في زمن الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية والفشل التنموي والسياسي والاقتصادي وتراجع الديمقراطية وسيادة الفهلوة، وفي زمن داعش والميليشيات المسلحة والتنظيمات العنيفة وفي زمن فقدان الأمل بالمستقبل وفي زمن الانكسار أمام الوحشية الإسرائيلية وجد العالم العربي من محيطه إلى خليجه متنفسا ايجابيا في مباراة كرة قدم وهم يتابعون الأداء البطولي للمنتخب الجزائري الشقيق أمام ألمانيا في كأس العالم.
بالنسبة للجيل الذي شاهد بلومي وماجر وعصاد وقريشي وغيرهم وهم يهزمون ألمانيا العظيمة كرويا في كأس العالم 1982 ثم تحدث المؤامرة الألمانية-النمساوية المخزية لإقصاء الجزائر من البطولة كانت مباراة الأحد استعادة لماض جميل مر عليه 32 سنة. بالنسبة للجيل الأصغر سنا الذي هرم وهو ينتظر فريقا عربيا قادرا على المنافسة في كأس العالم مثلت الجزائر الأمل والحلم الذي انتظروه طويلا. توافقت كافة الأجيال العربية، وحتى من غير المتابعين لكرة القدم في دعم وتشجيع منتخب ثعالب الصحراء أو الأسود الخضر الذين أتعبوا الفريق الألماني كثيرا وكادوا أن يحققوا الفوز في المباراة لولا قلة الخبرة والتعب الجسدي الذي نال منهم كثيرا في الأوقات الإضافية وخاصة أن نسبة كبيرة من اللاعبين الجزائريين قررت الصيام في ذلك اليوم.
ثمة شيء خاص يجعل الجزائر ذات قيمة كبيرة لكافة العرب. ربما هو التاريخ المجيد للنضال ضد الاستعمار الفرنسي وربما هي الشخصية الجزائرية العنيدة والصلبة وربما هو دعم الجزائر الدائم للدول العربية في مواجهاتها التاريخية مع الاستعمار. ربما يكون ايضا في أن اللاعبين الجزائريين ركزوا كثيرا في تصريحاتهم الصحفية على قضايا أخلاقية وعلى دعم التعاطف مع الشعب الفلسطيني وربما أن ملايين العرب لا يزالون يذكرون أداء الجزائر في كأس العالم 1982. لكن الثابت هو أن الدعم الذي حظي به المنتخب الجزائري من العرب كان عفويا وشاملا وبلا حدود ولا تردد، وهذا بعكس مشاركات الدول العربية الأخرى في كاس العالم والتي لم تحظ بمثل هذا الدعم والتشجيع.
لو فازت الجزائر على ألمانيا لحظيت بفرصة تاريخية لمواجهة فرنسا في يوم 5 يوليو وهو تاريخ استقلال الجزائر عن فرنسا. هذه المباراة لو حدثت كانت ستشكل أخطر وأهم مباراة في تاريخ كأس العالم خاصة مع العدد الهائل للجالية الجزائرية في فرنسا والفرنسيين من اصل جزائري وكذلك انتشار التيار اليميني الذي يشكك في وطنية الفرنسيين من اصول عربية. فوز ألمانيا أنقذ فرنسا من مواجهة خطيرة مع الذات وحرم الجزائر من فرصة عظيمة لتحقيق نصر عربي غير مسبوق في كاس العالم لكن الأداء المشرف والبطولي وحد جميع العرب.
ملاحظة أخيرة لا بد من ذكرها. الجميع أعجب بأداء الحارس الجزائري البطل رايس مبولحي والذي أنقذ مرمى الجزائر من عدة فرص في المباراة مع ألمانيا وطوال البطولة. هذا الحارس والده كونجولي ووالدته جزائرية قد منح الجنسية الجزائرية لأن القانون الجزائري يسمح بتجنيس ابناء الجزائريات المتزوجين من أجانب، وكانت الجزائر هي المستفيدة الأكبر من هذا الانفتاح والسياسة المتناسبة مع حقوق الإنسان.
الجزائر درس لنا جميعا في الرياضة والسياسة والوطنية والحقوق الاجتماعية.