي سنوات بينما العكس في الوسط والشرق والجنوب... وفي ذلك يرد المثل "الجنوب سماء بلا أرض والشمال أرض بلا سماء"، فالمطر في الجنوب كثير، ولكن تأثيره سرعان ما يختفي لشدة التبخر وطبيعة امتصاص التربـة... وفي آدرار يقولون: "نعم الساحل جدب آدرار" يعني أنه عندما تكون مناطق الساحل أي الشمال خصبـة فإن القطعان التي ستتجه إليه من البراكنـه وتكانت وشمال غرب الحوض الغربي (تامشكط) وربما شمال العصابـة، ستمر بآدرار جيئـة وذهابا فتجدبـه أثناء عبورها له.
أما في إينشيري ومناطق داخلت انواذيب وتيرس الغربية فمن المعروف عندهم: رحلتا الشتاء والربيع من الترارزة والبراكنـه اتجاه الولايتين الآنفتي الذكر وتيرس الغربيـة، وتعود القطعان في أوائل الصيف إلى مواطنها الأصليـة بعد أن تكون قضت في الشمال أكثر من ستــة أشهر، ولذلك يتوارثون المثل: "مجرودة ولا متروزة" يعني أنهم يفضلون الجراد على القطعان التي سترد من الترارزة لكثرتها وطول المدة التي ستقضى.
إن كل ذلك يفسر الأهميـة الرعويـة للشمال بصفـة عامـة، آدرار، تيرس الزمور، إينشيري، داخلت انواذيب.
ولا يزال الشمال يتوفر على ثروة حيوانية ضخمة من الإبل والأغنام والمعز.
- الشمال يستأثر حاليا بمعظم المناطق السياحيـة النشطة (آدرار وداخلت انواذيب على سبيل المثال...).
- الشمال من الناحية التاريخية والحضارية: كل التأثيرات وعوامل التغيير التاريخية والحضارية التي أثرت في البلد يستقبلها الشمال تستقر فيه برهـة وتتفاعل فيه، ثم ينتقل تأثيرها بعد برهـة إلى مناطق البلاد الأخري، وهذا يعني أن شمال موريتانيا منذ ما قبل التاريخ هو بوابتها الحضاريـة، وهو ما يفسر استئثاره بمعظم المواقع الأركيولوجيـة والقرى والمدن الوسيطـة.
- من الناحيـة الديمغرافيـة، فهو رغم عوامل الطرد التي تكالبت عليه المدعمـة بعوامل الجذب خارجه، فهو لا يزال يحتفظ بجزء لا يستهان به من سكانه الأصليين، ولا أقصد من يوجد منهم في مدينتي الزويرات وانواذيب، وإنما أقصد أولئك الذين لا يزال يحتفظ بهم في مدنه الأخرى وقراه المنتشرة في أريافـه، ناهيك عن تلك الموجات التي غادرت الشمال ابتداء من السنوات الأولى للاستقلال بفعل عوامل الطرد، وعدم وجود عوامل تقاوم الظروف الصعبة المستجدة، فاستقرت تلك الموجات في الجنوب والوسط والشرق تعمر تلك المناطق وترفع من كمـها الديمغرافي.
فالكثير من سكان آدرار الذين نزحوا منذ فترة وجيزة يشكلون الآن مناطق كثافـة في البراكنـه وتكانت وتامشكط (غربي الحوض الغربي) على سبيل المثال: حزام القرى الممتد بمحاذاة طريق صانغرافـة المجرية، وإلى الشرق من تجكجـة "مدينـة تنتملل" وضواحيها.
أما إنشيري وداخلت انواذيب فقد نزحت منهما إلى الترارزة وانواكشوط قبائل بأسرها والعديد من القبائل الأخرى، بعضها يشكل الآن قرى خاصـة به في مقاطعات واد الناقـة وكرمسين والمذرذرة وبدرجـة ثانيـة بتلميت، أما ما تكدس منهم في مقاطعات انواكشوط فقد نعتبره شيئا عاديا لأن العاصمـة شكلت منطقـة جذب لكل الموريتانيين لتركز الكثير من النشاطات فيها.
والسؤال المطروح: هل ترك هؤلاء أوطانهم باختيارهم؟ أم تركوها مدفوعين بعوامل الطرد في الشمال وعوامل الجذب في مناطق أخرى، والحال أن موطنهم من أغنى مناطق البلاد بالثروات، فهل من العدالـة والإنصاف أن يظل الشمال يفرغ من سكانه لعدم القيام ببنيـة تحتية تساعد ما بقي من سكانه على الاستقرار، وفي المقابل يظل يفرغ من خيراته وتصرف عوائدها في تنمية الجنوب والوسط والشرق....
والأخطر من ذلك أن بعض تلك الخيرات التي تستخرج من الشمال تستخدم لاستخراجها مواد سامـة، وبعضها ربما مشع تقتل بسمومها ما بقي من الإنسان والحيوان والنبات في الشمال، وتستثمر عائداتها في تنمية الإنسان والحيوان والنبات في الجهات الأخرى.
أما جهات الوطن الأخرى فمن نافلة القول التذكير بأهميتها، لأن النقاش يدور حول إمكانية وجود مناطق أخرى تشاركها في الأهميـة كالشمال مثلا، أما أهميتها هي فليست محل اتفاق فقط بل محل إجماع.
ورغم ذلك، ورغم 54 سنة- هي عمر الدولة الوطنية-: من الاهتمام بتلك الجهات وتركيز جهود التنمية عليها، فلا تزال أهميتها تظهر في الزراعـة والرعي والكم الديمغرافي.
ومن المعروف وطنيا ضآلـة مساهمـة القطاع الريفي (الزراعـة وتنمية الحيوانات في الدخل الوطني وحتى الآن). فهل القطاع الريفي الممثل لجزء كبير من الأهمية الاقتصادية للجنوب والوسط والشرق: حالـة ميئوس منها، رغم الأولويـة الممنوحة للقطاع الريفي منذ الاستقلال وحتى الآن، وتركز جهود التنمية على إقامـة المزيد من البنية التحتية في تلك المناطق والتي تساعد على تطويره؟.
ناهيك عن سلبيـة زيادة المتغير (السكان) في مواجهـة الثابت (الكم الاقتصادي). إذا كان هذا الأخير ضعيفا.
إن الحديث عن حجم العناصر الاقتصادية التي ترفع من أهمية جهة تجعلها تستحق الإنفاق على تنميتها وأن تحظى بمستوى من التنظيم الإداري وتوفر الأمن يجعلنا نتطرق إلى التقطيع الإداري والبلدي في بلدنا.
رابعا: التقطيع الإداري والبلدي
حقيقـة التقطيع الإداري السائد الآن قديم جدا وغير مساير لتطور البلد، ونتيجـة للتطورات الاقتصادية والديمغرافية والأمنية... تراجع- ولا أقول فقد أو انعدم- دور مناطق واكتست مناطق أخرى أهمية زائدة على أهميتها الأصلية كنقطـة من الوطن.
وعليه فإن التقطيع الإداري والبلدي كل منهما بحاجـة إلى مراجعة شاملة، فهناك ولايات تضم عدة مقاطعات لا يمثل الكم الديمغرافي العامل الأساسي في إنشاء تلك المقاطعات ولكن بسبب عوامل أخرى لا جدال في أهميتها، وهناك بعض الولايات الني ظلت من مقاطعة واحدة رغم توفرها على عوامل متعددة مهمة: إينشيري، داخلت انواذيب قبل إنشاء مقاطعة الشامي.
وفي هذا المجال كنت إلى جانب نائبي انواذيب طيلـة عشر سنوات في الجمعيـة الوطنيـة، كلما حضر وزير الداخليـة إلى الجمعية نطرح عليه قولـة أصبحت معروفـة لدى زملائنا يسبقنا بعضهم إلى طرحها أحيانا مشاكسـة لنا، وهي: " السيد الوزير ليس من الممكن أن يناط بحاكم انواذيب المركزي حل مشاكل قرية أبلوخ 50 كلم شمال انواكشوط، يا سيادة الوزير لا بد من مقاطعة ثانية في داخلت انواذيب" يعني أن حاكم انواذيب الذي يحكم مدينـة منائيـة وصناعيـة بكل ما يعنيه من ذلك من مشاكل عليه أن يقطع 450 كلم في أعماق الريف الذي لا توجد به طريق معبدة ولا ممهدة، ليحل مشاكل قرية أبلوخ التي لا تدخل ضمن اختصاص رئيس مركز المامغار الإداري الذي ألحقت به قرى لمحيجرات وتيوليت، أبلوخ التي كانت قبل التقطيع البلدي جزءا من مقاطعة واد الناقـة ذات المركز القريب من هذه القرى.
وهو من ناحيـة أخرى يظهر عشوائيـة وعدم عدالة التقطيع الحالي، كما أن حجم السكان وكثرة المشاكل في مدينة انواذيب الصناعيـة يبرر تفرغ حاكم انواذيب لحل مشاكل تلك المدينـة من ناحية ووجود مقاطعة في ريف انواذيب يربط حاكمها وينسق بين المراكز الإدارية الأربعـة المكونـة لذلك الريف، بولنوار إنال، اتميمشات، المامغار. إن المعيارين الاقتصادي والديمغرافي لا يلعبان وحدهما الدور الوحيد الذي على أساسـه يمكن أن تنشأ مقاطعة أو مركز إداري أو بلدية، وإنما تتعدد المعايير والعوامل وأحيانا يسبق العامل الأمني أو الاستراتيجي كل العوامل الأخرى.
أما إذا تآزرت معظم العوامل في منطقـة: أمنيـة، إستراتيجيـة، اقتصادية، ديمغرافيـة... فإن إنشاء كيان إداري أمني يصبح واجبا، - وهو ما حدث في منطقـة الشامي. –
كما أنه في شمال شرق البلاد، هناك أراض شاسعـة جدا ومهمـة جدا توجد بها مقاطعة معلقـة أو مجمدة منذ حرب الصحراء هي مقاطعة عين بنتيلي، يجب أن يرفع التعليق عن هذه المقاطعة وتنشط لضرورة أمنية وإدارية واقتصادية أبسط ما فيها تنشيط التبادل الاقتصادي وتنظيم العبور مع الجارة الشقيقـة، الجزائر، وحافزا لإعادة الحديث عن بناء الطريق السيار الرابط بين الجزائر وموريتانيا والذي كان بناؤه موضع حديث لدى مسؤولي اتحاد المغرب العربي في العقدين الماضيين. –
وفي المجابات الكبرى تطالعنا وسائل الإعلام المرئيـة بوجود عسكري وطني مهم لحماية بلدنا، ومن الضروري وجود شكل إداري إلى جانبه يجذب حياة مدنية واقتصادية تتركز في ذلك النطاق الذي ظل إلى عهد قريب مهملا ويخفض ذلك الوجود الإداري من الطابع العسكري المحض في ذلك النطاق ويسمح بتوطين أسر أفراد الجيش وتكون الحصيلـة النهائيـة: الأمن والإعمار، بعد أن كان المكان قفرا وربما وكرا للجريمـة العابرة للحدود وتهديدا لأمن البلد. –
إن ولايـة إينشيري هي الولاية الوحيدة الآن التي لا توجد بها إلا مقاطعـة واحدة رغم ضخامـة المساحـة وأهميـة الثروات المعدنية والحيوانيـة والبحريـة وحجم السكان النسبي، وحتى الصناعيـة: الصناعـة الإستخراجيـة وصناعـة المياه المعدنية، فلماذا تبقى كذلك.
كما يلاحـظ أنه ابتداء من ميناء الصداقـة وحتى قريـة انجاكو جنوبا لا توجد سلطـة إدارية على الشاطئ ولا قربه رغم أن طول الشاطئ في هذا المقطع يزيد على 200 كلم وهو عرضـة للأجانب (الصيد) يعيثون فيه فسادا نتيجـة لبعد المركزين اللذين تنطلق منهما وسائل الرقابـة عن عمق المنطقـة (انواكشوط شمالا، وانجاكو جنوبا).
فقد كان من المتوقع أن تركز الدولـة سلطـة إداريـة في القطب الاقتصادي الذي أنشأت في السنوات الماضيـة في خانطور 140 كلم جنوب انواكشوط على الشاطئ وهو القطب الاقتصادي الذي أنفقت فيه أكثر من 4 مليارات أوقية ومدت إليه طريقا طوله 30 كلم وهو الآن شبه معطل رغم توفره على بنيه لإستقبال كافـة الهيآت المطلوبة من بنايات إدارية ومركز للتكوين ومدرسـة ومستوصف ودور سكنيـة وغيرها من المنشآت المعطلـة.
إن النظرة السائدة لدى مراكز القرار في وزارة الداخلية اتجاه الغرض من إنشاء البلديات يبدو أنها تنكسر على حائط بناه تصور: هو أن إنشاء بلدية: يتطلب أعباء جديدة، ولا تنظر إلى البلدية كنظام حديث لتسيير جوانب من حياة المجموعة المحلية يحل محل أنظمـة التسيير القديمـة كمجالس القبيلـة أو الجهـة أو الفئـة.
المجلس البلدي نظام حديث يناسب العصر لتسيير جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية... لمجموعة محلية مثل أقسام الأحزاب التي تسيرها سياسيا والنقابات التي تدافع عن العمال والجمعيات والروابط والتعاونيات التي تسير جوانب أخرى من حياة المجموعة بدل النظم التقليدية الفاسدة التي تناسب القبيلـة أو الفئة.
إنها إلى جانب ذلك تطور المجموعـة التي انضوت تحت نظمها وتدربها على أساليب التسيير والإنتاج والعمل الجمعوي المختلط المتنوع.
أما من ناحية الأعباء فالعمدة والمجلس البلدي وعمال البلدية لا يتلقون أي مخصصات من خزينـة الدولة، وميزانية البلدية تتكون من رسوم تضعها البلدية على مصادر الدخل الواقع ضمن اختصاصها الترابي.
ولا تلتزم الدولـة بتوفير فرق الحرس أو الشرطـة أو الدرك في أي بلدية ليست عاصمـة ولايـة أو مقاطعـة أو مركز إداري كما لا يظهر في ميزانية الدولـة أي باب أو فصل أو مادة خاصـة بالبلديات باستثناء الصندوق الجهوي للتنمية الذي اقترحته الجمعية الوطنية سنة 1992 والذي يدخل ضمن مجهود التنمية الذي تبذله الدولة على مستوى ولايات الوطن.
فلما ذا والحالـة هذه، لا يكون الاتجاه العام لدى منظري وزارة الداخلية هو إحداث المزيد من البلديات على مستوى الوطن وذلك للحد من الصراعات على مستوى البلديات الحالية، لتكوينها أصلا في معظمها من مجموعات غير متجانسـة بسبب كثافـة المساحـة عادة وكثرة السكان الذين تضمهم البلدية غالبا، وكون بعض من تضمه بلديـة أحيانا قطع من ولايـة أو مقاطعـة وضم إلى ولايـة أو مقاطعـة أخرى، مبتورا في الحالتين من محيطـه الاجتماعي، وعلاقاته، وامتداداته التاريخية والحضارية للنهوض بالمجموعة الوطنية بانتشال الكثير منها من التقوقع في الأرياف داخل نظمه التقليدية: فهل يستطيع مجلس بلدي أن يؤطر أو يصل نشاطـه إلى مجموعة تابعـة له تبعد 500 كلم مثلا عن مركز بلديته، كما هو الحال في بعض البلديات خاصـة وأنه يكون مشغولا بمجموعات كثيفة من بلديته وقريبـة منه جدا.
وإذا كان القانون المنشئ للبلديات 1986 ينص على أن البلدية يمكن أن تنشأ في منطقـة يتكون سكانها من 800 نسمة فما فوق، فإني زرت بلدية في إحدى الدول الغربية يتكون سكانها من أقل من 200 نسمـة، وليس ناخبا، وقيل لي حينها أنه توجد بلديات في تلك الدولة يبلغ سكانها أقل من 150 نسمـة، علما بأن تلك الدولة سكانها على 50 مليون نسمـة.
فيستنتج أن الاتجاه السائد في تلك الدولة الغربية المتطورة هو توزيع السكان في وحدات أصغر ليتحقق الغرض من إنشاء البلدية، وهو اشتراك أكثرية السكان في عملية التسيير المحلي وتدريبهم على الصعود إلى المجالس الأعلى كالبرلمان والمجالس الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والدستورية.
كما أن بعض أقطار شمال إفريقيا تتبع التدرج أو نظام المستويات، إذ لديها المجالس الحضرية في المدن الكبرى ومجالس الجماعات والمجالس القروية، ولكل منها نظامه الخاص واختصاصه، وفي بلدنا المجالس البلدية من نفس المستوي ينظمها نفس القانون ولها نفس الاختصاص باستثناء المجموعة الحضرية بانواكشوط.
إن البلديات في بلدنا ظلت راسيـة على عددها منذ نشأتها سنوات 1986، 1987، 1988، إلى اليوم، لم تعرف زيادة في عددها ولا تعديلا في حدودها باستثناء زيادة بلديات الرياض عرفات، دار النعيم 1990 وبلدتي انبيكـت لحواش والشامي في الانتخابات الماضيـة.
إن هذا الجمود وعدم التطور في التقسيم البلدي والإداري يذكرني بجامعة انواكشوط التي أنشأها الرئيس محمد خونـه ولد هيدالـه في السنة الجامعية 1981-1982 من كليتين واستمرت طيلـة ثلاثـة عقود بنفس الكليتين، وبعد أن انفصلت عنها كليـتا الطب والتقنيات حديثتا النشأة رجعت جامعتنا - التي ظلت يتيمـة إلى عهد قريب - بنفس الكليتين بعد 32 سنـة من إنشائها، علما بأن كليـة العلوم والتقنيات التي استحدثت كان إنشاؤها عبارة عن نزع لافتـة كانت مكتوبا عليها المدرسـة العليا للتعليم وأبدلت بلافتـة كتب عليها كليـه العلوم والتقنيات وأغلقت الأقسام الأدبية التي كانت توجد إلى جانب الأقسام العلمية في المدرسـة العليا التي حولت إلى كليـة علمية.
إنه جمود يطبع الحياة الإدارية والبلدية والاقتصادية وحتى العلمية في بلدنا وكلما حدثت محاولـة لإحداث ثغرة في ذلك الجمود كنوع من محاولة التطوير أو التنميـة يرفضها الطرف الذي لا يوجد في السلطة مستخدما نضجه السياسي وأساليبه الدعائية ليثبت أن ذلك التصرف مجرد استمرار لنهج الفساد أو الأحادية أو كبت الحريات، وغيرها من الأساليب التي يستخدمها الطرف الذي لا يحكم (معارضة).
المعارضـة ينبغي أن تفرق بين الفساد في أساليب الأحكام وما أكثره، وبين ما يلهم الله الأحكام أن تفعله أحيانا لصالح البلد.
إننا لا ننسى الضجة وسنـة المشاكل اللتان حدثتا عن إنشاء جامعـة إسلاميـة وفي الأخير اتضح أن أسباب تلك الضجـة هو قرار إنشاء تلك الجامعة في العيون وأن من يهمه أمرها كان يريد أن تكون في انواكشوط لتنضاف إلى المرافق الأخرى ويبقى الداخل مفرغا من تلك المرافق، وتبقى انواكشوط تحتكر معظم مظاهر الحياة المعاصرة وتكون النتيجـة المزيد من تفريغ الداخل من سكانه بحثا عن الولوج لتلك المظاهر.
إن الساسـة الذين يصفون الشامي أنه منطقـة خالية تهدر فيها الأموال،إذا أردت أن أعطي منهم أمثلـة فسأنتقي بعض الصفوة، ومن هؤلاء:
أخي، السياسي الكبير الذي استفدت من آرائه السياسيـة أيام كان المدير السياسي للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي وخمس سنوات جمعتنا في الجمعية الوطنية، أعني السيد محمد فال ولد بلال، والفقيـه الأستاذ المحترم الحسن ولد مولاي اعلي، الذي أدار مؤخرا حوار مع محمد فال في إذاعة التنوير تطرقا فيه للشمال بصفـة عامـة وإلى مقاطعة الشامي بصفـة خاصـة، وكذلك السياسي المحترم كان حاميدو بابا- رئيس حزب- أثناء حديثه في المهرجان الأخير لحزب تواصل في مقاطعة الميناء الهادف إلى مقاطعة الانتخابات.
لقد كان إنشاء مقاطعة الشامي مادة دسمـة وموضوعا شيقا للسخريـة عندما طرح الصحفي القدير والفقيه الحسن مولاي اعلي السؤال بأسلوب ساخر على ولد بلال:"هل زرت مقاطعة الشامي؟ والسؤال المطروح هل يجهل السياسيان القديران الأوضاع البشرية في منطقـة الشامي إلى هذا الحد؟ أم يعرفان المنطقـة وتعمدا السخرية منها.
أما السياسي كان حاميدو بابا فقد انتقد سياسة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأحسن مثال على سوئها حسب كان حاميدو هو إنشاؤه لمقاطعـة الشامي والإنفاق على هذه المقاطعـة التي لا يوجد بها إلا الطيور حسب كان حاميدو بابا.
لا شك أن ساكنة منطقـة الشامي ستتأثر بهذه الأساليب وهذا النوع من الكلام، لأني شخصيا تأثرت بها، رغم أن عوامل الطرد طردتني منها منذ أكثر من أربعـين سنة وصيرتني من سكان كرمسين، فكيف بأولئك الذين بقوا فيها – إلى حد الآن- يقاومون عوامل الطرد وغوائل الزمن؟!
ومع ذلك أعرف في ساكنـة منطقة الشامي من رحابة الصدر ما يجعلهم مثلى نظل نحترم مقاطعـة اركيز وقرية انتيكان الزراعية الجميلـة بمسجدها ذي المآذن الشاهقـة ومقاطعة مقطع لحجار وصانكرافـة ومقاطعة المذرذرة وتيكند النخيل.
في نفس المقابلـة يقول محمد فال ولد بلال أنه في الـ35 سنـة الماضية لم يحكم البلاد إلا رؤساء من الشمال وكأنه يريد أن يفهم المستمع أن شيئا من المحاباة قام به رؤساء الشمال للشماليين.
وأنا أقول إن رؤساء الشمال الذين تعاقبوا اهتموا بالدرجـة الأولي بمراكز الاهتمام قبلهم، يقتفون آثار من سبقهم في مجالات التنميـة وغيرها ولا تتجاوز المشاريع التنمويـة التي أنجزوها في الشمال عدد أصابع اليد إذا استثنينا مدينتي الزويرات وانواذيب باعتبار الأولي مدينـة منجميـة والأخرى عاصمـة اقتصادية والمشاريع التي تنفذ فيهما لكافـة الوطن والساكنـة فيهما أضحت منذ عقود مشكلـة من كافـة جهات البلد والسكان الأصليون هم الأقليـة والدليل على ذلك تمثيلهما في المجالس البلدية والبرلمانية بشخصيات من الولايات الأخرى غالبا.
وأنا على استعداد لمناقشـة كل المشاريع الاقتصادية المنجزة في البلد منذ 1978 على الأقل خاصـة تلك المنجزة في العهد الديمقراطي.
إني مهتم بالمسار التنموي لبلدنا بل يسيطر علي هاجس كبير في هذا المجال، فعندما تطفلت على الأدب كانت أول روايـة كتبتها سنة 1978 تحت عنوان: "سمـكة إبريل" عندما تخيلت قطاع الصيد في انواذيب أشبـه بكذبـة إبريل بعد سنـة من العمل في انواذيب، وفي إطار الاهتمام بالتنميـة وآثار الجفاف ومرحلـة ما بعد السدود كتبت الرواية الطويلـة عودة الزراف 1985 وبعد تجربتي في البرلمان عشر سنوات وإطلاعي على حقيقـة ما يجري في البلد كتب روايـة للحديث بقيـة 2010...
ولدي أرشيف متكامل عن الموضوع، كما أني زرت معظم أو كل بلديات الوطن وأعرف وزنها الديمغرافي والاقتصادي والاتجاهات المحليـة التي توجهها والمناطق المستفيدة وتلك المحرومـة، وكذلك القبائل والمجموعات المستفيدة من الأنظمـة المتعاقبـة وتلك المحرومـة.
قول قولي هذا وأستغفر الله لي ولمن قرأ هذه السطور ولجميع المسلمين.